عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Sep-2021

التعليم بين مطرقة المستقبل وسندان الواقع*د موفق الزيادات

 الراي

خَلُص تقرير اليونسكو عن التعليم بالأردن قبل الجائحة بأن (نتائج التعلم في الأردن ضعيفة لا سيما في مرحلة التعليم الأساسي والثانوي. حيث يقرأ 70٪ من طلاب الصفين الثاني والثالث دون فهم (اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية، 2016). ويبقى أداء الطلاب ضعيفاً جدا في الاختبارات القياسية الدولية، بما في ذلك الرياضيات والعلوم. (الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم للأعوام 2018-2022/ تقرير اليونيسف).
 
تسببت جائحة كوفيد-19 في أكبر انقطاع للتعليم في التاريخ، حيث كان لها وما زال تأثير سلبي شبه شامل على مدخلات ومخرجات عملية التعليم- والتعلم بالعالم، وقد شطب هذا الانقطاع القصري ما تحقق خلال 20 عاما من مكاسب في مجال التعليم (تقرير التنمية المستدامة 2021 الهدف الرابع -ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع) من مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي إلى المرحلة الثانوية، ومؤسسات التعليم والتدريب التقني والمهني، والجامعات، وتعلم الكبار، ومؤسسات التدريب وتنمية المهارات.
 
في منتصف نيسان 2020، كان 94% من الطلبة على مستوى العالم قد تأثروا بالجائحة، وهو ما يمثل 1.58 بليون طفل وشاب، في 200 بلد. كما بينت الدراسات المسحية أنه وفي نفس العام انخفض مستوى الإلمام بالقراءة إلى ما دون الحد الأدنى لدى أكثر من 101 مليون طفل (9%) في المراحل الدراسية من الصف الأول ولغاية الصف الثامن الأساسي.
 
بعد عام من جائحة كورونا أعلنت وزارة التربية أن 100 ألف طالب لم ينخرطوا في نظام التعليم عن بُعد لعدم امتلاكهم التجهيزات وأدوات التعليم عن بعد. وقبل ذلك أعلنت في آب 2020 أن 16% من الطلبة لم يستطيعوا الاستفادة من منصة التعلم الالكتروني.
 
ندرك أن مشكلة التعليم والتحديات التي ترافق عملية التعلم تعتمد أساسا على البنية المؤهلة لإثارة عمليات التفكير وزيادة حماسة الطلبة للالتزام والمواظبة على عمليات التعلم حيث تفتقر كثير من البلدان إلى البنية التحتية الأساسية للمدارس للتمكن من تقديم خدمات تعليمية بشكل أفضل، فقد بلغت نسبة المدارس التي لديها بنية تحتية أساسية كمرافق غسل اليدين 40%، ومرافق الكهرباء 33%، ومرافق مياه الشرب 56%.
 
إن دافعية الطلبة للتعلم في مراحلهم العمرية الأولى ترتبط بعلاقة الود التي يعكسها معلمو تلك المرحلة بتعاملهم مع الأطفال، لذلك تعد عملية تأهيل المعلم ومواصلة تدريبه وتنميته بمختلف مراحل التعلم غاية بالأهمية حيث تبلغ نسبة تدريب معلمي المدارس الابتدائية على الصعيد العالمي 86% (التقرير العالمي لرصد التعليم 2017)، وتراجعت عملية استدامة التدريب على أثر الجائحة بشكل ملحوظ نتيجة توقف التعليم الوجاهي، والحد من انتقال العدوى، وضعف التأهيل والتطبيق الملازم للتدريب عن بعد (لا توجد احصائيات رسمية ترتبط بتدريب المعلمين خلال وبعد الجائحة).
 
إذا علمنا أن 13٪ فقط من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 4 سنوات يذهبون إلى الروضة (KG1)، وفقط 59٪ من الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 6 سنوات يرتادون رياض الأطفال (KG2). لافتقار أغلبية المدارس المنتشرة في الأردن (7434 مدرسة) منها (3865 تتبع وزارة التربية)، (3354 مدرسة تتبع التعليم الخاص)، و(169 مدرسة وكالة الغوث)، و(46 مدرسة حكومية أخرى 2019) لوجود صفوف مختصة بتنمية مهارات التعلم لفئة الأطفال دون سن السادسة (سن الدخول الرسمي للمرحلة الابتدائية) مما يشكل عبئاً مضاعفاً على معلمي تلك المرحلة من جهة ويزيد من الفاقد التعليمي والتحصيل المهاري والسلوكي في مراحل التدريس اللاحقة.
 
إن انعدام التحفيز المادي ورعاية الطلبة في بيئة تعلم استكشافي وإنشاء حاضنات ترعى الطلبة خاصة الموهوبين منهم، وتزيد عمليات التعلم النشط القائم على حل المشكلات بمراحل التعلم المختلفة تتطلب مخصصات مالية ترصد لهذه الغاية فإذا علمنا أن نسبة 89.5% من متوسط الإنفاق على تعليم الطالب يذهب للموظفين «متوسط الإنفاق لكل طالب 720 دينارا أردنيا في المدارس الحكومية التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم، منها (645) دينارا نفقات للموظفين، و(40) دينارا للنفقات التشغيلية، و(35) دينارا أردنيا للنفقات الرأسمالية» (تقرير مئوية الدولة الأردنية/ الموقع الرسمي) بالتالي فمن المتوقع التركيز على الحفظ الأصم للمعلومة المنسية حال تخرج الطالب من سنته التعليمية.
 
إننا بحاجة ماسة لقراءة التوصيات العالمية والاعتماد على نظام عمليات قياس وتقويم متكاملة لمخرجات كل مرحلة تعلم ولمراجعة شاملة لتدارك المشكلات المرتبطة بسوء السلوك أو تدني التحصيل تلك المشكلات التي تدق أجراس التنبيه لضرورة التوصل لحلول وطنية حيث أن معدل إتمام الدراسة في المرحلة الابتدائية يقدر بـ 85% (2019) وفي المرحلة الثانوية 53% لنفس العام وقد تراجعت تلك النسبة بفعل جائحة كورونا ولأسباب اجتماعية مختلفة.
 
بقي أن نقول ما هو المستقبل الذي ينتظر (2114719 طالبًا وطالبة)، وكيفية تقويم أداء (136062 معلمًا ومعلمة) و(32100 إداري).
 
هل ستستوعب 10 جامعات رسمية، و16 جامعة خاصة و44 كلية جامعية وكلية مجتمع، بالإضافة إلى جامعة إقليمية واحدة، وجامعتين مُنشأتين بقانون خاص تلك الأعداد أم أننا بحاجة لإيجاد آلية لتحديد ميول الطلبة وتوجيههم نحو المهن المستقبلية.
 
ثمة قوة جبارة في مجتمعنا وإرادة يمكننا الاعتماد عليها من أجل إعادة الأمور إلى نصابها، وتحقيق التطلعات المستقبلية المرتبطة بالتعليم. وتنفيذ الإصلاحات التي تطال جميع الفئات المعنية في قطاع التعليم وفقا لأدوارهم إذا استطعنا:
 
أولا: بناء نظم تعليم قادرة على التكيف من أجل التنمية المنصفة والمستدامة وتوجيه عمليات التعلم على التحديات المتمركزة على الوصول، والجودة، والمساءلة، والابتكار، وأنماط التفكير والأخذ بتوصيات الورقة النقاشية السابعة لجلالة الملك عبدالله الثاني (نيسان/أبريل 2017) «بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الأمة"؛ في تلك الورقة، رأى الملك أن الوصول إلى نظام تعليمي حديث، يشكل «مرتكزاً أساسيا في بناء مستقبل مزدهر»، وأكد أهمية الاعتراف بالتحديات وبذل الجهود لتجاوزها، قائلا: «لا يمكننا في ظل هذا الواقع، أن نغفل عن التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع التعليم». وبين الملك أن بناء القدرات البشرية من خلال منظومة تعليمية سليمة وناجعة يتطلب استثمارا في التعليم، وتوفير بيئة حاضنة، وتأمين الضروريات.
 
ثانيا: التوجه لعقد المؤتمرات التربوية الوطنية الدورية بمشاركة كافة المعنيين حيث تشير البيانات لشح عقد مثل تلك المؤتمرات الوطنية (المؤتمر الوطني الأول للتطوير التربوي عام 1987على الرغم من وجود مؤتمرات ترعاها الجامعات وبعض مديريات التربية).
 
ثالثا: زيادة الموازنة الموجهة للتعليم ولتطوير النظام التربوي (موازنة وزارة التربية والتعليم في عام 2021 هي 1.051488 مليار دينار، مقابل 100.394 مليون دينار لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي). والمخصصات المالية المرتبطة بإنشاء حاضنات التفكير الإبداعي وزيادة عمليات البحث العلمي وحل المشكلات بمراحل التعلم المختلفة (التعلم القائم على المشاريع).
 
رابعا: التفريق بين المعلمين المدربين والمعلمين المؤهلين في الإدارة الصفية والمهارات المعرفية والسلوكية المرتبطة بهم مع التركيز على عمليات التأهيل الإداري بمختلف مسمياته.
 
خامسا: فصل السلطة الرقابية والتشريعية التربوية عن السلطة التنفيذية كأحد أركان تطبيق الحوكمة في عملية التعليم سيما وأن نسبة الطلبة الملتحقين بالمدارس الخاصة تقترب زمنيا مع نسبة الطلبة الملتحقين بالمدارس الخاصة.
 
سادسا: التركيز على معالجة الخسائر في مجال التعلم والحيلولة دون التسرب من التعليم للطلبة والمعلمين (حالات التسريح المؤقت والتأخر في دفع المرتبات) على حد سواء، ودعم مهنة التدريس وتذليل الحواجز أمام الموصولية والحق بالتعليم عن بعد لكافة الطلبة بغض النظر عن أماكن تواجدهم على أرض المملكة لضمان مواصلة التنوع بأساليب التعليم الوجاهي والتعليم التفاعلي غير المباشر مثل التلفاز، البث الإذاعي، الويب الخ.
 
سادسا: تعزيز قدرات إدارة المخاطر في جميع مستويات نظام التعليم، وبناء قدرات العاملين في مجال إدارة الأزمات والكوارث والمخاطر، وضمان تطبيق التمارين العملية في تلك المجالات.
 
سابعا: الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وخفض تكاليف الموصولية. وإقامة الشركات التقنية، والاستفادة من المنح ومخصصات الدعم الموجه لقطاع التربية بالشكل الأمثل.
 
أخيرا؛ تضمن الميثاق الوطني الأردني (تسعينيات القرن الماضي) أهمية أن يكون نظام التربية والتعليم متكاملا ومتطورا، يتطلب تنشئة الفرد على الوعي بالحقوق والالتزام بالواجبات، والتمتع بالروح العلمية والديمقراطية والإيمان بحقوق الإنسان ومبادئ العدل والخير والمساواة، والربط بين نظام التعليم والإنتاج وتلبية حاجات الأردن من القوى البشرية المؤهلة. والاهتمام بتأهيل المعلم الأردني وإشراكه في عملية صنع القرار التربوي ورفع مستواه العلمي والمعرفي والمعيشي.
 
إن خطر الانزلاق المتسارع في فجوة الحالي والمستقبلي يزداد في ظل الانجذاب لحوامة سد فجوة التأثيرات السلبية المتمثلة في فاقد التعلم وتراجع التحصيل في الاختبارات الدولية.
 
إن ازدياد السقوط بجوف تلك الفجوة يتأثر بالعوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية سيما ضغط النزوح المتنامي وشح الإمكانات ومع ذلك يقابلها حركة إيجابية يمكنها أن تحملنا إلى مستقبل التعليم الذي نريده: مستقبل يتحقق فيه تغيير شامل في عمليات التعليم، وإطلاق العنان لإمكانات الأفراد، والاستثمار في التربية أولا وثانيا وثالثا.