الراي
كثُر الحديث عن سلاح الأردنيين، وسأستذكر مشاهد راسخة في الذاكرة الأولى من سبعينات القرن الماضي حيث كان عدد من الرجال في القرية يحملون بنادقهم على الأكتاف ويرتدون لباسا بلونه البُني «الكاكي»، كنت أظن أنهم أفرادا من الجيش، ولكن بعد سنوات أدركت أنهم «الجيش الشعبي»، وهو ليس جزءا من القوات المسلحة التي تشكل ضمنها فيما بعد مديرية الجيش الشعبي، ولكنهم مواطنون مدنيون كانوا رديفا للجيش النظامي في المدن والقرى خارج العاصمة عمان، ذلك أن الخطر الذي هدد أركان الدولة يوما ما دفع الدولة الرسمية لتجييش المواطنين كي يدافعوا عن مناطقهم.
لهذا لم يكن حمل السلاح عند الأردنيين عملا مستغربا أو مستهجناً «فالبارودة والفرّد»، بمعناها الشعبي آنذاك، كان جزءا من الثقافة العامة خارج وداخل العاصمة لأن النظام كان يعتمد على ولائهم والدولة بحاجة لمن يدافع عنها، ومع مرور السنين لعبت الظروف المتقهقرة دورا في شعور العامة أنهم بحاجة لحماية أنفسهم، فضلا عن تسلل قيّم اجتماعية لم تكن موجودة وعلى رأسها العودة للجاهلية الصغرى بالتفاخر بالأنساب حتى لو كان كذبا، وحينما بدأ التعليم ينتشر وتحطمت الطبقات الاجتماعية لصالح العامة بدأت مرحلة العودة لحمل السلاح الفردي في الأفراح ثم تسللت الى إعلان نتائج الثانوية، وخلال تلك الفترات حدثت جرائم قتل باستخدام الأسلحة النارية بين عائلات بأكملها في عمان وخارجها.
في منتصف الثمانينات وقعت جريمة قتل أحد الصرافين وسلبه حقيبة المال، فتحركت قوات الأمن العام وسارت السرايا لتمشيط الطرقات من عمان حتى وصلت الى غرب مدينة مادبا حيث ألقت القبض على الطريدة مختبئا، ولكن بعد ذلك بسنين تغيرت أساليب السطو، فباتت سرقة سيارة مواطن لا تعود له إلا بعد أن يدفع نصف ثمنها، وساعد انتشار تعاطي الحبوب المهلوسة والمخدرات على جرأة المجرمين، ما دفع المواطنين الى شراء السلاح لحماية أنفسهم،وهذا واحد من أخطر العوامل المهددة للسلم الأهلي.
لا شك أن هناك الكثير من قطع السلاح الأوتوماتيكي لا تزال مخبأة في أحياء المدن والمخيمات وفي القرى منذ زمن الجيش الشعبي، ولا أحد يمكنه جمعها، ولكن افتضاح الأمر بعد نتائج الانتخابات السابقة والأخيرة وبفضل تكنولوجيا التصوير وتداول المقاطع وضع المسؤولين أمام كابوس أيقظهم من سبات النوم، وتلك الغوغائية لم تأت بجديد، فقد عاش الجيل الجديد على أغاني الصباح عبر إذاعات إف إم وهي تهدر «تبرق وترعد ويا يمه انطيني الرشاش، و شايل رشاشه وويلك ياللي تعادينا» والضخ الحماسي الذي غذته أفلام الأكشن والاستعراضات، وأمتنا أغاني لا تزال خالدة » ياجيشنا يا عربي وأردن أرض العزم» فهل تقاس أغاني فيروز وقصائد حيدر محمود للأردن بـحنا كبار البلد مثلا!
لهذا يجب أن يُفهم أن هذه ثقافة، ولا تزاح تلك الثقافة إلا بأفضل منها، وسلاح الدولة هو الأول والأخير وبه يناط حماية المواطنين بسواسية وتنزع شوكة «البلطجة المتمدنة» ويثق المواطن بأن الحكومة في خدمته ورعاية معيشته، ويسهر المسؤول لينام أطفال الوطن بلا جوع ولا مرض، وكلما كان سلاح الدولة أقوى لحماية المواطنين أمنياً واقتصاديا سيتنازل الأردني عن امتلاك أي سلاح، أما الحالات الفردية فهي لا تمثل واحداً بالمليون من الشعب الأردني كما يظهر البعض.