عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2021

معضلة أميركا في المغرب العربي

 الغد-بوبي جوش – (موقع قنطرة) 17/11/2021

 
الجزائر والمغرب والصحراء الغربية
يرى الصحفي الأميركي، بوبي جوش، أن استعادة موقف عدم الثقة الذي يمكن السيطرة عليه، والذي ساد في الماضي بين الجزائر والمغرب، قد تتطلب من أميركا العودة إلى سياستها السابقة القائمة على حياد مدروس فيما يتعلق بقضية مهمة بين البلدين، هي الصحراء الغربية.
 
* *
اتخذ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على مدار أربع سنوات قرارات تتعلق بالسياسة الخارجية لبلاده، وعلاقاتها بالعديد من المناطق والدول في مختلف أنحاء العالم. وهي قرارات كانت لها تداعيات خطيرة، وخلفت معضلات أمام خلفه جو بايدن. ويتعلق أحد هذه القرارات بخلاف رئيسي في منطقة المغرب العربي، بين الجزائر والمغرب.
وقد أدى التصاعد الأخير في الخلافات بين الدولتين، ووصول العلاقات بين الجارتين العربيتين إلى أدنى مستوى لها خلال عقود، إلى إلقاء الضوء في جزء منه على علاقة واشنطن بالمنطقة، وقرار ترامب الاعتراف بحق المغرب في الصحراء الغربية. وبعد قيامها بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، جارتها في الغرب، أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام الطيران المغربي.
يرى الكاتب الصحفي الأميركي، بوبي جوش، في تحليل نشرته “وكالة بلومبيرغ” للأنباء، أن استعادة موقف عدم الثقة الذي تمكن السيطرة عليه، والذي ساد في الماضي بين الجزائر والمغرب، قد يتطلب من أميركا العودة إلى سياستها السابقة القائمة على حياد مدروس فيما يتعلق بالقضية المهمة المتعلقة بالصحراء الغربية.
ويرى جوش أن ترامب قام في كانون الأول (ديسمبر) الماضي بآخر تصرف أحمق فيما يتعلق بسياسته الخارجية، وهو الاعتراف بحق المغرب في الصحراء المتنازع عليها والغنية بالموارد المعدنية، مقابل اعتراف الرباط بإسرائيل. وقد انقلب ترامب بذلك على موقف أميركا القائم منذ وقت طويل، والتي طالما نأت بنفسها عمدا عن هذه المسألة على مدار عقود، ليضيف مأزقا آخر إلى قائمة المشكلات التي تركها لخليفته.
وقد استشاطت الجزائر غضبا، حيث إنها تؤيد استقلال الصحراء الغربية، وترى في نفوذ المغرب في المنطقة تحديا لتفوقها فيما يتعلق بشؤون الشمال الإفريقي. وتدعم الجزائر جبهة البوليساريو، وهي جماعة انفصالية تزعم أنها تمثل الصحراويين الذين يعيشون على الحدود مع دول عدة في المنطقة. كما يعيش عشرات الآلاف منهم في مخيمات للاجئين في الجزائر.
بايدن فضل الهروب على المواجهة
كان يمكن لجو بايدن أن يوافق على التغيير في السياسة الذي أحدثه ترامب، أو أن يقوم بإعادة الوضع إلى ما كان عليه في السابق، عندما تركت أميركا حل النزاع في يد الأمم المتحدة، حيث الإجماع منذ أمد بعيد على حق الصحراويين في تقرير المصير.
لكنَّ بايدن فضل الهروب من المواجهة: لم تعتمد إدارته قرار ترامب، ولم تتراجع عنه. وربما ساور بايدن الخوف من رد الرباط على أي تغير في موقف واشنطن بإلغاء اعترافها بإسرائيل. وربما يعتقد الرئيس أن غياب الاعتراف الرسمي بسياسة ترامب يترك الأمر بحكم القانون في يد الأمم المتحدة.
لكنَّ المغرب والجزائر تنظران إلى تناقض موقف بايدن على أنه موافقة تأخذ شكل التقاعس. وقد تشجعت الرباط، وبدأت في انتقاد المساعي الأوروبية لتطبيق تفويض الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية، كما عززت تأييدها لحق تقرير المصير لمنطقة القبائل بشمال شرق الجزائر.
وتتهم الجزائر المغرب بدعم “الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل”، الانفصالية، وصنفت الحركة منظمة إرهابية، وتعدها واحدة من جماعتين متهمتين بالوقوف وراء حرائق الغابات الضخمة التي أودت بحياة أكثر من 90 شخصا في التلال الشمالية في البلاد هذا الصيف، وقتل أحد الناشطين.
ووصف وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، الشهر الماضي، موقف الرباط الداعم للقبائل، بأنه “أعمال غير ودية وعدائية” ضد بلاده، وقال إن ذلك أحد أسباب قطع العلاقات مع المملكة، كما استشهد أيضا بعلاقات المغرب مع إسرائيل.
ويرى جوش أنه إذا كان هناك أي شك في أن مسألة الصحراء الغربية تقع في قلب النزاع بين الجزائر والمغرب، فقد تبدد هذا الشك خلال اجتماعات الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا، عندما أكد وزيرا خارجية البلدين مواقفهما بشأن المنطقة، ولم يتطرقا إلى أوجه الخلافات الأخرى إلا بقدر ضئيل. وأعرب جوش عن أمله في أن تكون إدارة بايدن قد انتبهت لذلك، لأن العداء المتأصل بين الدولتين ينذر بالسوء لمنطقة شمال إفريقيا وللمصالح الأميركية والأوروبية بالمنطقة.
العلاقات بين المغرب والجزائر
متوترة منذ عقود
لم تكن المنطقة في حاجة إلى التصعيد بين الجزائر والمغرب الذي يزيد الأمور سوءا، فلدى منطقة الساحل الجنوبي للبحر المتوسط ما يكفي ويفيض من الأزمات في تونس وليبيا، كما وقعت سلسلة من الانقلابات في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تواصل جماعات جهادية تحدي الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
ويقول جوش إنه على الرغم من وضع الديمقراطية في الجزائر والمغرب، فإنه من الممكن نسبيا التنبؤ بتصرفات حكومتيهما، كما يقوم الجيش وأجهزة المخابرات فيهما بدور مهم في إحكام السيطرة على الجماعات الإرهابية.
وتعد الجزائر مصدرا مهما للغاز الطبيعي لجنوب أوروبا، ويتم تصدير جزء من هذا الغاز عبر خط أنابيب يمتد من المغرب إلى أوروبا. كما يعتمد الأوروبيون على الرباط والجزائر أيضاً في كبح تدفق المهاجرين عبر مياه المتوسط إلى الشمال.
ويتساءل جوش: هل يمكن إعادة الدولتين من على حافة الهاوية؟ ويقول إن المرارة بين الجزائر والمغرب تعود إلى مظالم تاريخية سبقت انتزاع المغرب السيطرة على الصحراء الغربية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، عقب انسحاب إسبانيا من المنطقة. ومن المرجح أن تستمر المنافسة بينهما لعقود مقبلة من أجل الهيمنة على منطقة الشمال الإفريقي. وعلى الرغم من أنهما لم تتمكنا من أن تصبحا دولتين صديقتين، فقد أظهرتا قدرة على الاحتفاظ بعلاقات دبلوماسية، وهي حالة ينشدها الجميع.
ويرى جوش أن إعادتهما إلى هذه الحالة تتطلب إلغاء القرار الأرعن الذي اتخذه ترامب، كما يجب على بايدن العودة إلى تأييد بلاده للتوصل إلى حل لمأزق الصحراء الغربية بقيادة الأمم المتحدة. وليس هناك شك في أن هذا من شأنه أن يغضب المغاربة، لكنّ هناك مخاطرة ضئيلة باحتمال انسحاب الرباط من “اتفاقات إبراهام” مع إسرائيل، بعدما لمحت الفوائد المحتملة لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب.
وفي الوقت نفسه، ستحتاج واشنطن إلى الجزائر لكي تسمح للعملية الأممية بالانطلاق، وأن توقف تسليح وتمويل الانفصاليين في الصحراء الغربية. ويؤكد جوش في ختام تحليله أن ذلك لن يكون بالأمر الهين، وأنه سيتعين على أميركا حشد تأييد الدول الأوروبية، شركاء التجارة الرئيسيين للجزائر والمغرب. كما ينبغي أن يكون الأوروبيون، الذين أكدوا تأييدهم للعملية التي تقودها الأمم المتحدة، متلهفين لتقديم المساعدة. وربما يشكو بايدن من أنه قد ورث “مجموعة كاملة” من المشكلات، ولكن ترك هذه المشكلات من دون حلول يدفعها إلى التفاقُم، وهو ما حدث في شمال إفريقيا.