حين يُقتل الشهود.. هل من سيروي الحقيقة؟*لما جمال العبسه
الدستور
في قطاع غزة حيث الحقيقة تُكتب بالدم، لم يكن فجر امس عاديا، حيث اصبح الشهود على المجازر هم الخبر، والمجزرة التي نُفذت بحقهم هي المتصدرة، 7 صحفيين ما بين مراسل ومصور قضوا بمسيرة صهيونية موجهة حرقت اجسادهم وحولتهم الى اشلاء، ولم يتوان جيش العدو الصهيوني بالاعلان فورا عن مسؤوليته عن اغتيالهم، لانهم كشفوا زيف آلته الاعلامية بصورة وواقع بلغ الافاق وتجاوز الحدود وخلق رأيا عالميا عاما اكبر بكثير من سلطة ادارات الدول خاصة العظمى لطمس الحقيقة وتعريتها امام العالم الذي لم يفتأ قبل العدوان الصهيوامريكي الوحشي على القطاع من الدفاع عن دولة الكيان المزعومة.
مقتل الصحفيين لم تكن مجرد خسارة مهنية، بل هي اغتيال متعمد للشهود في لحظة مفصلية من تاريخ غزة المدينة التي يُحضر لها بحسب رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو خطة لاعادة احتلالها، فبينما تتجه الأنظار لتصريحات متضاربة حول طبيعة العمليات العسكرية هناك، بدأت فعليا عملية إعادة احتلالها، وما تم فجر الامس من اغتيال الشهود ما هو الا مرحلة تمهيدية لمجازر محتملة، تُنفذ في غياب الكاميرا والصوت والضمير، اذ كان لابد من إسكات كل من يفضح ما يُحاك خلف دخان القصف.
هذا التطور الخطير عكس تحولا نوعيا في استراتيجيات العدوان الصهيوامريكي على القطاع، قصف ثم اعتراف رسمي بالمسؤولية عن القتل، تخلله تصريحات من وزراء صهاينة قالوا ان ثمة مبالغة في التعاطي مع الامر فقد قتلت آلتهم العسكرية مئات المدنيين ولم يحدث ضجيج مثل هذا، وبعد ذلك تبريرات للجريمة بان هؤلاء مقاومون على هيئة صحفيين كذبوا في نقل الوقائع على الارض فلا نازية تجويع في القطاع وان المقاومة هي من تسرق المساعدات، ثم اكدوا على ان امثالهم من شوه صورة الكيان الصهيوني حول العالم.
والاكثر وضوحا ضمن هذه الاستراتيجية الخطيرة هي رغبة الحكومة النازية وآلتها العسكرية المتوحشة تنفيذ ما يمكن تسميته بـ»استراتيجية الابادة الصامتة»، فبعد هذه المقتلة المروعة سيخاف اولئك الذين ينقلون الصورة سواء كانوا صحفيين رسميين ام من يملكون حسابات نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، عدا عن حقائق يرويها اطباء ومواطنون ومسعفون وجميع فلسطينيي القطاع، بمعنى انه سيتم عزل غزة المدينة والقطاع وسيصلون بوجهة نظرهم العوراء الى طمس الحقيقة وتسهيل تنفيذ عمليات إبادة جماعية دون رقابة، مع العلم ان هذه الدولة النازية تتكئ على غياب المحاسبة الدولية، فهي لابد ماضية قدماً في فرض واقع جديد بالقوة، مستغلة حالة الانقسام العالمي وتراجع الضغط الدبلوماسي خاصة الامريكي الذي نزع يده ظاهريا من قرار اعادة احتلال المدينة، تمهيدا لإعادة هندسة ديموغرافية وسياسية لها، تبدأ بقتل الشهود وتنتهي بإسكات الضحايا.
إن اغتيال الصحفيين في غزة هو اغتيال للحقيفة وتمهيد لجرائم تُرتكب في الظلام بعد ان كشف العدو نفسه بان ما يجري في المدينة ليس مجرد إعادة انتشار عسكري، بل إعادة صياغة لها بالقوة، تبدأ بإسكات الشهود وتنتهي بإعادة إنتاج المجازر، ومعه يصبح الصمت الدولي أكثر فتكا من القنابل وشريكا في الجُرم، وما هو مطلوب اليوم ليس الإدانة، بل تحرك دولي عاجل لحماية ليس فقط الصحفيين بل الغزيين عموما، ووقف إعادة احتلال غزة التي تنذر بكارثة إنسانية جديدة.
لم يفلح قتل من سبق شهداء الامس من ناقلي الحقيقة، فمن مات ومن سيأتي لم يخفض الصوت او يغير مسار الكلمة او يكسر قلمه ويبتلع لسانه، فهناك الكثير ممن سينقلون مسلسل الدم في القطاع.