النقد اللاذع للأبناء والتهميش أمام الآخرين.. جروح نفسية يعمقها الآباء
الغد-تغريد السعايدة
لم تكن كلمات عابرة تلك التي وجهتها والدة الطفل ليث (13 عاماً) إليه، حين قالت أمام أصدقائه: إنها لا تتوقع منه أن يحقق النجاح مستقبلا في الثانوية العامة، وإنما سيكون "فاشلا"، وإنها لا تراه إلا عاملا في وظيفة ذات شأن قليل، على عكس أقرانه، على حد تعبيرها".
تلك الكلمات الصادمة، كانت موجهة للطفل أمام مجموعة من أصدقائه في الحي، حيث بدا على وجهه، وفق أصدقائه، مدى التأثر والغضب والحزن والخجل في الوقت ذاته، في حين أن والدته كانت تعتبر ذلك الحديث من باب تحفيزه للاقتداء بأصدقائه وأن يكون أكثر اجتهادا ومثابرة في الدراسة.
هذا الأسلوب من التحفيز من قبل الأهل، أشبه بطلقة "قاتلة" للقدرات والمشاعر الإيجابية لدى الطفل، كما يقول الاختصاصي التربوي والنفسي الدكتور موسى مطارنة.
ويبين، أن هذه الطريقة تعتبر من أشد أنواع الإساءة المعنوية التي قد تؤثر على حياة الأبناء في المستقبل.
ووفق مطارنة، فإن الأطفال في هذه المرحلة يمرون في مراحل نمو، وهم بحاجة لأجواء وبيئه محفزة ومشجعة على النمو الصحيح، بما يساعد في تنمية قدراتهم ومهاراتهم.
وينمو الذكاء لدى الطفل من خلال التحفيز ورفع الدافعية لديه بأشكال مختلفة، والأم والاب عنصران مؤثران في ذلك، حيث يزرعان هذه المهارات والقدرات والتفوق لديه، ويبنيان شخصية متميزة ومبدعة وسعيدة في المستقبل، كما يقول مطارنة.
لذلك، لا بد من أن يدرك أولياء الأمور، أنهم النماذج التي تبني شخصية الأبناء، كون أي طفل في المجتمع تتكون شخصيته من خلال النموذج والقدوة.
ويصف مطارنة الطفل في المراحل الأولى من حياته بأنه "في فترة البناء وكأنه صفحة بيضاء يلتقط من النماذج التي حوله"، لذلك يجب على الوالدين أن يشكلان الحافز والدافعية والابتعاد عن المقارنة والإساءة للطفل، أو التقليل من قيمته وأهميته، لأن هذا يسبب لديه انعكاسات نفسية وسلبية تظهر على المدى القريب والبعيد.
وفي النطاق ذاته، تؤكد الاختصاصية التربوية الدكتورة سعاد غيث، أن مثل هذه الحالات التي تتواجد في المجتمع وبين كنف الأسرة، كما في الحالة سابقة الذكر، أن الأم هنا مارست مجموعه من الإساءات النفسية والعاطفية واللفظية والاجتماعية على طفلها أمام اصدقائه. كما سببت له جرحا نفسيا.
تجربة كهذه، تصفها غيث، بأنها تقلل من تقدير الطفل لذاته وصورته أمام الآخرين تهتز، كما تتأثر رغبته في أن يكون على تواصل مع أقرانه.
عدا عن ذلك، فإن ما قامت به الأم يقلل من شأنه ومن قيمته أمام أقرانه، وبالتالي، تعتقد غيث، أن هؤلاء الأصدقاء من الممكن ان يتبنوا وجهة نظر الأم ولاحقا سيحكمون عليه بالسوء كونها وصفته بالفاشل، وبالطبع قد يكون ليس فاشلا، وإنما متميز في جانب آخر، ووصفه بالفاشل تهمة فيها الكثير من الظلم.
ووفق غيث، لا يوجد إنسان فاشل تماما، والأطفال سريعا ما يتبنوا وجهات نظر آبائهم فيهم بحكم أنهم اقل نضجا وعلما وخبرة ومعرفة، وبالتالي يستسلمون لنظرة الأهل لهم ويتبنونها.
وهنا يصبح للطفل تعريف نفسي لذاته، وهذا يسمى كما تبين غيث بـ"النبوءة المحققه لذاتها"، في مختلف مراحل حياته، لأن تصرفات وعبارات الأهل تقوده نحو الفشل وغياب الدافع لتحقيق النجاح.
لذا، تحذر غيث الأهل من أن يكونوا شديدي الحرص لكل ما يوجهونه للأبناء الصغار منهم تحديدا، كونهم يتأثرون بما يقال لهم وأن يراعوا كلامهم ويختاروه بعناية.
وتنوه غيث، إلى أن المطلوب ليس التصفيق للطفل أنت رائع وأنت بطل، ليس هذا هو المطلوب وإنما المطلوب، الإشادة به كإنسان أولا على مستوى تصرفاته الإيحابية والالتفات إليها.
كما تنصح غيث، بضرورة توعية الأطفال بالأخطاء الصادرة عنهم، فلا يوجد إنسان لا يخطئ ولا يفشل ويواجه الصعوبات وهذا جزء من "أدميتنا وبشريتنا".
وتذهب غيث، إلى أن التعزيز لا يقتصر على نجاح الأبناء المدرسي والعلامات، بل وأن يكونوا صالحين وطيبين وجيدين مع الاخرين، فكل إنسان مميز بطريقته ومساره.
وينبغي، "أن نرحب بالفروقات الموجوده بين الأبناء وبين الآخرين وحتى بين أولادنا أنفسهم داخل المنزل"، وفق غيث.
إلى ذلك، فإن فترة المراهقة هي الأكثر تأثرا بما يوجهه الأهل للأبناء من عبارات، كونهم أكثر حساسية، ويكون لديهم رد فعلي سلبي، فالمراهق يرى نفسه مستقلا.
وكما يقول مطارنة: "هنالك "ردة فعل عدوانية"، وعلى الأهل أن يتنبهوا إلى أن التصرفات الخاطئة تصنع شخصا غير سوي، وفي داخله غياب للرغبة في الحياة، وقد يدخل في حالة اكتئاب، لذا لا بد من مراعاة الحالة النفسية للطفل ولا نقارن بينه وبين الآخرين، ولا ننعته بالفاشل، بل نحفزه ونعامله بتقدير ونتقبله كما هو، ونخلق لديه مهارات يواجه فيها حياته مهما كانت الظروف".