عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Nov-2025

"جبل الجليد" لسليمان.. تجربة سردية تجمع بين العمق الفني والتأويل

 الغد-عزيزة علي

 نظمت لجنة القصة والرواية في رابطة الكتّاب الأردنيين، أول من أمس، ندوة "جبل الجليد لأماني سليمان داود: القصة القصيرة وآفاق التأويل والتجريب"، بمشاركة الدكتورة مها العتوم، والدكتور عامر أبو محارب، وقرأت الكاتبة أماني سليمان نصا من مجموعتها، وأدار الندوة القاص نبيل عبد الكريم.
 
 
تناول المتحدثون مضامين متعددة في المجموعة القصصية، منها حضور القاصة في نصوصها، وتجريبها الفني والميتاسردي، واستخدامها للأرشيف الشعبي والعتبات النصية، فضلا عن تحليل أثر هذه التقنيات في تحويل القصة القصيرة إلى مساحة حية للوعي النقدي والتفاعل بين الكاتب والقارئ.
وقدم المشاركون قراءة نقدية معمقة لأساليب سليمان في تجسيد الوجود والواقع في مرايا مهشمة، كاشفة عن تراكمات المعنى والرموز والاستعارات التي تجعل من مجموعتها "جبل الجليد" تجربة سردية فريدة، تجمع بين العمق الفني والتأويل المفتوح.
قال أبو محارب "إن مجموعة "جبل الجليد" تمثل فضاءً خصبًا لتوليد الأسئلة والبلاغات، فهي – على نحوٍ مغاير – تستعيد مقولة الجاحظ في البيان والتبيين حين جعل البلاغة بلاغات، إذ تتسم المجموعة بتعدد طبقاتها ودلالاتها؛ فظاهرها يشي بالتماسك الواقعي، فيما يخاتل باطنها القارئ ببلاغات رمزية تتناوب فيها أنساق التجريب والأرشفة والعتبات والسرد".
وأوضح أبو محارب أن بلاغة "جبل الجليد" تقوم على ثلاث حركات متداخلة: "الأولى تجريبية تكسر النمط السردي وتعيد ترتيب الزمن على منوال الذاكرة لا الحكاية، والثانية أرشيفية تعيد كتابة الهوية عبر اللغة الشعبية والطقوس اليومية. أما الثالثة عتبية، فتحول الغلاف والعنوان إلى إشارات تأويلية تسبق النص وتعيد قراءته من الخارج".
وأوضح أبو محارب أن هذا المعمار البلاغي في نصوص سليمان يجعل القصة تنفتح على وعي سردي متجاوز للحدود التقليدية بين القاصّ والقارئ، والراوي والمرويّ، والقول والصمت.
وأشار إلى أن النص يغدو منطقة رمادية من الوجود؛ نصفها ظاهر في اللغة، ونصفها غارق في الصمت، تمامًا كما في جبل الجليد الذي لا ترى منه سوى القمّة، فيما تظل الأعماق سر المعنى ومصدر إشعاعه.
وتناول أبو محارب في الندوة القصص: "الابن الذي زرع أباه ورشَّه بالماء"، "خللٌ ما في الأفق"، "أهبل الحيّ"، "زُرقة شفيفة"، موضحًا أن اختيارها جاء لما تتيحه من تنوع بلاغي يشمل التجريب الزمني وبلاغة الضمير والمشهد البصري والأرشيف الشعبي والعتبات النصية، لتشكّل معًا مجمعًا سرديًا متكاملًا يكشف آليات التكوين البلاغي للنص والوعي المتولد منه.
وأشار إلى أن مجموعة "جبل الجليد"، تُعيد إلى القصة القصيرة وهجها البلاغي المفقود، وتؤسس لوعي سردي جديد يجعل من اللغة فضاءً للكشف لا وسيلة للنقل، إذ تقيم سردها على تضافر بلاغات متعددة: بلاغة الزمن، والضمير، والمشهد، والأرشيف الشعبي، والعتبة النصية.
ويبين أن سليمان تمارس في هذه المجموعة كتابة تأويلية تجريبية تمزج بين دفء المحكي الشعبي وشفافية التجريب الحديث، مستدعيةً من الأرشيف الشعبي ما ينعش اللغة ويمنح النص نبضًا حيًا. مبينا أن العناوين والعتبات جاءت مداخل بلاغية واعية توجه القراءة وتغري بالتأويل، لتجعل القارئ شريكًا في اكتشاف الجبل وغمره معًا.
وخلص إلى أن مجموعة "جبل الجليد"، تمثل نصًا جامعًا للبلاغات السردية؛ تنقّب فيه اللغة عن ذاتها، ويتحوّل فيه الصمت إلى معنى، والغياب إلى حضور، والكتابة إلى رحلة في العمق الإنساني، حيث لا ترى من الجبل سوى قمته، بينما يمتد جسده الغائر في لاوعي الحكاية، هناك تبدأ بلاغة الانكشاف.
من جانبها قالت الدكتورة العتوم "إنه على الرغم من أن المجموعة لا تضم قصة بعنوان "جبل الجليد"، فإن هذه العنونة تكشف عن مضامين القصص وأدواتها الفنية والجمالية، وتشير إلى أنها جاءت لاحقًا لكتابة النصوص، بوصفها قراءة نقدية ذاتية للقاصة في أعمالها".
ورأت العتوم أن القصص كُتبت بلغة أنيقة وسلسة ومكثفة، تتدفق بالرموز والاستعارات والإحالات المتعددة، حتى تبدو المجموعة كـ"جبل جليد" لا يظهر منه للقارئ إلا جزء صغير يدل على ما خفي تحته. إنها كتلة من تراكمات التراب والماء والصخور وطبقات المعنى، تجمع بين البرودة والصلابة والتكلس.
وقالت "إن الجليد، يمثل تقاطع الزمان والمكان والتاريخ والجغرافيا، وتعالق الإنسان بالحجر، ويحضر الوعي النقدي في النصوص بوضوح. تدرك القاصة أن قصصها تُومئ ولا تُفصح، وتترك للقارئ فضاءً مفتوحًا للتأويل والاحتمال، فيما تمارس التجريب الفني والتقني في معظم نصوصها".
وأشارت العتوم إلى أن الواقع المعرفي يظهر في خلفية قصص هذه المجموعة، إلا أن القاصة تعبث به عمدًا لصالح الأسئلة الوجودية التي تشكل محور النصوص، ما يجعل وعيها وتعليقها النقدي قلب الطاولة على وعي القارئ، ودفعه للبحث بعيدًا عن المعنى المباشر، نحو عالم القاصة والتفكير فيما تريد قوله.
وتابعت العتوم: رغم استعانتها في الهامش بالشعراء أدونيس ومحمود درويش، فإن العتبة تحمل دلالتها ورمزها الخاص، كما أن القفلة تستعين بـ"جاك لاكان وإرنست همنغواي"، لكنها أيضًا لها مدلولها الخاص. تقول القاصة في العتبة: "لسنا سوى انعكاسات في مرايا مهشمة"، مُركّزة على الذات وعوالمها ورؤيتها، فالمجموعة لا تقدم العالم الواقعي، بل صورته وانعكاسه الحقيقي في المرايا المهشمة".
وخلصت العتوم إلى إن الوعي النقدي والتعليق الميتاسردي دفعا القاصة إلى الاستعانة بتقنيات سردية متنوعة، مثل التقطيع السينمائي، وتنويع الضمائر، وتكسير الإيهام بالواقع، وتقطيع التسلسل الزمني، وتغيير الخط داخل القصة الواحدة. كل ذلك يتيح لها تقديم رؤيتها للوجود والواقع كما تراهما في مرايا الوجود المهشمة، ويقدم نموذجًا متميزًا في التجريب الفني، ويفتح أبواب التأويل للمتلقي إلى أقصى حد.