الغد
ربما نكون نجحنا في وضع مسار إصلاحي سياسي، لكن المسار خال من شاغليه.
نظريا، لدينا أحزاب سياسية مسجلة حسب الأصول ومتخمة بأعضاء وهيئات عامة وأمانات وأمناء أحزاب، لكن ليس لدينا حزب سياسي يسعى للحصول على السلطة بقنواتها الدستورية والقانونية على أساس برامج حكم واضحة أو منهجيات حلول لأزمات المواطن – الناخب.
الإصلاح السياسي لم يكن هبة ولا منّة ولا تفضلا من الحكومات، بل هو استحقاق شرعي لضمان سير عمل الدولة التي هي كلنا جميعا، لكن "كلنا جميعا" شققنا الطريق ولم نخضه بعد، ومجرد تسويق فكرة "المنّة والتفضل" في الوجدان الشعبي يعني أننا نعود إلى الخلف ولا نتقدم، وبطريقة أو بأخرى فإن عملية تسويق تلك الفكرة تخدم من يستهدفون الدولة الأردنية ويريدون تقويضها لتمرير أفضليتهم "المتوهمة"، وهم ليسوا تيار الإخوان المسلمين وحسب، بل ينضم إليهم في ذات خندق المصلحة بتقويض الدولة الأردنية تيارات وفئات الثورجية المفتونين بإنشائيات يسارية نخر السوس في خشبها، والمتخمين بحس انتقامي تاريخي لا قيمة له في عالم اليوم.
لا نهاجم تيار الإخوان بمنطق الفزعة على خلفية الأحداث الأخيرة، فالخصومة قديمة منذ قرأنا وعرفنا ودرسنا وشهدنا جوهر فلسفة تيار الإخوان المسلمين الذي قام على معالم طريق "سيد قطب" وللأسف وبغفلة كان كتابه هذا مقررا في كثير من مؤسسات الأردن التعليمية، فالتيار الإخواني لا يؤمن أساسا ومن ناحية المبدأ بمفهوم "الدولة" بمعناها العصري الحديث، وغالبية مفاهيمه مبنية على المغالبة، وهو مفهوم "انقلابي" خطير يتناقض بطبيعته مع مفهوم "تداول السلطة".
لذا، فإن من يضع تيار الإخوان في خانة "المعارضة" مخطئ، فهو ليس معارضة في الدولة كما يجب أن يكون الحال، بل معارضة لكل مفهوم الدولة. وحضوره "الشعبوي" قائم على سعة الفراغ في تلك المعارضة التي لم يملأها أحد بمعناها الصحيح، رغم أن الطريق الآن معبّد وقد يحتاج إلى بعض الصيانة التي تقررها التجربة لو حدثت.
الخطاب الإقليمي والعنصري والإقصائي في مواجهة "الإخوان" ليس ولاء ولا ينفع الدولة بل يقوّضها أيضا من حيث لا يدري من يتبنى تلك "الإقصائية"، وهو يخدم بل ويغذي تيار الإخوان المسلمين وأيّ جهة أخرى هدفها إثبات غياب "الدولة" بمفهومها الصحيح، ومفهوم الدولة يقوم على مسطرة المواطنة المتساوية المحكومة بالدستور والقوانين والتشريعات لا غير، ويخل توازناتها الدقيقة أي خطاب إقصائي أو إقليمي مبني على دجل تاريخي أو شعوذات غيبية مغلفة بالمقدس.
نحن بحاجة إلى أحزاب تضع برامج ومنهجيات وخطط عمل تتعلق بالتربية والتعليم والسياحة والاقتصاد والأعمال والقطاع الخاص والتنمية والاستثمار والبنوك والبنية التحتية والأشغال والعطاءات وكل ما يتعلق بمعيشة المواطن اليومية، وهناك محاولات "متواضعة" عرفتها مؤخرا لأحزاب كل ما ينقصها الموارد المالية لتنهض وتقدم الجديد والنوعي.
لكن، من سيعلق الجرس؟