عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Dec-2024

حوض اليرموك وحقوق الأردن المائية*د.عبدالله سرور الزعبي

 الغد

قدر الأردن أن تكون معظم مصادر مياهه السطحية منها والجوفية مشتركة مع دول الجوار. لقد بدأت خلافات الأردن مع الدول المجاورة على تقاسم مياه نهر الأردن واليرموك إلى بداية خمسينيات القرن الماضي. كما وتعود أول تفاهمات للأردن على تقاسم مياه اليرموك مع سورية لعام 1953، حيث وقعت اتفاقية لإقامة سد في أسفل مجرى نهر اليرموك في منطقة المقارن وبسعة 300 مليون متر مكعب، تبعتها خطة جونسون (مبعوث الرئيس الأميركي لدراسة موضوع المياه المشتركة في المنطقة وتقديم مقترح لكيفية تقاسمها) عام 1956، والتي حددت حصة الأردن بـ720 مليون متر مكعب، منها 479 للضفة الشرقية، إلا أنه ومع كل أسف لم تلتزم سورية في تنفيذ بنود الاتفاقية ولم تلتزم إسرائيل أيضا" بخطة جونسون، ولم يحصل الأردن على حقوقه المائية من نهري الأردن واليرموك كما يجب.
 
 
بقية الأمور بين الأردن وسورية تراوح مكانها بين شد وجذب الى عام 1987، حيث تم التوقيع على اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك والمكونة من 15 مادة، وحيث نصت المادة 15 والأخيرة من الاتفاقية على إلغاء اتفاقية عام 1953 حسب النص التالي" تلغى الاتفاقية الموقعة بين الدولتين في دمشق بتاريخ 4 حزيران 1953 حول استثمار مياه نهر اليرموك."
سمحت اتفاقية عام 1987 للأردن ببناء سد في أسفل مصب نهر اليرموك (سد الوحدة) وبوشر بالعمل في تنفيذه عام 2003، وبدأت عملية التخزين في نهاية عام 2006، إلا أن عملية استلامه النهائي كانت في بداية عام 2010، كما وتحمل الأردن تكاليف انشاء السد بالكامل. حيث كان من المفروض أن يعمل السد على تخزين ما لا يقل عن 200 مليون متر مكعب إلا أنه تم تخفيض الكميات واعيد تصميم جسم السد بسعة تخزينية بلغت 110 ملايين متر مكعب (هذا مع العلم بأن الطاقة التخزينية للسد في منطقة المقارن، حسب التفاهمات السابقة وقبل توقيع اتفاقية 1987، كان يجب ان تكون حوالي 300 مليون متر مكعب). كما وسيعمل السد على توليد طاقة كهربائية تقدر بـ18.800 ميجاواط/ساعة، منها 75 % لصالح سورية و 25 % للاردن. كما وافق الأردن على الإبقاء على السدود المقامة وعددها 25 سداً في حوض اليرموك (حيث تم الاعتراف بها كأمر واقع، وهي التي انشئت قبل توقيع الاتفاقية عام 1987) على الجانب السوري من حوض اليرموك، وبسعة تخزينية تبلغ ما لا يقل عن 134 مليون متر مكعب. كما كان من المفروض ان تسمح سورية بتدفق ما لا يقل عن 200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً في مجرى اليرموك الذي تبلغ مساحة حوضه 5590 كيلو مترا مربعا، منها ما يقارب 4400 كيلو متر مربع داخل الأراضي السورية.
وعلى الرغم من أن اتفاقية عام 1987 كانت مجحفة بحق الأردن مقارنة مع حقوقه المائية كما وردت بخطة جونسون أو حسب اتفاقية 1953، إلا أن سورية ومع كل أسف لم تلتزم ببنودها، فاستمرت بالتوسع ببناء السدود والتي تجاوز عددها 40 سداً وبطاقة تخزينية فاقت 200 مليون متر مكعب. 
كما انها لم تكتف في بناء السدود بل قامت بتنفيذ برنامج لحفر الآبار الجوفية المرخصة منها وغير المرخصة، وبعض المعلومات تشير إلى أنها بلغت أكثر من 3500 بئر (وحسب المعطيات السورية لعام 2007، فإن هناك ما لا يقل عن 1235 بئراً في منطقة درعا وحدها).
إن البيانات المنشورة تشير إلى أن سورية وقبل اندلاع الأحداث فيها عام 2011 كانت تستنزف من حوض اليرموك ما لا يقل عن 330 مليون متر مكعب سنوياً (منها ما لا يقل عن 170 مليون متر مكعب سنوياً من المياه الجوفيه)، هذا الرقم يزيد على ثلاثة اضعاف حصة سورية المقرة في خمسينيات القرن الماضي. بينما أكد الأردن التزامه ببنود الاتفاقية وطالب باستمرار باحترامها، هذا مع العلم بأن إسرائيل حافظت على حصولها على حصتها من مياه حوض اليرموك والمقدرة بـ25 مليون متر مكعب (وهذه كانت إحدى ذرائع النظام السوري، بأن الأردن يتقاسم حصته مع إسرائيل، متناسية التوزيع الوارد بخطة جونسون، وهي أحد الأطراف التي وافقت عليها).
على الرغم من اتفاق استثمار مياه نهر اليرموك وتحمل الأردن تكاليف انشاء سد الوحدة (حسب المعلومات المنشورة بتاريخ 15/12/2006 بان تكلفة المرحلة الاولى منه بلغت 78 مليون دينار)، إلا أن الجانب السوري استمر في التحكم بمياه النهر التي تمر في أراضيه، ولم يسمح بعملية تدفق المياه كما يجب ان تكون، ولم يدخل في جسم السد الا نسبة قليلة مقارنة مع سعته التخزينية (خاصة قبل اندلاع الأحداث السورية عام 2011)، فكانت مثلا في عام 2006 حوالي 2.58 مليون متر مكعب وفي عام 2011 حوالي 12.61 مليون متر مكعب، وفي عام 2014 حوالي 40.47 مليون متر مكعب، ووصلت أقصى حد لها حوالي 88 مليون متر مكعب في عام 2018 (حسب معطيات وزارة المياه)، ويعود هذا الارتفاع إلى أحداث سورية الداخلية التي وقعت منذ عام 2011 والتي أدت إلى نزوح عدد من مستخدمي مياه حوض اليرموك في القطاعات الإنتاجية في سورية، إلا أن معطيات وزارة المياه تبين أيضا انخفاض هذه الكميات منذ عام 2020 حيث أصبحت 61.56 مليون متر مكعب واستمرت بالانخفاض بعد الاستقرار النسبي الذي حصل في سورية منذ ذلك العام إلى أن وصلت إلى 17.5 مليون متر مكعب في نهاية شهر آذار من عام 2022 (حسب معلومات وزارة المياه).
خلال العقدين الاخيرين، طالب الأردن سورية بالتوقف عن انشاء السدود والسماح بجريان المياه السطحية، وعدم حفر الآبار، لا بل كان الأردن يرى ضرورة فتح بوابات السدود السورية وردم الآبار المحفورة والتي أدت إلى استنزاف مياه حوض اليرموك الجوفية والالتزام باتفاقية عام 1987 (مع انها مجحفة بحق الأردن)، وعلى الرغم من مواقف الأردن القومية باستمرار ووقوف الأردن بقيادته الهاشمية إلى جانب الأشقاء في سورية وارساله قوات الجيش العربي الأردني لحماية الأراضي السورية والتي شكلت جدارا لحماية دمشق من التهديدات الإسرائيلية المباشرة لها في حرب 1973، وكذلك تعامل الأردن معها كعادته في التعامل مع الاشقاء العرب بحسن النوايا ولم يقوم بالتصعيد واللجوء إلى التحكيم الدولي، وسورية هي التي تعلم جيدا" معاناة الأردن من شح المياه والتي تفاقمت في العقد الأخير (حيث انخفضت حصة الفرد الأردني حاليا إلى أن وصلت حوالي 45 مترا مكعبا من المياه سنوياً، بينما كانت قبل سبعة عقود تفوق 3000 متر مكعب) كنتيجة للزيادة السكانية واستضافته ما يقارب 3.7 مليون لاجئ منهم ما لا يقل عن 1.3 مليون لاجئ سوري على أراضيه (حسب ما هو منشور بتاريخ 19/6/2023، بمناسبة يوم اللاجئ العالمي) إلا أن هذا لم يشفع للأردن لدى النظام السوري طيلة العقود الماضية، لا بل استمر النظام باستخدام هذا الملف للضغط على الأردن للحصول على تنازلات في ملفات أخرى.
اليوم وبعد رحيل النظام السوري، وقيام إسرائيل بعملية عسكرية على اراضيه وسيطرتها على جبل الشيخ وبعض المواقع الاخرى وحيث يظهر أن جزءا منها يقع ضمن أراضي حوض اليرموك، ولا نعرف أين ستتوقف في عملياتها، ومن يدري كيف ستتطور الأمور، وفي حال وسعت إسرائيل عملياتها وسيطرتها على جزء أكبر من أراضي الحوض، فبكل تأكيد ستتعقد الأمور بشكل أكبر، وعندها سيكون هناك واقع جديد لتقاسم مياه الحوض.
وعلى الرغم من أن البعض سيقول إن الوقت غير مناسب لطرح مثل هذا الموضوع، إلا أن الأمن المائي الأردني والمرتبط به الأمن الغذائي مباشرة وغيره ذلك من المواضيع ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة، تفرض علينا ضرورة التحرك بسرعة والاستعداد لمعالجة هذا الملف بشكل جيد يضمن لنا حقوقنا الأصلية، مستندين الى ما تقوم به قواتنا المسلحة واجهزتنا الأمنية من عمل جبار لحماية حدودنا وأمننا الوطني، منطلقين أيضاً من أن الأمن الوطني لا يتجزأ وخاصة بأننا الأفقر مائيا" في حصة الفرد على مستوى العالم.