عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Oct-2025

اتفاق وقف إطلاق النار... بين هندسة التواطؤ وتغييب الإنسانية*لما جمال العبسه

 الدستور

في مشهد يعيد إنتاج العبث السياسي الذي تلا الاعلان عن بدء تطبيق اتفاقية وقف الحرب الصهيوامريكية الاجرامية في قطاع غزة في العاشر من الشهر الجاري، ووسط ضجيج دبلوماسي لا يخفي هشاشة الاتفاق البنيوية والتي روجها الامريكي كخطوة نحو «الاستقرار»، بالرغم من تجاهله عمدا للبعد الإنساني للغزيين، بقي الباب مفتوحا أمام استمرار القصف الصهيوني منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم في اختراقات للاتفاق تم احصائها بـ 80 خرقا او يزيد، مع التهديد بابقاء المعابر مغلقة والمساعدات الانسانية والصحية متعثرة لا تدخل للقطاع.
على امتداد ما يُعرف بالخط الأصفر، وهو الحاجز الوهمي الذي يفصل القطاع عن باقي الجغرافيا الفلسطينية، أعاد جيش الاحتلال الصهيوامريكي هجماته الدامية، مستهدفة عائلات فلسطينية لا تحمل سوى هويتها الوطنية كذريعة للقصف، هذا الخط، الذي يُراد له أن يُقرأ كحد فاصل بين «السيادة» و»التهديد»، ليس سوى تجسيد الوهم سياسي يُشر الى الفصل العنصري، ويحوّل الجغرافيا إلى مسرح دائم للعدوان، ويقتل فيه الناس تحت غطاء أمني زائف.
في قلب هذا المشهد، يبرز خطاب مبعوثي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، اللذين يتحدثان بلغة الاقتصاد لتبرير غياب العدالة، يقولان إن الوقت مبكر لدولة فلسطينية، وإن المنطقة يمكنها التعايش مع الاحتلال، هذا الخطاب لا يُخفي انحيازه، بل يُعيد صياغة الاحتلال كواقع قابل للتطبيع، ويُحوّل القضية الفلسطينية من مسألة تحرر وحقوق إلى مشروع تنموي مشروط.
كوشنر، مهندس «صفقة القرن»، لا يرى في الفلسطيني سوى مستثمر محتمل، بينما ويتكوف يُروّج لمناطق صناعية في الضفة الغربية والقطاع على حد سواء كبديل عن السيادة، اي ان كليهما يتحدث عن «فرص اقتصادية»، متجاهلين أن الاحتلال ذاته هو العائق البنيوي أمام أي تنمية حقيقية، إنهما لا يقدمان حلًا، بل يُعيدان إنتاج الأزمة بلغة أكثر نعومة، وأجندة أكثر خطورة.
بعد مرور بضعة ايام على تطبيق اتفاق وقف الحرب في القطاع، يتضح انه لا يتضمن أي آلية ملزمة لوقف العدوان، ولا يضع حدًا لانتهاكات إسرائيل المتكررة. بل يُبقي على «حق الرد» الصهيوني المغلف بأكاذيب لا حصر لها، ويُحمّل الفلسطيني وحده مسؤولية التصعيد، ما يجعلنا نعتقد ان هذا ليس اتفاقا للسلام، بل وثيقة لإدارة الأزمة، تُستخدم لتجميل صورة الاحتلال أمام المجتمع الدولي، وتوفير غطاء سياسي لاستمرار القصف تحت مسمى «الرد الدفاعي».
ان  استمرار هذا النهج الصهيوامريكي سلما وحربا، فان ما يُسمى «السلام الاقتصادي» سيُصبح أداة لتكريس الاحتلال، لا لتجاوزه، وستُستخدم الاتفاقات الهشة كوسيلة لتفريغ القضية من مضمونها، وتحويلها إلى ملف إداري تُديره واشنطن وتُنفذه تل أبيب، بالمقابل فان من المؤكد ان الشعب الفلسطيني، الذي خبر هذه الاتفاقات مرارا، يدرك أن التحرر لا يُشترى، وأن السيادة لا تُمنح ضمن حزمة استثمارية.
المستقبل الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالحقوق، لا من إنكارها، ومن مساءلة الاحتلال، لا من التعايش معه، ومن تفكيك الخطاب الأمريكي، لا من الانخراط فيه، فالقضية الفلسطينية ليست أزمة تنموية، بل معركة أخلاقية وسياسية، تتطلب مواجهة التواطؤ، لا التكيف معه.