الغد- أصدرت مؤسسة الفكر العربي الترجمة العربیة لكتاب ”بحث في قوة الضعف: عندما یعید الجنوب اختراع العالم“ من تألیف أستاذ العلاقات الدولیة في معھد باریس للعلوم السیاسیة؛ برتران بادي، وقد عقدت مؤسسة عبد الحمید شومان بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربي ندوة لمناقشة الكتاب بحضور المؤلف، وقد بدا وضوح مؤكد في مؤشرات تصدع النظام العالمي والتحدیات التي تعصف بھ، لكن أحدا لا یعرف إلى أین یمضي؟ ومن سیملك مركز الثقل في المرحلة القادمة أو كیف ستجري إدارتھا واستیعابھا.
یقول بادي: لم تعد ساحات الصراع القائمة بقبضة الأقویاء؛ كما في الشرق الأوسط وأفغانستان وأفریقیا، لكن تحركھا جھات فاعلة لا ھویة لھا، وتتشكل الیوم ظاھرة مھمة في التوازن وھي ”قوة الضعف“ إذ ظھرت مجموعة من الفرص التي تعزز وضع الضعیف وتدعمھ بموارد غیر متوقعة.
فإضافة إلى أن الحركات التحرریة قادرة غالبا إن لم یكن دائما على الانتصار، فإن العالم بدأ یعتمد مع صعود العولمة على توازن ھش للأوضاع الاجتماعیة، وكأن فائض العجز یتحول إلى خطر یھدد استقرار الجمیع، فالعولمة تمضي بالمشاركین فیھا إلى التشابھ والتضامن، وفي ضعف الحیز الإقلیمي وتلاشي الحدود تعجز السیادة عن الدفاع عن مواقعھا.
ونلاحظ الیوم في ظل العولمة كیف تصعد قوى مؤثرة تتحدى سیادة الدول وقوتھا الصلبة، مثل القرصنة والتھریب والتزویر والعنف الداخلي، والنزعة الاستقلالیة، والھویات الفرعیة، وتنشأ عملیات تضامن ھویاتیة ولغویة واسعة تعبر الحدود.
ویتحول الصراع إلى اجتماعي أكثر مما ھو سیاسي.. وبطبیعة الحال فإن علم الاجتماع یحل أو یشارك علم السیاسة، ویتداخل الصراع بالنسیج الاجتماعي، إذ تتشكل مجتمعات حربیة، وتغذي المجتمعات المیلیشیات بالمقاتلین والحمایة والإمداد، وكان المطلوب إلحاق الھزیمة بالعدو، لكن العدو الیوم یبدو متناثرا وغیر ثابت، وأحیانا لا یمكن أو یصعب التعرف علیھ. وتفقد الأرض كنطاق محدد معناھا ولا تعود الھویة الوطنیة تشكل مؤشرا حصریا، في وقت كانت المكون الأساسي للحرب التقلیدیة. وھنا تقوم ثلاث مصفوفات بتنشیط الانتقال إلى الصراع: تحلل الرابط الاجتماعي، والتھمیش والإذلال، وردة فعل الآخر القائمة على اللعبة القمعیة وما لھا من أثر مضاعف.
تعود روایة النظام السیاسي العالمي إلى معاھدة وستفالیا (1648 (عندما بدأت الدولة المركزیة القائمة حول المكان، لكنھ نظام بدأ یتعرض لتحدیات جدیدة بالغة الأھمیة، فبعد أن سادت العالم ثنائیة قطبیة حادة بین الحرب العالمیة الثانیة وانھیار جدار برلین (1989 (انھارت ھذه الثنائیة لتتحول إلى أحادیة، أصبح العالم تقوده الولایات المتحدة منفردة، لكن بدا للدول الأوروبیة التقلیدیة وروسیا بعد أحداث الحادي عشر من أیلول 2011 أن العالم یمكن أن یتحول إلى تعددیة قطبیة، وخاصة بعد سلسلة من الفشل والتحدیات التي حدثت للنظام الدولي الجدید في الصومال والكونغو ومنطقة البحیرات الكبرى الافریقیة.
بخلاف عاصفة الصحراء (1991 (وإعادة الأمل في أفریقیا (1992 (كانت التدخلات بعد 2001 غیر مغطاة بقرارات للأمم المتحدة، كما حدث في أفغانستان والعراق العام 2003 ،وفي التدخل الفرنسي في مالي العام 2013 والتدخل الروسي في سوریة في الصراع الأھلي الدائر فیھا منذ العام 2011 ویبدو واضحا الیوم كیف أنھا عملیات أفضت إلى متوالیة من الفشل والتعقید، وتحولت دول مثل العراق وسوریة ولیبیا وأفغانستان ومالي والصومال إلى ساحات للقتل والفوضى والدمار.
وأخیرا إذا كان التدخل الخارجي أو النظام الدولي غیر قادر على تحقیق الاستقرار والنجاح، فھل یكون البدیل في النظام الإقلیمي؟ كما حدث في أفریقیا عندما استطاعت المجموعة الاقتصادیة لدول غرب افریقیا من التوصل إلى عدد من الاتفاقیات الفعالة في نزاع مالي ولیبیریا. وربما یكون نظام إقلیمي في الشرق الأوسطي تدیره دول الإقلیم مؤسسا لمرحلة أكثر إیجابیة.