الغد
جاء خطاب العرش واثقا في الحديث عن التمسك بمواقف الأردن المبدئية وخاصة نصرة الفلسطينيين وأرضهم والدفاع عن المقدسات وإرث الوصاية الهاشمية عليها، وأكد الخطاب داخليا على أهمية تأمين حياة أفضل للأردنيين بالمضي في تنفيذ خطة التحديث الاقتصادي وتطوير القطاع العام.
وفي رسالة اعتبرها الأهم محليا قال جلالة الملك « نحن دولة راسخة الهوية، ولا نغامر في مستقبلنا»، وهدف هذه الرسالة في فهمي طمأنة وتأكيد أن مواقف الدولة، وخاصة الخارجية منها، تستند إلى أسس مدروسة، ولا تصدر عن فكر مغامر!
لعل هذه الرسالة تسهم في تهدئة بعض النفوس التي تصدر في مواقفها عن رعب من عدم تقدير الدولة لحساسية القضايا الخارجية. ذلك الرعب الذي قد يؤدي إلى بلبلة داخلية نحن في غنى عنها.
كما أكد الخطاب الإصرار على المضي قدما في مهمة التحديث السياسي للوصول لمجلس نواب قائم على أحزاب برامجية عمادها المرأة والشباب، مما يعكسُ إرادة جلالة الملك على تطوير خريطة المشاركة السياسية للمواطن، لتقوم على رابطة المواطنة والحزبية البرامجية، وتفعيل عمل مجلس النواب في الرقابة على أعمال الحكومة، ومؤسسات قطاع عام كفؤة.
على صعيد آخر، فاز حزب الميثاق برئاسة مجلس النواب بأغلبية 98 صوتا، واعتبر بعض المراقبين أن هذه الكتلة من الأصوات هي كتلة عزل الإخوان وتأييد الحكومة. وقد حصل مرشح جبهة العمل الإسلامي، الذي أصر على خوض انتخابات معروفة النتيجة دفاعا عن هيبة مجلس النواب ورفضاً للتدخل، كما جاء على لسان مرشح الجبهة الأستاذ صالح العرموطي على 37 صوتا.
كما حصل الأستاذ العرموطي، الذي حصد ما يقارب 30 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، على ستة أصوات خارج كتلته في البرلمان، مما قد يشي إلى بعض الدعم غير المتوقع للجبهة من خارج كتلتها في البرلمان، وقد استوقفني في خطاب الأستاذ العرموطي لتهنئة الرئيس الفائز إعلانه عن هدنة بين حزب الجبهة والرئيس المنتخب، والأهم من ذلك بين الجبهة والحكومة. كما أعلن أن حزب الجبهة يمد ذراعيه للتعاون مع الحكومة، داعيا إياها إلى مبادلة الجبهة بذات التوجه.
يبقى السؤال: هل هذه الهدنة تعبير وإقرار بهزيمة وعزلة كتلة جبهة العمل الإسلامي، والتي ظهرت بوضوح في التصويت على انتخاب الرئيس؟ أم انها إستراتيجية جديدة تقدمها الجبهة ضمن تقييمها لمعطيات الوضع الجيوسياسي الذي يحيط بالأردن وخاصة بعد فوز ترامب؟
تدعو جبهة العمل الإسلامي بوضوح لإجراء حوار وطني، كما تدعو علنا وضمنا إلى «التوافق» على خطة عمل مستقل، ولكن سلوك الجبهة ومواقفها في الشارع، وفي الحياة العامة والاجتماعية والثقافية يجعل هذه الدعوة من الجبهة وكأنها تقول: تعالوا نتحاور لتتخذوا مواقف مطابقة لمواقفنا، فتقول تفضلوا - بقراركم الحر- وانضووا تحت لوائنا، مستغلة إلى حد بعيد شعار تأييد المقاومة، والذي -بالمناسبة- لا تحتكره وحدها؛ فالأردنيون جميعهم تقريبا يؤيدون المقاومة باعتبارها الطريق الوحيد لتصدي المشروع الصهيوني في فلسطين والأردن.
بين الجبهة وكثير من مكونات المجتمع السياسي والاجتماعي والثقافي الكثير من عدم الثقة التي تحول دون فهم لحقيقة مواقفها، وتضع جدرانا بينها وبين قطاعات مهمة من المواطنين والدولة، ولهذا فإن على الجبهة وعلى الطرف المقابل أيضا العمل الدؤوب على مشروع فهم متبادل وتفهم، وبناء مساحة تواصل، وليس بالضرورة الاتفاق على جميع الخطوات والقرارات، بل ضروري الاتفاق على القيم العليا ومبادئ العمل السياسي العامة فإن الثقة بأن الجميع يتوحدون في خدمة الوطن والدستور تعد قضية مهمة للنماء السياسي والحزبي.
آمل أن لا يتمترس مجلس النواب حول إستراتيجية عزل الجبهة كما بدا واضحا في انتخاب رئيس المجلس، وأن يتفق النواب على ضرورة الدوران في سلوك وتصويت الأحزاب والنواب مع مصلحة الوطن وجودا وعدما.
إن أفضل مكان لبدء حوار وطني مستحق وضروري صادق وشفاف بين الأطراف جميعهم تحت هذه الظروف يأخذ في الاعتبار أن الأردن يمر في تحديات وجودية تتطلب أداء حكوميا وبرلمانياً مختلفا، هو في أروقة البرلمان نفسه. فإننا جميعا بحاجة إلى بدء حوار وطني اليوم وليس غدا جنابك.