ما المطلوب من الأحزاب؟*د. محمد كامل القرعان
الراي
ربما ليس مستغربا أن تتسم الخريطة السياسية للأردن بعد المشرع الإصلاحي الكبير التي تشرع الدولة لتطبيقه ليكون حالا معاشا للأردنيين، بالكثير من المخاض والسيولة، وفي ولادة كيانات سياسية جديدة لها برامجها ورؤيتها الإصلاحية، وإيجاد مناخ مناسب لإحداث التغيير المنشود.
أما في الوقت الحالي، فيمكن رسم صورة عامة للأحزاب السياسية وهي تحبو باتجاه الولوج إلى قلب الحدث، والآن تحاول بعض هذه الأحزاب أن تخلق لنفسها وجودا ما على الساحة السياسية مستفيدة من الميزة النسبية التي يتمتع بها المشروع الإصلاحي والتعديلات الجوهرية الجذرية على القوانين الناظمة للحياة السياسية وصولا إلى حكومات برلمانية حزبية أردنية بحتة.
ويمكن لبعض هذه الأحزاب أن تستفيد من وجود بنية تحتية وفوقية قائمة لها وتتمثل في الشعبية، وقوائم الأعضاء والخبرات السياسية المتراكمة والتجارب البرلمانية وما تتمتع به من قوة تنظيمية وخبرة تفوقان بقية القوى الأخرى، وهذا ينطبق على عدد قليل منها، ويكون محصورا عادة بحزب دون آخر.
وبنظري، ينبغي أن تعمل هذه الأحزاب على وضع رؤيتها والاتفاق على العملية والتخطيط وصياغة استراتيجياتها وتحديد الأهداف والدوافع السياسية للمرحلة المقبلة، ومراجعة نقاط القوة والضعف لديها وتجديد دمائها بإجراء تغييرات جذرية بكل مفاصلها، والذهاب للعب أدوار رئيسية في تكوين تحالفات حزبية تضم الكثير من القوى والأحزاب بما فيها التوافق على أجندات موحدة للعمل الوطني.
والأحزاب بحاجة إلى أن تتأقلم أكثر من أي وقت مضى وأن تتكيف لتلبي احتياجات الناس، وبخاصة في ظل انتشار الإنترنت والبيئة الرقمية والسوشال ميديا والشبكات الاجتماعية، لما أتاحته من مجتمعات متجانسة فكريا وثقافيا وعلميا وتبادلها للآراء والثقافات والتجارب السياسية والنماذج الديمقراطية، وظهور الأحزاب السياسية في عديد الدول المتقدمة وقيادتها وما أحدثته من تغيير.
جميع تلك الأسباب مجتمعة وضعت الأحزاب في تحدٍّ لإيجاد طرق جديدة لتمثيل شعوبها وتبديل استراتجياتها.
وفي ضوء الترتيبات الدستورية والتشريعات والقواعد الأخرى المتعلقة بالحياة السياسية، قد تتغير تطلعات الناس، وقد تضع الاضطرابات الاقتصادية والتحديات السياسية المحلية والخارجية الأحزاب أمام قضايا جديدة يفترض أن تكون مستعدة لها، وقد يسطع نجم بعض هذه الأحزاب أو يأفل، أو تندمج أو تتعاون، ويمكن أن تقوي مثل هذه الأحداث والتحديات من موقف الحزب أو تضعفه.
وهناك أحزاب بالأصل تعاني من انشقاقات وانقسامات داخلية في ضوء غياب المسائل الاستراتيجية، وخصوصا أن بعض كوادرها خرج من عباءاتها لتأسيس أحزاب جديدة بعد الثوب السياسي الجديد للدولة.
كما ستشهد الساحة الأردنية أحزابا جديدة ببرامج حديثة قوامها الشباب، ورغم أن بعضها لم تكن تتمتع بحضور كبير من قبل، إلا أن حظوظها ربما تكون أفضل من غيرها، لأنها تحتل موقعا وسطا بين القوى الاسلامية والأحزاب الليبرالية، ولا يزال هناك التباس بشأن تفاصيل العلاقة بين الحزب والجماعة ومدى الاستقلالية التي يتمتع بها الحزب.
ورغم أن البعض أعلن نيته تأسيس أحزاب أخرى، إلا أنه حتى الآن لا تبدو ثمة دلائل على وجود أحزاب مقنعة للقواعد الشعبية، مما يعزز فرصة بعض الأحزاب التقليدية في الاستفادة من كامل الإمكانات المتاحة.
والحزب، باعتباره مؤسسة وطنية تدعم الديمقراطية وتدعم برامج التغيير، ومهمته تتجسد في توفير المعرفة والتوعية، والمساعدة في الإصلاح السياسي، وضمان المشاركة وعكس تعبيرات التنوع المجتمعي، والتقليل من نقاط الصراع على الساحة الوطنية وتعزيز مساحات التلاقي ضمن إطار برنامج عمل يركز على الصدقية والفاعلية والقدرة على الأداء.
ومن القواعد الأساسية للعمل الحزبي الوطني أن يلتزم الحزب التزاماً صارماً بمبادئ الملكية الدستورية، والإقرار بأن التعديلات والترتيبات على الحياة السياسية نابعة من ذاتنا، ورغم ما يبدو، سيكون هناك حضور مجتمعي قوي لبعض الأحزاب، وأن قدرة ورغبة بعض الأحزاب في لعب دور سياسي مؤثر في المرحلة المقبلة تبقى محل تساؤل.