الغد
تلك هي ساحتنا الوطنية الأردنية دائمة التفاعل مع القضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، والنقاش حولها لا ينقطع أبدا، كما هو حال العمل الدؤوب على المستوى السياسي من أجل الدفاع عن الحق والعدل والكرامة القومية، وذلك هو الثابت الذي ألمح إليه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين خلال لقائه مجموعة من الكتاب والصحفيين، إثر عودته من جولة شملت أميركا وكندا وألمانيا شدد خلالها على كل من قابله على مستوى الرؤساء والمسؤولين وجماعات الضغط على أن ما يجري في غزة ليس مجرد قتل وتهجير وتجويع وإبادة جماعية إنها في الواقع عار في جبين الإنسانية إن لم تقدر على وقفها وحماية أهلها من كارثة إنسانية حقيقية، فضلا عن أنها انتهاك صارخ لجميع المواثيق والأعراف والقوانين والاتفاقيات الدولية!
يعرف جلالة الملك، ويريد كذلك أن يعرف الأردنيون جميعا أن مواقفه واتصالاته والسياسة المتبعة من أجل التعامل مع هذه الأزمة الخطيرة التي ستهدد أمن واستقرار المنطقة لفترة زمنية طويلة لا بد أن تواجه بحملات مضادة هدفها التشكيك والتزوير ودفع النقاشات الطبيعية بين الناس إلى جدليات وخلافات وربما صدامات فكرية بهدف النيل من ذلك الهجوم السياسي والدبلوماسي الذي يخوضه الأردن بهدف تشكيل تحالف دولي قوي يوقف تلك الحرب الشريرة، ويداوي جراح غزة النازفة، ويفتح آفاقا لعملية سياسية دولية تعمل على إنهاء الصراع بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
لا ينكر إلا جاحد بأن جلالة الملك قد حقق انتصارات كبيرة في كسر الحواجز التي يضعها المحتل الإسرائيلي من أجل إعادة احتلال غزة والضفة الغربية وتهويد القدس، ومحاولات إسرائيل ( خلق شرق أوسط جديد ) يخضع لها، مع إلغاء خيار الدولة الفلسطينية، فها هي الدول تتوالى في إعلان نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية، وتصعد من انتقاداتها للحكومة الإسرائيلية، ومن إدانتها لأسلوب التجويع الذي يستهجنه المجتمع الدولي بأكمله!
إن كان ذلك كله على صعيد التحرك في كل اتجاهات العربية والدولية فإن قاعدة الانطلاق المتينة التي تحدث عنها جلالة الملك للصحفيين تقوم أساسا على الارتباط الوثيق بين الأردن وقضية الشعب الفلسطيني الذي يفرح لفرحه ويحزن لحزنه ويغضب من أجله، وعلى حاجة الأردن لأن يكون قويا من خلال قدرته على مواصلة مظاهر الحياة، ومسيرة التحديث والتطوير، وعدم الإضرار بالاقتصاد الوطني الذي لا يخدم الإضرار به مصالح الأشقاء الفلسطينيين « وهم أول من يعي ذلك» كما قال جلالة الملك.
بهذه الطريقة يكاشف جلالة الملك شعبه، وبالحكمة والموضوعية يشرح كيف يتوجب علينا فهم التحديات والتعامل معها، وتشكيل رأي عام وطني محصن بالوطنية الصادقة والوعي لنكون على مسافة واحدة من كل المعاني المرتبطة بالأردن البلد الذي يعزز قوته ومكانته ودوره بناء على منظومة القيم والمبادئ والمثل العليا التي نشأ عليها، والتي دفع ثمنها دائما، وهو مستعد لدفعها على الدوام!