عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Aug-2020

فـــرن الحـــارة .. مخبــز أبــو شحــادة مثالًا

 

عمان - الدستور-  نبيل عماري  - الخبز قوت الإنسان اليومي، لا بد أن يكون له ذكريات وعادات و شخوص وأماكن و ربما مواسم مرتبطة بذلك القوت، وفي زمن الخير والحصاد الوفير والقمح الأردني والناس فلاحون يزرعون ويحصدون كانت الناس لا تعرف الخبز الأفرنجي وكان ندرة، وفي كل حارة فرن ومنهم فرن ابوشحادة وهو الذي كان يخبز لمساحة كبيرة من الحارات يوم كانت الناس تزرع القمح البلدي وتحصد وتغربل وتتطحن ونتحسر على سهول غزاها الأسمنت المسلح وسهول تركها الشباب بعد ان انتقل كبارنا إلى دار الحق يريدون مكتبا وكاسة شاي. تبدأ حكاية الخبز عادة بالزراعة فمناطق سهول حوران ومادبا والكرك وغرب عمان وسهل البقعة وسهول السرو في السلط كلها كانت تزرع بالقمح، لم يكن للقمح الأمريكي اي دور في حياتنا او على موائدنا.
 
 فبعد حصاد وفير من ذهب القمح يكون جاهزاً للطحن بعد تصويله وغربلتة وازالة الشيلم والزوان منه. وغالباً كانت تطحن الناس بالزرقاء عند مطاحن زعيتر في الغويرية والدولية وسط البلد حين يخرج طحيناً مسبحاً للخالق المعطي ويضاف قليلاً من الملح للبرميل الموجود به الطحين لغايات التعقيم. وهنا تأتي عملية العجن بعد إضافة ربع العجنة طحين زيرو والباقي طحين بلدي اوالتي تكون غالباً في الليل حتى يخمر العجين لعدم وجود ما يسمى اليوم الخميرة الفورية. وصباحاً يتم تقريص العجين ووضعه بسدر وهنا يأتي دور فرن ابو شحادة برق العجين وفرد العجين وتقليبة على بسطة من اليلاط مضافاَ له قليل من الطحين ترش على البلاطة ومن ثم تنقيش الرغيف بغرز الأصابع بالرغيف وإدخالة على جمر النار بالفرن ومع الانتظار قليلاً يخرج الرغيف ساخناً جميلاً مشروحاً ويتم اعطاء ثمن ما تم خبزه للفران ابو شحادة وكان وقود الفرن غالباً يتكون من مادة السولار والتي ممكن ان تعشق رغيف خبز يكون طعمة بنكهة السولار هذا ويتم مسح بلاط الفرن بمسحة من الماء لغايات التنظيف وكان يتم التحكم بالشعلة من خلال محبس خاص وفرن الحارة لم يكن لغايات الخبز فقط بل لصواني الدجاج واللحمة والكفتة وحتى لشوي البطاطا. وعادة يوجد طابور وربما غير منتظم ظاهرا، ولكن كل فرد يعرف ترتيبه , وكثيراً ما حدثت مشاحنات بين الناس حول الدور خاصة النساء فيبدأ ابو شحادة بالصياح عليهم بضروة الالتزام بالدور وفي بعض الأحيان كان يعطي أرقاما على كراتين بيضاء ممزوجات برائحة السولار. ومن طيب الخبز كنا نأكل رغيفا او رغيفين اثناء الرجوع للمنزل ومعنا سدر الخبز وعندما يصل الخبز ساخناً للبيت يتم مسح الرغيف بالسمنة البلدية ورش قليل من السكر. هذا وتتسلط الأضواء على فرن ابو شحادة عندما تقترب الأعياد كل يريد أن يعمل كعكا ومعمولا وقراص عيد ونواعم وغريبة، يتم استجلاب السدور السود المستطيلات وبجمعة من الأهل والأقارب والجيران يبدأ التنقيش ودحبرة كعك العجين بالعجوة ومعه المحلب والقزحة والسمسم وجوزة الطيب وهنا تعبق الحارة بعد خبز الكعك والمعمول والقراص بتشكيلة من الرواح العطرية فتشعر بالعيد وخاصة عندما كان ابو شحادة بصوته الشجي الجميل يغني وهو يخبز ( يا ليلة العيد انستينا ) ( وهلت ليالي حلوة وهنية ) وكان يحب ان يغني لفريد الأطرش من الحياة حلوة والربيع ومواويل للراحل فريد ومن محبته لفريد وضع صورة له في فرنه.