عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Nov-2020

أين نحن الآن وأين هم؟*حسين الرواشدة

 الدستور

الزمن: القرن العاشر الميلادي. المكان: أوروبا، الحدث: كما يرويه أكثر من باحث عربي وغربي كالتالي: لا توجد مدينة أوروبية يزيد سكانها على ثلاثين ألف نسمة باستثناء القسطنطينية، معظم السكان هناك كانوا أميين بامتياز، لا توجد مدارس أو مستشفيات، أكبر مكتبة هي مكتبة كنيسة كنتر بري وكانت تضم في العام 1300م نحو خمسة آلالف كتاب، أشهر رجل قانون (اسمه اوكيرسيوس) توفي وترك وراءه مكتبة تضم ثلاثة وستين كتابا فقط،  الصابون الذي اخترعه العرب لم يكن معروفا في أوروبا آنذاك، لهذا نادرا ما كان الملوك والنبلاء يستحمون.
 
في مكان آخر، وفي ذات الزمن، الحاكم بأمر الله في القاهرة يأمر ببناء «دار الحكمة» التي ضمت أكثر من مئة ألف مجلد في العلوم غير الدينية وحدها، منها ستة آلاف مخطوط في الرياضيات والفلك، الحاكم ابن الناصر يأمر ببناء «دار الكتب» في قرطبة وقد ضمت مئتي ألف مجلد، وقيل أربعمئة ألف، وكانت فهارسها تستغرق أربعا وأربعين كراسة، في بلد صغير كالنجف في العراق أنشئت مكتبة تضم أربعين ألف مجلد، وأخرى سميت بمكتبة أبي الفداء تضم نحو سبعين ألفا.. ومكتبة «العزيز بالله الفاطمي» في القاهرة تضم مليونا وستمئة ألف مجلد مفهرسة ومنظمة، ويقول المؤرخون ان سلطان بخارى استدعى إلى بلاطه طبيبا عربيا معروفا فاعتذر بحجة أن نقل مكتبته يحتاج إلى أربعمئة جمل، (عدد سكان الأندلس كان آنذاك 30 مليونا. و(300) حمام عام في قرطبة وحدها و(6) آلاف طالب يدرسون ببغداد.. الخ). 
 
في سياق المراجعات التي تجرى الآن لمراجعة تخلفنا الحضاري والبحث عن جذور التطرف «والإرهاب» في تجربتنا التاريخية وفكرنا الإسلامي، ثم ما نشأ من صراع «جهالات» بين الشرق والغرب،وقبل ذلك داخل «الذات» المسلمة التي أصبح مشكوكا في قدراتها العقلية، تعمدت الإشارة إلى هذه المقارنة المعرفية بين الحضارتين الإسلامية والغربية، وفي جانب واحد فقط هو «الكتب» والمكتبات، وهي إشارة مفهومة سبق لغيرنا من المفكرين دراستها فيما سمي بدور الحضارة الإسلامية في الحضارة الغربية، أو غيره من التسميات التي تعكس الأثر الكبير الذي فعلته حضارتنا في الآخر، والأفكار والقيم - لكيلا نقول العلوم والمعارف - التي ساهمت فيها لبناء ما نشهده اليوم من حضارة معاصرة. 
 
لا أريد أن أسأل: أين نحن الآن وأين هم؟ ولا اقصد أبدا أن استغرق في تمجيد الماضي التليد، أو أن أكرر مقولات «الأستاذية « التي اتسم بها أحيانا خطابنا تجاه العالم، ولكن، أليس من حقنا ان نسأل :ماذا فعلنا لأوروبا آنذاك، وماذا تفعل بنا الحضارة الغربية الآن؟ 
 
السؤال الآن ليس فقط : لماذا يكرهوننا إذن؟ ولكن لماذا أصبحنا نحن نكره أنفسنا ولماذا أصبح بعضنا يكره تاريخه وأمته أيضا..؟ لأنهم يجهلوننا..كما نجهل نحن أنفسنا أم لأسباب أخرى نعرفها كما يعرفونها تماما؟ المشكلة التي لا يريد البعض أن يعترف بها هي أننا خسرنا بانحطاطنا أنفسنا، كما أنهم خسروا على الطرف الآخر بسبب ما أصابنا من انحطاط.
 
غدا أكمل إن شاء الله