عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Oct-2025

"الدوايمة بين التاريخ والآثار للزعاترة.. موروث حضاري تعرض للتشويه

 الغد-عزيزة علي

 صدر عن دار "المعتز للنشر والتوزيع" وبدعم من وزارة الثقافة، كتاب بعنوان "الدوايمة: دراسة تاريخية أثرية تحليلية"، للباحث محمد أمين سلامة الزعاترة، ويقدم من خلاله دراسة معمقة وشاملة عن بلدة الدوايمة الفلسطينية، من منطلق تاريخي أثري تحليلي.
 
 
يؤكد المؤلف أن الدراسة تهدف إلى إبراز المعالم الحضارية والتاريخية للدوايمة، والكشف عن الجهود البشرية المبكرة في المنطقة عبر العصور المختلفة، مع تسليط الضوء على الآثار والموروث الحضاري الذي تعرض للتشويه والطمس خلال الاحتلال الصهيوني.
ويستعرض الكتاب، الذي قدم له الدكتور خلف فارس الطراونة، أستاذ الآثار والسياحة في جامعة مؤتة – كلية العلوم الاجتماعية، الجغرافيا التاريخية للبلدة، وتاريخها الحضاري، ونشاطيها الاقتصادي والاجتماعي، وأبرز المواقع والمرافق الأثرية. ويضم الكتاب ستة فصول غنية بالصور والمخططات والجداول، إلى جانب مصادر ومراجع عربية وأجنبية، ليقدم إضافة نوعية للمكتبة العربية في مجال الآثار والتاريخ الفلسطيني.
وعبر الدكتور خلف فارس الطراونة، عن سعادته بهذا العمل العلمي المميز، قائلا "إن هذه الدراسة هي عمل جديد اتخذ فكرة كتابته بهذا الشكل والطرح الجميل من خلال البحث العلمي والتقصي للحقائق، التي أجهد الباحث نفسه في تتبعها ليخرج لنا هذا السفر العلمي بمحتوياته الأثرية والتاريخية، مدعّمًا بالصور والمخططات التي تحاكي واقع بلدة الدوايمة قديمًا وحديثًا".
ويرى الطراونة، أن هذا الجهد المبذول في هذه الدراسة الأثرية والتاريخية، والمنهج العلمي في البحث والكشف والتحليل والاستنباط، المعتمد على الشواهد التي ما تزال قائمة حتى الوقت الحاضر، يمنح هذه الدراسة الثقة الكاملة ويجعلها أقرب إلى الاستدلال الدقيق، بعيدًا عن التأويل التاريخي.
ولذلك، جاءت هذه الدراسة لتفي بمجموعة المؤلفات والأعمال الأثرية والتاريخية التي كشفت لنا عوامل الصراع التاريخي العميق الذي شهدته المنطقة في فلسطين عامة، ومنطقة الدوايمة خاصة.
وأوضح الطراونة، أن المؤلف تناول في كتابه، عبر ستة فصول متتالية، الموقع الجغرافي والتاريخي لمنطقة الدراسة، مستعرضًا التسمية والموقع والحدود، والبيئة الجيولوجية، والمناخ، والتربة، والنبات الطبيعي، والكهوف، والطرق، والمسوحات الأثرية والتنقيبات ونتائجها، منذ العصر الحجري الحديث وصولًا إلى العصر العثماني وفترة الانتداب البريطاني.
وبين الطراونة أن المؤلف ناقش، عبر الفترات التاريخية المختلفة، موضوع الأبنية ممثلةً بالمنشآت العسكرية والكنائس والمقامات والمقابر والأبراج، وختم دراسته المميزة، بالبحث في المستوطنات القديمة، مقسما إياها إلى ثلاثة أقسام حسب مساحتها: كبرى، متوسطة وصغرى.
وناقشها بطريقة علمية دقيقة، مما زاد  أهمية هذه الدراسة التي زُوّدت بكمٍّ وافر من الجداول والخرائط، معتمدًا على المخطوطات غير المنشورة، وسجلات المحاكم الشرعية، والمصادر المطبوعة باللغة العربية (السالنامات)، فضلًا عن المصادر الأجنبية، والمراجع العربية والأجنبية، والمجلات والحوليات والصحف والموسوعات والقواميس، والمواقع الإلكترونية التي تناولت بلدة الدوايمة.
ويعتبر الطراونة، أن الزعاترة أضاف بهذا الكتاب إلى دراسته السابقة التي نشرها العام 2019 بعنوان "وادي السير وجوارها 1864–1918م"، مؤكدًا أنها كانت دراسة مهمة، غير أن هذا الإنجاز العلمي الجديد، يمثل إضافة نوعية إلى المكتبة العربية في مجالي الآثار والتاريخ، عن بلدة الدوايمة خاصة، وفلسطين وجوارها عامة.
يقول الباحث الزعاترة في مقدمة كتابه "إن دراسة تاريخ المدن وتطورها استحوذت على حيز كبير من اهتمامات المؤرخين، الذين ركزوا على أهميتها وسعوا إلى التعريف بجذورها التاريخية". مبينا أن هذه الدراسة تسلط الضوء على إحدى البلدات الفلسطينية، وهي بلدة الدوايمة، التي حظيت باهتمام بعض الكتاب الذين ركزوا في مؤلفاتهم على الفترة العثمانية، من دون أن يولوا الجانب الأثري ما يستحقه من عناية.
ويرى المؤلف، أنه على الرغم من الدراسات والأبحاث التي تناولت الدوايمة، التي كان معظمها على أيدي باحثين أجانب، فإن هؤلاء صاغوا نتائج دراساتهم وفق ما يتناسب مع مخزونهم الثقافي، في حين لم تحظَ الدوايمة باهتمام كاف من الباحثين العرب، الأمر الذي شكل لديه حافزا لتحليل الظواهر الحضارية التي تمتد جذورها في عمق التاريخ الفلسطيني، وإبراز خصائصها ومساهماتها في تشكيل بنية معالم الحضارة الفلسطينية.
ويقول الزعاترة "إنه حرص منذ البداية على إثراء دراسته بالبحث والتنقيب في المراجع العربية والأجنبية، بهدف إضفاء زخم علمي على بحثه"، موضحا أن ظروفا قاهرة منعته من زيارة القرية الغالية لاستكمال دراستها ميدانيًا.
ويشير الزعاترة إلى أن دراسته اشتملت، إلى جانب المقدمة والفصول والخاتمة، على قائمة وافية بالمصادر والمراجع التي اعتمد عليها في إعداد هذا العمل العلمي.
في خاتمة هذه الدراسة، يشير المؤلف إلى أن هذا العمل يمثل محاولة متواضعة للكشف عن حقبة منسية من تاريخ وآثار فلسطين، وسعيًا إلى إبراز المعالم الحضارية لمنطقةٍ احتُلّت ودُمّرت معالمها على يد الاحتلال الصهيوني العام 1948م. وبعد فحص الأدلة التاريخية والأثرية، خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج التي تضمنت حقائق ومعلومات مهمة.
كشفت الدراسة أن منطقة البحث كانت أحد مراكز الاستقرار البشري المبكر في جنوبي فلسطين، حيث تمتد جذورها إلى العصر الحجري الحديث، واستمر الاستيطان فيها خلال العصور الحجرية النحاسية، والبرونزية، والحديدية، والفارسية، والهلنستية، والرومانية، والبيزنطية، والإسلامية، والصليبية، والمملوكية، والعثمانية، وفترة الانتداب البريطاني، من دون انقطاع، وهو ما أثبتته المسوحات والتنقيبات الأثرية التي أُجريت في المنطقة.
وتعود معظم الثقافة المادية في منطقة البحث إلى أواخر القرن التاسع عشر (العصر العثماني)، وكانت تشكل جزءًا من قضاء الخليل التابع للواء القدس. لذلك، كانت المنطقة مرتبطة تاريخيًا وجغرافيًا واقتصاديًا وإداريًا بكل من الخليل والقدس، وتشير أنماط الاستيطان فيها إلى تدهور مطرد في الظروف الأمنية والكثافة السكانية منذ القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر.
وشهدت المنطقة نشاطًا اقتصاديًا يغلب عليه الطابع الزراعي، حيث إن غالبية السكان يمارسون حرفة الزراعة، إلى جانب بعض المهن والحرف والصناعات التي تخدم الأعمال الزراعية. كما نشطت الحركة التجارية مع قدوم التجار والحرفيين، وافتتاح الدكاكين والأسواق مثل سوق الجمعة لتبادل المنفعة والسلع والخدمات.
تلاحظ في المنطقة قبل الاحتلال الصهيوني زيادة في عدد السكان والمساكن والمنشآت الدينية، بينما كان هناك شح في المنشآت التعليمية والصحية. وكانت علاقات السكان فيما بينهم جيدة، تحكمها القرابة والمصاهرة، مما يُظهر أن المجتمع كان يشهد تجانسًا وتفاهمًا بين مكوناته.
ويكشف البحث في تاريخ وآثار الدوايمة بشكل جلي، أنها ساهمت في جهود بناء صرح الحضارة الإنسانية عبر التاريخ، وأن آثارها تنطق بماضيها العريق وهويتها الفلسطينية.