عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-May-2025

التحديات والفرص في ملف العقوبات السورية*أحمد حمد الحسبان

 الغد

صدور القرار الرئاسي الأميركي بإلغاء العقوبات المفروضة على سورية لم ينجح في حسم الجدل الدائر حول مدى فاعلية هذا القرار في تحسين الواقع السوري وإطلاق عملية بناء الدولة بكافة عناصرها الأمنية والسياسية والاقتصادية من جديد.
 
 
فالقرار الذي صدر ضمن ظروف خاصة خلال الجولة الخليجية التي قام بها الرئيس ترامب الأسبوع الماضي عزز القناعة بأن التحديات التي تواجه الملف السوري كانت وما تزال أكثر وأكبر من الفرص المتاحة أصلا. وتلك التي أحدثها القرار الذي يعتبر بالغ الأهمية لو أن تنفيذه كان أكثر سلاسة وبدون أي شروط، ولولا وجود العقبة الإسرائيلية في كل مفاصله.
 
فقرار الرئيس ترامب رفع العقوبات المفروضة على سورية جاء مشروطا بعدة متطلبات يصنف بعضها ضمن الأمور بالغة الصعوبة، أو حتى المستحيلة بحكم ما تنطوي عليه من تعقيدات أبسطها الخوف من تفجير الوضع الداخلي هناك، ومن بينها الخشية من استدعاء أجواء الإرهاب التي كانت سائدة في بعض المراحل من حياة" الثورة السورية"، وتلك الموجودة حاليا والتي قد لا تحتاج إلا إلى هزة غربال لإظهارها.
واللافت هنا أن مجمل تلك العناصر التي لا يتوانى محللون عن وصفها بـ"عناصر التفجير"، مرتبطة بإسرائيل، وممارساتها أولا، وبإدخالها ضمن شروط التطبيق لذلك القرار الصعب، وبشكل معلن، ورسمي، وضمن اتفاقات معلنة قد لا يجرؤ النظام الوليد هناك على القبول بها، ولا يجرؤ الرئيس ترامب نفسه على التخلي عنها انحيازا لإسرائيل.
فمع أن النظام السوري الجديد لم يحصل على ما حصل عليه إلا ضمن توافقات مسبقة، وأن التواصل بينه وبين إسرائيل لم يعد أمرا مخفيا منذ ما قبل انهيار نظام الأسد حيث كان التواصل من خلال طرف ثالث ـ قد يكون تركياـ وبعد انهيار نظام بشار ـ من خلال لقاءات مباشرة بين مسؤولين من الحكومتين في عواصم دول أخرى، إلا أن ما هو مطلوب الآن لإطلاق عملية رفع العقوبات أكبر بكثير مما جرى في السر وتحت عنوان" إثبات حسن النوايا".
فالمطلوب هنا، أن توافق الدولة السورية رسميا على الانضمام لاتفاقيات إبراهام، وأن تطرد التنظيمات الفلسطينية من أراضيها، وتطرد المقاتلين العرب والأجانب الذين كانوا جزءا من الثورة، وترفض تجنيسهم. وهناك معلومات عن مطلب بتجنيس الفلسطينيين المقيمين على أراضيها من خارج تلك التنظيمات بالجنسية السورية كجزء من عملية توطين كبرى.
وهناك مطالب عديدة تمت الإشارة لها من قبل الرئيس ترامب أو من قبل فريقه المرافق خلال الجولة، ومن تم تكليفهم بالتواصل مع الشرع وأركان حكومته لاستكمال البحث في تطبيقات القرار الذي بدا وكأنه صعب التطبيق على خلفية قراءات بأن المطالب قد تكون مرفوضة على مستوى التنظيم الذي أصبح مسؤولا عن الحكم في سورية.
فمعظم القراءات تشير إلى أن عناصر التفجير ما تزال ساكنة في داخل التنظيمات التي تتشكل منها الدولة الجديدة، وأبرزها أن التربية التي تلقتها تلك التنظيمات، والثوابت التي اجتمعت عليها تتقاطع مع تلك المطالب.
فالفرضية المحورية في هذا الشأن تتمثل بأن عناصر قوة النظام الجديد تكمن في قواعده النضالية التي ما تزال تحمل السلاح، وتستخدمه في الدفاع عن الثورة، ما تزال تعتقد أنها تنظيمات جهادية يسعى منتسبوها إلى الاستشهاد دفاعا عن المبادى، والثوابت وأبرزها مقاومة العدو الإسرائيلي.
وهؤلاء ـ وفقا لمجمل القراءات ـ يصعب عليهم مباركة اتفاقات إبراهام، أو حتى السكوت على احتلال أراض سورية. فقد يسكتون مرحليا عن سيطرة إسرائيل على مساحات من الجنوب السوري، ومنها مدينة البعث وخان أرنبة وقطنا والقنيطرة، والجانب السوري من جبل الشيخ. وشن إسرائيل أكثر من 480 غارة جوية على سورية منذ سقوط الأسد. وتدمير 70–80 % من الأسلحة الاستراتيجية السورية والقوات الجوية السورية تدميرًا شبه كامل لكنهم لا يسكتون على تلك الامور الى ما لا نهاية.
 وبالتوازي، فمن أبرز التحديات التي تعيق تطبيق رفع العقوبات التدخلات الإسرائيلية في الشأن الداخلي السوري، ببث الفرقة والتنازع بين الأطياف السياسية والاجتماعية والطائفية وغيرها. وتزرع الفتنة داخليا أملا بتقسيم البلاد ضمن كانتونات طائفية وتشجع ذلك من خلال تأكيد دعمها لتلك الاطياف. الأمر الذي يجعل عملية رفع العقوبات شأنا مؤجلا، ويحتاج إلى إجراءات قد يكون تنفيذها أشد إيلاما من بقاء العقوبات على حالها. وقد تكون فترة الاختبار اللازمة لتطبيقها طويلة وفيها من الألغام ما يضعها ضمن مجالات الخطورة الزائدة. وما يجعل من ملف اللاجئين الذين عاشوا نشوة التفاؤل وعادوا إلى اللجوء الداخلي ثانية قنبلة على وشك التفجير. وما يجعل المترددين من لاجئي الخارج يعيدون قراءة واقعهم ومستقبلهم ويفضلون استمرار اللجوء في الدول المضيفة لهم بدلا من المغامرة بالعودة ضمن ظروف غامضة.