عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jun-2021

كيف سنصدّق صادقهم؟* رمزي الغزوي
الدستور - 
لم تعد تضربنا بالمفاجأة أخبار المتسولين الأثرياء. فيوم أمس ضبطت وحدة مكافحة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية احدى السيدات تتسول أمام مستشفى بحجة حاجتها لشراء أدوية ودفع نفقات علاجها، وتبين أنها تملك سيارتين احداهما شحن عمومي نوع مرسيدس موديل 2011 وسيارة أخرى نقل مشترك خصوصي.
 
العام الماضي شعر بعضُ الأصدقاء بالغبن والندم بعد اكتشاف متسول شاب يمتلك أربع سيارات حديثة. وأقرّ بعضهم أن التسول أجدى من التجارة والوظيفة أو القراءة والتأليف، وأنها مهنة لينة مربحة لا تحتاج رأس مال، أو ترخيص أو تكبد ضرائب أو أتوات.
 
يومها تساءل هؤلاء الأصدقاء كيف يثرى هذا المتسول الثلاثيني؟ وثمة من ما زال يكابدُ منحدر الحياة القاسي وهو على تخوم الخمسين من العمر ولا يملك إلا قدميه المتعبتين وحذاء أكلته العثرات؟ كيف له أن يجمع ثروة قد يخفي خلفها 4 زوجات و4 عمارات و4 مزارع. لكنهم يستدركون مشاعرهم حين يتذكرون أن الثمن الذي يدفعه ذلك الشاب في مهنة التسول لا يقدر بمال وأطيان. وهل ثمة ما هو أثمن من ماء الوجه يسفحه على تراب الطرقات؟.
 
المصيبة أننا بعد كل هذه القصص التي لا تنتهي. كيف لنا أن نثق بمن يستخفون بحرير مشاعرنا وهفيفها الرقيق؛ فيتظاهرون بالفقر والحاجة والعوز، وهم يمدون إلينا أيادي التسول على مفارق الطرقات وأطاريفها وعند غشاراتها الضوئية؟ كيف لنا أن نصدق حتى صادقهم أو محتاجهم الحقيقي، ونحن نسمع ونرى كل هذه المفآجات.
 
الفقير الحقيقي لا يتسول، ولا يمد يده، وإن سأل الناس؛ فهو يأخذ كفاف يومه، ولا يتكسّب، ولا يفتح أرصدة عامرة في البنوك، ولا يبني عمارة أو يشتري سيارة، باسغفال الناس واللعب على مشاعرهم. ومع هذا ما زلنا نقع بفخ العاطفة ونعطيهم. فنمنحهم مبرراً كبيراً للاستمرار باستغفالنا واستهبالنا.
 
مهنة التسول بحاجة لكثير من الطرق على جدران الخزان، فيكفينا غفلة وتغافلاً لننتبه إلى مرض اجتاح مجتمعنا بشراسة وتجذّر فيه، فأينما وليت وجهك ثمة من يمد يده، أو يتكسب بعاهته، أو بطفل ينام في الحضن، أو بورقة مصورة لا تقرأ، تفيد بأن حاملها يحمل مرضاً خطيراً، ولا بد له من علاج باهظ الثمن.