عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Apr-2021

فرصة سانحة وليس تهديدا للأمن والاستقرار*ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 الدستور

كل المؤشرات والروايات والأحداث والتفاصيل القادمة من خارج الإطار الرسمي، تؤكد أن هناك توظيفا سيئا لما يصدر عن سمو الأمير حمزة بن الحسين، لزعزعة أمن واستقرار البلاد، ولعل التوظيفات ليست بالمهنة الجديدة لمن مهنتهم تدمير البلدان أو ابتزازها، بل هذه التوظيفات المنحرفة هي التي أفقدت بعضنا الثقة بالدولة وبمؤسساتها، وقد كانت وما زالت هذه مشكلة اعلامية بالدرجة الأولى، تتمثل بغياب الكفاءات التي يمكنها أن تتحدث عن بلدها، وتجابه الخطاب المعادي الذي يسعى لتقويض أمنها، وعلى الرغم من أننا في هذه الدولة التي تطوي قرنا حافلا من عمرها، لم يمر علينا عاما واحدا يخلو من محاولات بهذا الصدد.
 
العائلة الهاشمية؛ عائلة تتمتع بتاريخ وإرث إنساني كبير، ولديها أعراف مستقرة في الذهنية العربية، لكنها متجذرة في حياة وثقافة وأخلاقيات ودستور الأردنيين وفي تاريخ دولتهم ومواقفها، ومنها اكتسبت الدولة صفة تميزها عن غيرها من الدول العربية التي تشهد ظروفا مماثلة، ولعل الوصفة الفريدة التي جعلتنا في هذه البلاد نبني منظومة من القيم والأعراف الأردنية، تتمثل في سمو الأخلاق الهاشمية التي وجدت ما يكافؤها لدى الأردنيين، فالشعب الأردني يتمتع أساسا بمثل هذه المنظومة الطيبة من القيم، وتم تعزيزها والمحافظة عليها وصهرها في قيم سياسية واجتماعية تمثل دولة، من خلال اللقاء الفريد الذي جمع بين أخلاقيات الحكم الهاشمي وأخلاقيات العشيرة العربية الأردنية، ولدينا تاريخ سياسي واجتماعي متحرر، وحافل بالمواقف الكبيرة التي نعتز بها، فهذه أهم ملامح العقد الإجتماعي بين الشعب والدولة ممثلة برأسها وقائدها.. إرث لا يمكن التنازل عنه ولا يمكن أن تستمر حالة الأمن والاستقرار والقوة والمنعة إلا به.
 
قبل سنوات تداول بعضهم فيلما يظهر فيه سمو الأمير حمزة متحدثا بمناسبة تخريج طلبة في إحدى المدارس، وظهرت موجة من الجدل، تمثل «مهنة» التوظيف السيء لما يقوله الأمير، وكتبت حولها مقالة، استنكرت فيها هذه البدعة من التوظيف الخبيث لكلام أمير أو كلام صادر عن أحد أفراد العائلة الهاشمية، حيث انطلق الجميع في شبه إجماع على إنكار وتجاوز حقيقة أن هذا بلد ديمقراطي، ويمكن لكل مواطن فيه أن يعبر عن رأيه وقناعاته وموقفه من قضايا الشأن العام، ولم يسلب الدستور مواطنا ما هذا الحق، فكيف يسلبه من مواطن أردني ينتسب للعائلة الهاشمية؟!.
 
حين يتحدث سمو الأمير حمزة عن قضايا الشأن العام حسب قناعته، فهذا موقف طبيعي، وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع ما يقول فهو مجرد رأي لشخص لا يتمتع بصفة رسمية، سوى كونه واحدا من العائلة الهاشمية، وهذه ليست جريمة ولا قيدا يمنعه من أن يعبر عن أفكاره، ولدينا نموذج نعتز به جميعا، وهو شخصية هاشمية يتم تقديمها في المحافل المحلية والدولية بالقول «المفكر الأمير الحسن بن طلال»، لكن التحفظ الذي يتحدث عنه من أعتبرهم «حكماء»، متعلق بحقيقة أن هذا أمير هاشمي وينتقد سياسات، وهذا لا يتفق مع أعراف يدافعون عنها، لكنني متأكد بأنها ليست اعراف الحرية والحكمة والمنطق الأردنية الهاشمية، فإن كان النظام الأردني يستوعب كل ما يقدمه «المغرضون» من انتقادات، ويتجاوز عن أخطاء الكثيرين، ولم يسجل فيه حالة دموية واحدة، فهو لن يضيق برأي مواطن اردني وأمير هاشمي، وأنا متأكد بأن كل أفراد العائلة الهاشمية يتبادلون الحديث بينهم بكل حرية وبصدر رحب، لكن المشكلة في «التوظيفات» السيئة، التي هي في الواقع مهنة بعضهم، وهي سلعتهم الثمينة في الابتزاز وتعكير صفو الدول، وهي السلاح الأمضى لاغتيال الشخصية.
 
كثيرون منا تأخذهم العاطفة، واعتادوا التفكير على طريقة الفزعة، وكأن عقولهم لا تعمل إلا حين يقع حدث ما، وتلجأ لعاطفة كلها غضب، وإلى نمط الفزعة البدائي، الذي يبدو «بلطجة» على ألسنة وتصرفات بعض النخب والمسؤولين متواضعي القدرات، ففي الوقت الذي تقول فيه الدولة من خلال الحكومة بأن الأمير حمزة غير متورط بافعال تهدد زعزعة الأمن والاستقرار، وهو أيضا ما أكده الأمير في الفيديوهات التي قام بتسجيلها وتوزيعها على معارفه، وهو ما نقتنع به جميعا، في الوقت نفسه يبرع بعضنا ويسمع بعضنا الآخر بل يشنف الآذان، للروايات المجرمة، التي لا تنسجم لا مع أخلاق أردنية ولا مع موروث العائلة الهاشمية، ويتجاوز الجميع عن حقيقة ذكرتها الحكومة في كل تصريحاتها، وهي أن جلالة الملك وجه بأن تبقى المسألة ضمن إطار العائلة الهاشمية التاريخية، التي تولت مسيرة أمة في مراحل ما من التاريخ، فهي لن تعجز عن مسألة بسيطة تفتح بابا للغط والجدل والحديث الزائد، وحقيقة أخرى (هي دستورية بالمناسبة)، وتقول إن جلالة الملك هو رأس الدولة وهو الذي يصوغ توجهاتها في حفظ الأمن والاستقرار، ولا أعتقد بأن أحدا له الحق الكامل في حل هذه القصة وتفكيك خطرها أكثر من جلالة الملك.
 
حتى الجهات والأطراف والأشخاص الآخرين، الذين لم تتبلور «قضائيا» تهمتهم حتى الآن، هم وفي أسوأ الأحوال أشخاص «مغرر بهم»، بحكم حساسية وظائفهم وأعمالهم، فأغلبهم ليسوا سياسيين ولا مسؤولين، لكنهم لا بد متحمسون لوظائفهم وأعمالهم، أما الألسنة التي «تمضغ» الحدث وتوجهه الى مقاصد أخرى، فهي ليست خطيرة إلا حين تغيب الحقائق عن أذهان من يسمعوا، ومن يتحولوا الى مجرد «سمّيعة»، ولا رأي أو عقل يعمل، بينما الخراب لا قدر الله إن وقع، فهو سيقع عليهم أول ما يقع، جراء عومهم في فضاءات تخلو من الأخلاق وتزخر بالإنحراف والانتقامية وتصفية الحسابات.
 
أنا قلت سابقا بأنها زوبعة على حواف «الفنجان» وليست داخله، واليوم أقول هي فرصة أخرى للفظ البدع والمؤامرات المحتملة، وإعادة الحوار الى مائدته الطبيعية الديمقراطية الدستورية الحرة، وليس تركه للجدل واللغط ومجافاة العقل والحكمة، أقول هذا ولا استثني أو أستبعد خطر الجهات الخارجية، لكنني أقلل من شأنه أيضا، فهو خطر موجود باستمرار، وقمنا بصده ألف مرة. هذا البلد محمي برعاية الله، ثم بجهود وعقول وقلوب وزنود أبنائه وسمو ورفعة أخلاقهم.