قراءة دستورية في تصريحات وزير التعليم العالي*أ. د. ليث كمال نصراوين
الراي
أثار تصريح وزير التعليم العالي والبحث العلمي حول تصنيف الجامعات الأردنية موجة من ردود الفعل المتباينة، والتي اختلفت بين مؤيد لها باعتبارها تصف الواقع الأكاديمي الحالي بصورة صحيحة بعيدة عن المجاملات والتملق العلمي، وبين معارض لها بحجة عدم مصداقية التصنيف البحثي الذي استند عليه الوزير.
ويبقى الجانب الأهم في هذه القضية مدى توافق هذه التصريحات من حيث المضمون مع أحكام الدستور والقانون وما إذا كان الوزير قد تجاوز صلاحياته المسندة إليه بموجب التشريعات النافذة، وذلك قبل الحديث سياسيا عن تبعات هذه المعلومات والأسلوب الذي اتبعه الوزير في انتقاد ما آلت إليه أوضاع الجامعات الأردنية والبحث العلمي فيها، حيث يرى البعض بأنه قد خرج عن الإطار المألوف والمتعارف عليه في التصريحات الحكومية.
إن الأصل العام في تصرفات السلطة التنفيذية أنها مشروعة؛ فالمادة (45/1) من الدستور تعطي مجلس الوزراء الحق في إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، والمادة (47) تفرض على الوزير متابعة كافة الشؤون المتعلقة بوزارته، بحيث يكون مسؤولا عنها أمام مجلس النواب وذلك عملا بأحكام المادة (51) من الدستور.
وبالرجوع إلى النصوص القانونية ذات الصلة، نجد بأن وزارة التعليم العالي تعد المرجعية الحكومية المسؤولة عن الإشراف على قطاع التعليم العالي وضمان جودته. فالمادة (3) من قانون التعليم العالي والبحث العلمي رقم (17) لسنة 2018 تنص أن من مهام الوزارة "الارتقاء بمستوى أداء مؤسسات التعليم العالي وجودة مخرجاتها، وزيادة القدرة التنافسية العالمية لها من خلال تنمية قدرات أعضاء الهيئتين التدريسية والادارية فيها ومواكبة التطورات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ودمجها في التدريس والبحث والحصول على الاعتماد الدولي للمؤسسات والبرامج".
ومن خلال التمعن في طبيعة التصريح الذي صدر عن وزير التعليم العالي، نجد بأنه لا يخرج عن كونه توصيفا للواقع الأكاديمي في بعض الجامعات الأردنية التي تشرف عليها وزارته، فتكون هذه الموضوعات ضمن اختصاصات عمله المسند إليه وفق أحكام الدستور، والتي يفترض به أن يتابعها لكي لا تتم مساءلته عنها سياسيا أمام مجلس النواب إذا ما قصّر في التعاطي معها.
وفيما يخص الأسلوب الذي اتبعه الوزير في التعليق على مخرجات مؤشر مخاطر نزاهة البحث العلمي ومضمون التصريحات التي صدرت عنه، فإنها قد جاءت كاشفة عن نتائج الدراسة، التي وإن اختار القائمون على تنظيمها أسسا خاصة بها لتصنيف الجامعات اختلف حولها الأكاديميون بين مؤيد ومعارض، إلا أن المؤشر قد قام بتطبيق هذه المعايير بموضوعية وحيادية، واتسع نطاقه ليشمل الجامعات في العديد من دول العالم.
فالوزير في تصريحه الصحفي لم يُطلق أحكاما أو أوصافا استنتاجية تعوزها الدقة والموضوعية، وإنما اعتمد على ما آلت إليه الدراسة من نتائج معلنة ومعروفة للجميع بأن هناك جامعات قد حصلت على تقييم "سيئ للغاية" وأخرى ضمن "الخطر المرتفع" وجامعات ضمن "الوضع المقلق". فجاء وقع هذه النتائج صادما على العاملين في القطاع الجامعي، وبدأت الأقلام الصحفية تربط بين توقيت هذه التصريحات وقُرب الإعلان عن تعيين رؤساء جدد للجامعات الحكومية.
وإذا ما كان الوزير قد اختار العبارات القاسية التي تصف الواقع الأكاديمي المعاش وانتهج نهج المكاشفة والمصارحة غير المعتادة، فإنه قد عبّر عما يجول في خاطر العاملين في المجال الأكاديمي، وفي مقدمتهم معارضي المؤشر الأخير، والذين يرون الأبحاث تُسرق علميا ويجري نشرها في مجلات أقل ما يمكن القول عنها بأنها تجارية تطلب رسوم نشر مرتفعة لغايات النشر، وذلك بصرف النظر عن جدوى البحث وقيمته العلمية.
وقد سبق لوزارة التعليم العالي أن خاطبت الجامعات الأردنية، طالبة منها التوقف عن "شراء" الباحثين المحليين والأجانب، وعن دفع المبالغ المالية الطائلة لرفع الانتاجية البحثية سعيا وراء رفع الرقم التصنيفي لها على سلّم التصنيفات الدولية.
إن هذا الواقع الأكاديمي المرير قد دفع الوزير إلى الخروج عن المألوف الحكومي ورفع وتيرة المكاشفة والنقد القائم على أساس مخرجات مؤشرات بحثية تم سؤاله عنها. فلم يكن بإمكانه اتباع أسلوب الترقيع والتجميل، كونه سيتحمل المسؤولية السياسية عن أية تصريحات مضللة أو تخالف الواقع الأكاديمي المعاش أمام مجلس النواب ابتداء بحكم الدستور، وأمام المجتمع الأكاديمي الذي ينتمي إليه الوزير.
إن الحاجة ماسة اليوم إلى الالتفات عن أسلوب التصريح الوزاري وجرأته ومدى مصداقية المؤشر الذي استند عليه الوزير إلى العمل سويا لتغيير الواقع الحالي الذي يعرفه كل من يعمل في الحقل الأكاديمي من وجود ترقيات غير مستحقة وأبحاث تنشر في مجلات بلا تقييم. فالجميع مدعو إلى تحمل المسؤولية لإصلاح التعليم العالي في الأردن بدلا من مهاجمة الوزير الذي كسر حاجز الصمت وعلّق جرس الإنذار.