عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Sep-2023

"موت الكاتب وإحياء النص".. رؤية جديدة في النقوش الصفوية للمعاني

 الغد-عزيزة علي

قال أستاذ تراث الشرق الأدنى القديم والسياحة في الجامعة الهاشمية الدكتور سلطان المعاني، إن إحياء النص في النقوش الصفوية هو مفهوم يتعلق بالكتابات التي تم نقشها على الصخور أو الجدران أو الأعمدة في العصور القديمة، والتي تحمل شهادات عن تاريخ وثقافة شعوب مختلفة. وذلك في الندوة التي أقامتها جمعية النقاد الأردنيين أول من أمس في المكتبة الوطنية.
 
 
وأضاف المعاني، أن كتاب "موت الكاتب وإحياء النص- نقوش عربية شمالية من بادية المفرق الشمالية الشرقية" الصادر بدعم من وزارة الثقافة، يعيد تقييم العلاقة بين النص والقارئ والكاتب، مع مراعاة التحديات الجديدة التي تقدمها النقوش الصفوية. هنا، لا يعد الانفصال بين النص والكاتب نقطة نهائية، بل بداية لإحياء النص وفهمه في سياقه الزمني والثقافي والاجتماعي. بهذا، يصبح "موت الكاتب" توسيعاً لمفهوم "موت المؤلف"، بحيث يغني فهمنا للعلاقات المعقدة بين الكتابة والقراءة والسياق. 
 
ويقدم مفهوم "موت الكاتب"، فرصة لإحياء النصوص الأثرية بطريقة تعيد لها حيويتها، وتأكيد أهمية الزمان والمكان في فهم النص، مما يؤدي في النهاية إلى إثراء مفهوم "موت المؤلف" كما اقترحه رولان بارت.
المعاني، استخدم في كتابه نظرية المنهج التفكيكي (النظرية التفكيكية في النقد)، في دراسته التوثيقية على النقوش القديمة، بمحاولة استقرائية لاستنطاق مدلولاتها الزمانية والمكانية، ومن خلال ذلك شيد بناء معرفيا، بتشكيل النص الحديث الموازي للنص القديم المنقوش على حجر في صحراء قاحلة مجهولة، وبذلك أعاد الحياة للمكان وأناسه الذين كانوا ذات يوم في فيه.
وقال المعاني: "إن موت الكاتب وإحياء النص" هو رؤية جديدة في النقوش الصفوية وعلاقتها بنظرية "موت المؤلف" لرولان بارت، مبينا أن هذه المقالة تحاول استكشاف الفارق بين مفهوم "موت الكاتب" كما يقدمه عنوان الكتاب، وبين "موت المؤلف" كما اقترحه رولان بارت. الأمر يكتسب أهمية خاصة في التعامل مع النقوش الصفوية التي تعتبر منتجا ثقافيا للكتاب القدماء.
وأوضح المحاضر، أن النقوش الصفوية تعكس ثقافات وحضارات مختلفة عن تلك التي نعيش فيها. هذا يجعل من الصعب علينا تحديد معنى النص بشكل دقيق أو موضوعي. كما أنه يطرح تحديا لمفهوم "موت المؤلف"، فهل يمكن للقارئ أن يستبدل المؤلف بتأويله الخاص، أم أنه محدود بالسياق الثقافي والجغرافي للنص؟ وفي ضوء هذا، يمكن القول: "إن مفهوم "موت الكاتب" يتجاوز مفهوم "موت المؤلف"، لأنه يأخذ في الاعتبار عوامل زمانية ومكانية تؤثر على قراءة وفهم النص. 
تابع المعاني حديثه قائلا: "إحياء النص في النقوش الصفوية: في حالة النقوش الصفوية، لا يتعلق الأمر بمجرد انفصال النص عن المؤلف، بل يتعلق بإحياء نص قد كتب في زمان ومكان مختلفين تمامًا. هنا يكمن الفارق الرئيسي"، من خلال فحص مفهوم "موت الكاتب" في سياق النقوش الصفوية، حيث نجد أن العلاقة بين الكتابة والقراءة تتغير بمرور الزمن، وتتأثر بالمتغيرات الثقافية والاجتماعية. بينما تقدم نظرية "موت المؤلف" لـ"رولان بارت"، أحد الأبعاد لفهم هذه العلاقة، إلا أن النقوش الصفوية تقدم بعدين آخرين يستحقان الفحص والتأمل وهما (الزمن، والمتغيرات الثقافية والاجتماعية).
وأضاف المحاضر، إحياء النص في النقوش الصفوية هو مفهوم يتعلق بالكتابات التي تم نقشها على الصخور أو الجدران أو الأعمدة في العصور القديمة، والتي تحمل شهادات عن تاريخ وثقافة شعوب مختلفة، لافتا إلى أن الكتابات تحتاج إلى قراءة جديدة تأخذ في الاعتبار السياق التاريخي والجغرافي والاجتماعي للنص والقارئ. ففي حالة النقوش الصفوية، لا يكفي فقط أن نفصل بين النص والمؤلف، بل يجب أن نحاول إحياء النص من جديد، وإعادة ربطه بالحياة التي كان يعبر عنها.
وأشار المعاني، إلى مراحل التفكيكية في دراسة النص: يتألف النهج التفكيكي من مرحلتين: الأولى: تتعلق بالدراسة التقليدية للنص، والثانية: تقوم على تقويض هذه الدراسة. في هذه المرحلة الثانية، يصبح النص شاهدا يحمل معانٍ لم يعلن عنها صراحة، مشيرا إلى أن النقوش تعد شاهد عيان لا يقول كل الحقيقة: يصبح النص في هذا السياق -وفي هذه الحالة النقش- شاهدا لا يقول كل الحقيقة. فما هو ظاهر في النص يخفي وراءه أكثر مما يظهر، مما يعطي أبعادا جديدة للفهم والتحليل.
ثم تحدث المعاني عن كتاب "موت المؤلف"، الذي نشر في العام 1967، للمؤلف والناقد الفرنسي رولان بارت، حيث قدم فيه نظرة جديدة على العلاقة بين النص، المؤلف، والقارئ، وهو يعتبر أحد الأعمال الأساسية في ميادين النقد البنيوي والنقد ما بعد الهيكلي. كما يناقش رولان بارت في كتابه، أساليب القراءة والنقد الأدبي التقليدي، محذرا من محاولات البحث عن معنى النص بالاعتماد على هوية وخلفية المؤلف. مفهوم "موت المؤلف" بارت يعلن عن "موت المؤلف" كمصدر مفترض للمعنى في النص. يشير، إلى أن النص يصبح مستقلا عن المؤلف بمجرد نشره، وأن المعنى يتكون ويتغير من خلال تفاعل القارئ مع النص، في هذه النظرية، يصبح دور المؤلف مشابهًا لـ"السيناريو" في الأعمال الدرامية. المؤلف هنا ليس موضوعا يعطي المعنى، بل هو جزء من العملية الإبداعية التي تولد مع النص.
وتحدث المحاضر عن أن عناصر العمل الأدبي في البنيوية، نتاج تفاعل ثلاثة عناصر وهي كما قال: "المؤلف، النص، المتلقي"، مشيرا إلى أن البنيوية ركزت على إبعاد المؤلف للتركيز على النص واللغة كعناصر مستقلة للتحليل، وأضاف  أن النص هو مرآة لتجربة المؤلف فالكتابة ليست مجرد عملية تقنية لتوثيق الأفكار، بل هي تجربة ذاتية ووجودية يعيشها الكاتب. عبر الكتابة، تصبح لدى الكاتب القدرة على تحويل ما يدور في عقله وما يؤمن به في قلبه إلى شكل ملموس يمكن مشاركته مع الآخرين. 
والنص هو الوسيلة التي يستخدمها الكاتب لنقل هذه التجربة الشخصية إلى القارئ. بمعنى آخر، يعتبر النص مرآة تعكس لنا تجربة وآراء المؤلف، وتصبح فيه اللغة أداة لنقل الدلالات والمعاني التي يرغب الكاتب في مشاركتها. إن العلاقة بين القارئ والمؤلف ليست أحادية الاتجاه، بل هي تفاعلية وجدلية. يمكن أن نطلق عليها مصطلح "فهم الفهم". فالمؤلف يقوم بعملية فهم تجربته وآرائه قبل تحويلها إلى نص، والقارئ يقوم بعملية فهم مماثلة عند التفاعل مع النص.
وأشار المعاني، الى أن هناك مستويات متعددة للتفاعل بين القارئ والنص، القارئ يمكنه فهم النص بطريقة ظاهرية، أو يمكنه الدخول في أعماقه لفهم المعاني المجازية والمستترة. كل هذا يعتمد على تجربة القارئ الشخصية، ومدى تفاعله مع النص. في هذا السياق، يصبح من الصعب قبول نظرية "موت المؤلف"، التي تقول: "إن النص يصبح مستقلا تماما عن مؤلفه بمجرد كتابته. بل يمكن القول إن العلاقة بين القارئ والمؤلف تثري التجربة لكلا الطرفين. القراءة ليست مجرد استهلاك للنص، بل هي تجربة تفاعلية تكمل فيها الأفكرُ والمعاني دورة حياتها من المؤلف إلى القارئ والعكس. هذه العلاقة الجدلية تبرز الأبعاد المتعددة للفهم وتقدم تجربة غنية ومعقدة للتفاعل البشري مع النصوص".