الغد-عزيزة علي
أعادت دار الفينيق للنشر والتوزيع، الأردن، طباعة كتاب "من بين أوراقي، 50 عاما من الإعلام والدبلوماسية"، لعيسى خليل صباغ، وكتب تقديما للكتاب الصحفي والمؤرخ الفلسطيني، ناصر الدين النشاشيبي.
يقول النشاشيبي في تقديمه: "إن مذكرات صباغ تفتح لنا أكثر من باب، وتدلنا على أكثر من طريق في هذه التجربة لأنها تعيد إلى الذاكرة صفحات من المآسي والأخطاء التي مرت بها، أو اقترفتها أمتنا في حق قضاياها المصيرية على مدى نصف القرن الأخير، مبينا أن حياة صباغ الإعلامية والسياسية، تؤهله كي يكون مرجعا حول العشرات من القضايا والأمور العامة المتعلقة بنا، حيث عاصر العشرات واطلع على أسرار المئات وجاء اليوم يضعها أمام الناس للدرس والتذكير مما يعود علينا بالفائدة المزدوجة: أن نعرف لماذا أخطأنا. ونعرف كيف لا نكرر الخطأ.
ويوضح النشاشيبي أنه تعرف على صباغ منذ أن كان تلميذا في الكلية العربية بالقدس. و"شدني إليه خلق رضي، وكرامة وطنية، واندفاع من أجل البلد ومن أجل الناس، وحرصت على أن أتابع أخباره وأسفاره في داخل فلسطين وخارجها وأحسست بصداقته من بعيد، واحتفيت بتلك الصداقة رغم ما يقال: "إن الصداقة كالمال، جمعها أسهل من الاحتفاظ بها".
ويضيف النشاشيبي أنه عندما كان يستمع لصوته من إذاعة لندن، كان يشعر بقرب ذلك الصوت من بلده، ومن آلامه وآماله. وما أكثر المذيعين العرب الذين تولوا- عبر الخمسين سنة الماضية- مهمة إذاعة النشرات والبرامج العربية من الإذاعات الأجنبية.
ويرى النشاشيبي أن صباغ وهو ابن "طولكرم- وابن صفد معا"، كان حريصا على أن يجعل نبرات صوته الممزوجة بأحاسيس الشوق للوطن وللأهل، تنوب عنه في الإعراب للملايين عما كان يجيش في صدره من حب ومشاركة وتفهم صادق، وتشجيع على الصمود أمام الضربات من أجل التغلب عليها.
ويشير النشاشيبي إلى أن صباغ الذي تنقل من إذاعة لندن إلى إذاعة أمريكان، وهاجر من العالم القديم كي يستقر في العالم الجديد وأن يغزو بصوته الجمهوري ونبراته الأصيلة الملايين من المستمعين الجدد، الذين فاته أن يكسبهم من وراء مذياع لندن خلال عمله هناك، لافتا النشاشيبي إلى أنه عندما كان مديرا عاما للإذاعة الأردنية الهاشمية في القدس، كان حريصا على الاستماع إلى جميع النشرات الإخبارية القادمة إلينا عبر المذياع اللندني والمذيع الأميركي، "كنت حريصا على الطلب من جميع مذيعي دار الإذاعة الأردنية الاستماع إلى صوت عيسى صباغ والاستفادة من أسلوبه في الإلقاء وطريقته في القراءة، ومدرسته في تحرير الخبر".
ويعتبر النشاشيبي أن صباغ كان بمثابة المدرسة الإذاعية طيلة عمله في لندن وفي واشنطن، وعندما التحق صباغ وهو الشاب العربي الفلسطيني المثقف بالسلك السياسي الأميركي- دبلوماسيا وإعلاميا -أدرك العرب أن خسارتهم في الحرمان من صوت صباغ لا تعوضها إلا مكاسبهم في وجوده داخل أروقة الدبلوماسية الأميركية، وبالقرب من صانعي القرار الأميركي، "فكانت فرحتنا كبيرة وصادقة عندما انتقل صباغ إلى الشرق الأوسط وتبوأ عمله الدبلوماسي في السفارة الأميركية بجدة.
ويقول النشاشيبي: "إنه عندما بادر صباغ بكتابة مذكراته بعد أن سبق له أن قتم بإهداء المكتبة العربية أكثر من مؤلف وأكثر من بحث أدبي. سوف يجد القارئ في فصول هذا الكتاب قصصا شيقة عن أول رحلة قام بها صباغ في العام 1946، إلى عالمنا العربي بعد انتسابه إلى الإذاعة البريطانية، وعن قصة الطائرة البريطانية التي حلقت فوق سماء "عمان"، لأول مرة في تلك السنة، وسيجد القارئ فصولا صحفية وأدبية وسياسية عن الرسائل الإذاعية التي كان يرسلها صباغ إلى لندن من قلب قصر "شايو"، في باريس خلال أخطر مرحلة مرت بها قضية فلسطين في أواخر الأربعينيات وعندما انغمس صباغ في الحياة الدبلوماسية وراح يطوف بلاد السعودية والكويت ولبنان.
ويوضح النشاشيبي أنه جاء اليوم الذي يتحدث فيه صباغ عن الكثير من الجلسات السياسية الخطيرة، حيث يكتبها وينشرها في هذه المذكرات، بأسلوب دبلوماسي "مؤدب"، زادته الغربة صقلا واتزانا، واستطاع أن يقول الكثير من دون أن يحرج أحدا أو يكسر قانونا، أو يلحق الأذى بأي كبير أو مسؤول سبق له أن ائتمنه على السر الكبير.
فيما كتب الناشر مقدمة للكتاب يشير فيها إلى أن عيسى يقدم "على طبق من الفصاحة ودبلوماسية اللغة، يطرح في أوراقه الشخصية لتكون في متناول القارئ العربي، وهي حصيلة أو جزء من حصيلة خمسين عاما من العمل الدبلوماسي والترحال بين عواصم العالم".
ويوضح الناشر أن صباغ في هذه الأوراق يكاد لا يترك شاردة أو واردة إلا وأوسعها شرحا وتفصيلا، إنها دبلوماسية الالتقاطات وحنكة الدبلوماسي حين يدون ما حوله على الورق، ولا يخلو أسلوب هذه اليوميات من بعض الطرافة لكسر حدة النصوص، وتلك كما يخيل إلي المؤلف فهو معني بطرافة الطرح في بعض المواقف التي تستلزم التخفيف من رتابة السرد أو تشنج بعض المواقف.
ويوضح الناشر أن صباغ يتناول في كتابه مدناً وأشخاصاً وأماكن ومناسبات، وعلى حتمية الترابط بين جميع هذه المكونات إلا أنه يخلص بحميمية واضحة لما يريد الكتابة عنه كتفاصيل الأمكنة وطباع الأشخاص وتفاصيل المناسبات، مبينا أن ما يلفت الانتباه في هذه اليوميات أن المؤلف قد خص المملكة العربية السعودية بنصيب واضح من مقالاته، سواء على صعيد المدن والأماكن أم على صعيد رجال الدولة، وكذلك تناول طبيعة مواطني المملكة وعاداتهم وحسن تعاملهم.
ويذكر أن عيسى خليل صباغ (21 ديسمبر 1917 – 15 يناير 2000)، هو إعلامي فلسطيني، من مواليد مدينة طولكرم فلسطين، وهو من أوائل المذيعين في إذاعة بي بي سي العربية، وصوت أميركا، ويُعرف بـ"أمير الميكروفون العربي".
ووالده خليل صباغ كان سياسيًا معروفًا ومحاميا وممثلًا لطولكرم في المؤتمر العربي الفلسطيني الرابع العام 1921. وكان أيضًا محاميًا معروفًا، وأحد قادة طولكرم المحليين في زمن الانتداب البريطاني، وقد لعب والده خليل دورًا بارزًا في مقارعة الانتداب البريطاني في فلسطين؛ إذ أقام المظاهرات والاحتجاجات والفعاليات ضد الانتداب البريطاني ووعد بلفور والهجرة اليهودية إلى فلسطين، كما قاد والده هجومًا على مستعمرة الخضيرة اليهودية القريبة من طولكرم أوائل العام 1923.