عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Feb-2021

علم النفس والمخابرات*د. فيصل غرايبة

 الراي

ثمة صعوبات أمام البحث السيكولوجي في مجال المخابرات، إذ أن هناك مفارقات في تطبيقات علم النفس، وبخاصة عندما نربط بين علم النفس والاستعمار وبين علم النفس والحرب الساخنة والباردة، على اعتبار أن القوى الاستعمارية والقوى الكبرى المتاجرة، تعتمد على المعطيات العلمية النفسية، مثلما تعتمد على مختلف الأسلحة والاستراتيجيات والتكتيكيات العسكرية والدعائية والتجسسية. إن إهمال العرب للسلاح النفسي في مواجهتهم للآخرين، هو محاولة هروبية، تدفن فيها الرؤوس في الرمال لتجنب المواجهة، كما أنه بمثابة تنقية كاذبة لعلم النفس، ليبقى طاهراً وعفيفاً، وهو بالحقيقة يصبح لا لون له ولا رائحة وبدون طعم.
 
لقد استخدمت المخابرات البريطانية والأميركية غسيل الدماغ وقياس الذكاء والتنويم المغناطيسي، كما استخدمت تقييم العقول الخطرة وتقانة التجسس، وكذلك تعزيز سيكولوجيا الحراس، ودعم الأبحاث السيكولوجية، في اطار اعتماد تلك الأجهزة المتقدمة بقدراتها وانجازاتها لمعطيات علم النفس وتوظيفه لدعم الوضع الأمني في دولها وفي العالم أجمع.. وقد يتجاوز البحث السيكولوجي للحدود الأخلاقية.. وربما يصبح هذا السلاح النفسي بذلك أهم من الأسلحة النووية أو البيولوجية أو الكيميائية، حيث أنه يخاطب عملية التحكم في الروح أو النفس أو العقل أو السلوك.
 
أما موقع علم النفس في المخابرات الأسرائيلية، وهو ما يدعى بعلم نفس المخابرات، التي تنهش أجساد خصومها داخل البلاد وفي الأراضي المحتلة وفي مختلف أنحاء العالم، حيث انه يوظف لخدمة الحركة الصهونية، وللتغلغل في أوجه الحياة السياسية والفكرية والاقتصادية في دول العالم أجمع، وتوظف الموساد علم النفس لدراسة الشخصية العربية، ولاستغلال الجمعيات السيكولوجية الدولية، ودراسة نوايا السلام لدى العرب، وإعطاء خلفية سيكولوجية للمفاوضات مع الفلسطينيين وسواهم، خصوصاً وأن شعار «الموساد» الدائم هو إعلان الحرب النفسية المتمثلة بطريق الخداع، بالأضافة الى شعارها باعتبار أن عدو عدوي صديقي، وما يصاحبها من سيكولوجيا الإرهاب التي تراعيها في الكثير من المواقف والأحداث.
 
ويفهم علماء النفس العرب مصطلح التحكم على أساس تربوي لا دفاعي، وهو مما أعجزه عن الإسهام في النواحي الاستراتيجية لوطنه العربي. إذ أن هذا الفهم الضيق خلق معوقات أمام البحث السيكولوجي وتوطينه في المجتمع العربي، مما ينبه إلى الدعوة إلى إقلاع هؤلاء العلماء عن أساليبهم في البحث والتدريس التي تتصف بالتقليدية والجمود والسكون، لا بل والأستكانة والوداعة، وإلى أن يكون علم النفس العربي قادراً على الهجوم، تاركاً بصماته الدامية، وقادراً على التغلغل في أجزاء المجتمع وأجهزة الدولة، ليسهم بالتالي في تحقيق أمنها واستقرارها وتقدمها.
 
ولهذا فالدكتور عمر هارون الخليفة وضع كتاباً قيماً في هذا الموضوع، أصدرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بعنوان (علم النفس والمخابرات)، يجاهر فيه الكاتب بالمناداة بأن يتخلى المهتمون بعلم النفس عن مهمتهم، وبصورة أوضح يدعوهم إلى الاستقالة، ويبالغ في إلحاحه حتى يضعهم أمام خيار الانتحار، كما يفعل اليابانيون عندما يفشلون في الوصول إلى حلول لمشكلات مجتمعهم أو في الاسهام في بلوغ أهدافه التنموية.
 
وفي مختلف صفحات الكتاب وطروحاته، يظل المؤلف مثابراً على متابعة الفكرة الأساسية التي يتبناها الكتاب، ويطرح عنها التساؤل تلو التساؤل، وكأنه يقول في إجابته عنها بنفسه: أين علم النفس عند العرب من علم النفس عند الغرب؟ فهو يعتبر أن علماء النفس العرب مقصرون، أو هو أصلاً لا يعتبرهم من علماء النفس بل من حملة الدكتوراه في هذا التخصص، والذين اكتفوا بتدريسه والبحث فيه على أضيق نطاق وفي أبسط صورة، وبجهد متواضع لا يرجون من ورائه إلا الترقية الأكاديمية أو الارتقاء الوظيفي أو المكانة الاجتماعية.
 
وهكذا يكتفي العرب المعنيون بعلم النفس بالتأليف عن المقدمة والتمهيد والمدخل (على اختلاف الكلمات وتطابق المعاني، دون الدخول والتعمق، حيث يجب أن يتغلغل ويتعمق، وبخاصة في أجهزة الأمن القومي، إذ من شأنه أن (يفهم) العدو على حقيقته، و(يفهم) الآخرين حقيقة وطنه وأبناء شعبه، ولا يكتفي بالدور الذي اعتاده في إطار كليات التربية والآداب ومعاهد المعلمين، حيث يرتبط بدراسة الفئات الخاصة وذوي المشكلات التربوية وبصورة فردية.