عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Jan-2019

أطفال یتحولون من ضحایا اعتداءات جنسیة لمتهمین بشهادات زور

 

تحقیق: نادین النمري
عمان-الغد-  أمام قاضي محكمة الجنایات الكبرى، مثلت ”مھا“ ابنة الـ15 عاما تشھد في قضیة ھتك
عرض تعرضت لھا قبل عشر سنوات.
دخلت مھا ”اسم مستعار“ للقاعة وحیدة دون مرافقة أحد من ذویھا أو محام، طلب منھا القاضي
التعرف على شخص من خلف الحاجز، بعد ذلك باشر بطرح أسئلة على الفتاة تتعلق بالحادثة،
التي وقعت قبل أن تتم عامھا الخامس، فیما اقتصرت إجابتھا على عبارة ”لا أذكر شیئا“.
حالة من الصدمة النفسیة أصابت الطفلة بعد خروجھا من قاعة المحكمة، لتتوجھ لوالدھا
بالسؤال: ”لیش أنا ھون؟ لیش بسألوني ھاي الأسئلة؟ ومین الزلمة ورا الحاجز؟“.
یروي والد مھا لـ“الغد“، تفاصیل قضیة ابنتھ التي تحولت من ضحیة بجریمة ھتك عرض لمذنبة
بجریمة شھادة زور.
تعود تفاصیل القضیة لصیف العام 2007 عندما خرجت مھا مع شقیقھا الأصغر للعب في
الحي، حینھا دعاھم جار وصدیق العائلة لمنزلھ للعب على جھاز الحاسوب، بعد استدراج الجار
للطفلین حاول الاعتداء جنسیا على الطفلة التي ھربت وتوجھت لوالدتھا مخبرة إیاھا بفعل
الجار.
یقول والد مھا: ”أخبرتني زوجتي بما حصل، اصطحبت ابنتي فورا وتوجھنا لحمایة الأسرة
والتي حولتنا لمدعي عام الجنایات الكبرى“.
أمام المدعي العام قدم الأب أقوالھ، كما استمع المدعي العام لأقوال الطفلة. یقول الأب ”تدخلت
بعض الأطراف لدفعي لإسقاط الحق الشخصي بحجة أن الاستمرار بالقضیة سیؤثر سلبا على
ابنتي وسیجعل من الحادثة أمرا معروفا للجمیع“.
تم الاتفاق بین عائلتي المتھم والضحیة بأن ینتقل المتھم وعائلتھ من المنطقة. یبین الأب: ”لم
نسمع عنھم شیئا منذ ذاك الحین، لم نتحدث مع ابنتي بھذا الموضوع بتاتا، حرصنا أن نساعدھا
على النسیان“.
لم یكن والد مھا یدرك أن إسقاط الحق الشخصي بقضیة الاعتداء على ابنتھ لا یمنع ایقاع عقوبة
الحق العام، صدر بحق المتھم حكم غیابي بالإدانة بالقضیة، بقي المتھم فارا من وجھ العدالة
لنحو عشر سنوات إلى أن تم إلقاء القبض علیھ العام الماضي.
ُ لغت بإلقاء القبض على المتھم، وطلب مني
یضیف الأب: ”في حزیران (یونیو) 2017 ُ ب
الحضور وابنتي للمحكمة للشھادة بجلسة إعادة المحاكمة“.
حالة من الصدمة والإرباك سیطرت على والدي مھا، یقول الأب: ”ما عرفت كیف افتح معھا
الموضوع، قلتلھا یابا بدنا نروح على المحكمة عشان كان في مشكلة قدیمة مع جیرانا، إنت اللي
بتتذكري جاوبي علیھ واللي مش متذكریتھ قولي ما بعرف أو مش متذكرة“.
دخلت الطفلة للقاعة وحیدة لا تعرف شیئا عن سبب استدعائھا، وجدت نفسھا وسط قضیة لا تعلم
عنھا شیئا. أمام وطأة الصدمة والجھل بالموضوع والخجل من الأسئلة المحرجة اقتصرت إجابة
الطفلة لكافة الأسئلة على جواب ”لا أذكر“، بناء على إجابتھا تمت تبرئة المتھم من تھمة ھتك
العرض، فیما تم تحویل الطفلة لمدعي عام محكمة الأحداث.
بسبب ما اعتبر تناقضا بأقوال الطفلة بین إفادتھا أمام المدعي العام، العام 2007 وقاضي
الجنایات العام 2017 ،أسند قاضي الأحداث لمھا حكما غیابیا بتھمة شھادة الزور وإیداعھا لمدة
3 سنوات بدار تأھیل الفتیات الأحداث التابعة لوزارة التنمیة الاجتماعیة كعقوبة لھا.
بعد تحویل ملف الطفلة للوزارة، التفت مراقب السلوك للفارق الزمني بین إفادتي الطفلة، وصغر
سنھا بإفادتھا الأولى. بموجب اتفاقیة تعاون بین الوزارة ومركز العدل للمساعدة القانونیة، حول
موظف الوزارة عائلة مھا للمركز للحصول على مساعدة قانونیة.
ُ تقدمت محامیة مركز العدل باعتراض على قرار قاضي الأحداث، خفضت العقوبة لعام مع وقف
التنفیذ، ما دفع المحامیة لاستئناف القرار لتنقض محكمة الاستئناف قرار محكمة الأحداث وتحكم
بعدم مسؤولیة الطفلة في تشرین الأول (أكتوبر) الماضي.
اعتبرت ”الاستئناف“ أن ”بیانات النیابة لم تكن كافیة لإثبات كافة أركان وعناصر شھادة الزور،
بناء على ذلك فسخت القرار وحكمت بعدم مسؤولیة الطفلة“.
تقول المحامیة التي تولت القضیة الھام أبو لبدة توجھنا للاستئناف من منطلق ان الطفلة لم تكن
قد اقترفت أساسا جرم شھادة الزور ”فھي عندما أدلت بأقوالھا امام المدعي العام كانت دون سن
التمییز، فضلا عن أنھا لم تقدم إفادتھا تحت القسم القانوني نظرا لصغر سنھا“.
بحسب قرار ”الاستئناف“ الذي حصلت ”الغد“ على نسخة منھ، فإن ”الطفلة أدت الشھادة أمام
المدعي العام وھي بسن 5 سنوات أي غیر ممیزة وبالتالي فإن شھاداتھا غیر مقبولة بتاتا، كما
أن تلك الشھادة لم تكن تحت القسم وغیر ذات أثر بالدعوى الجزائیة“.
قرار لمحكمة الاستئناف بعدم مسؤولیة طفلة عن شھادة الزور بقضیة اعتداء جنسي.- (الغد)
واعتبرت المحكمة أنھ ”كان على المحكمة استبعاد الشھادة المعطاة أمام المدعي العام لا أن تأخذ
بھا كدلیل مع شھادتھا المعطاة أمام ”الجنایات الكبرى“ حیث ذكرت انھا لم تذكر وقائع الجرم،
ولا أحداثھ وھذا صحیح حیث أدت شھادتھا امام المدعي العام وھي بعمر 5 سنوات عندما كانت
غیر ممیزة“.
وتساءلت ”الاستئناف“ بقرارھا: ”فكیف تذكر الطفلة ما حصل معھا بعد عشر سنوات من
الواقعة؟“، معتبرة انھ ”كان على محكمة الدرجة الاولى اعلان عدم مسؤولیة الطفلة“.
بصدور قرار ”الاستئناف“، شعرت عائلة مھا بنوع من الارتیاح، یقول الأب: ”مھا تعبت وكل
ّ البیت تعب، تعبنا نفسیا كثیر، لو یرجع في الوقت كان أخذت حقي بإیدي وما رحت محاكم“.
300 طفل یراجعون بقضایا جنسیة
مھا تعد واحدة من 278 طفلا راجعوا محكمة الجنایات الكبرى العام 2017 كضحایا بجرائم
اعتداءات جنسیة، فیما لم تتمكن ”الغد“ من الوصول لعدد القضایا التي تم الفصل بھا من مجموع
ھذه الشكاوى.
تبین المحامیة أبو لبدة أن ”قضیة مھا وإن كانت استثنائیة ببعض تفصیلاتھا، تحدیدا المتعلقة
بالسن، لكن ھناك العدید من حالات الاطفال المشتكین بجرائم الاعتداءات الجنسیة یتحولون
لمتھمین بشھادة الزور نتیجة لتناقض أقوال الحدث بین المدعي العام والمحكمة“.
وتلفت الى أن التحویل للمدعي العام بتھمة شھادة الزور ”صلاحیة تقدیریة“ إلا انھ على أرض
الواقع یتم التوسع بتطبیقھا.
تصویر: محمد مغایضة
مونتاج الفیدیو: مراد میرزا
یحدد قانون الأحداث 2014 سن المسؤولیة الجزائیة على الأطفال بـ12 عاما، ما یعني انھ
بحسب الصلاحیة التقدیریة للقاضي یمكن أن یتم تحویل الطفل الذي یبلغ من العمر 12 عاما
وأكثر، وتناقضت أقوالھ بین شھادتھ أمام المدعي العام والقاضي لمتھم بشھادة الزور.
بحسب أرقام محكمة الجنایات الكبرى فقد ورد العام 2016 للمحكمة 332 قضیة اعتداء جنسي
واقعة على الأطفال (ھتك عرض واغتصاب وخطف جنائي)، وفي العام 2017 كان العدد
278 قضیة، بینما وصل العام الماضي وحتى تشرین الأول (اكتوبر) الى 319 قضیة، اي ما
متوسطھ 300 طفل یراجعون سنویا ”الجنایات الكبرى“ كمعتدى علیھم بقضایا الاعتداءات
الجنسیة.
لم تتمكن ”الغد“ من الوصول لعدد الحالات التي تم الفصل بھا من مجموع الشكاوى المقدمة منذ
بدایة العام 2016 وحتى تشرین الأول (اكتوبر) 2018 ،لكن مصدرا قضائیا قدر أن تكون
نسبة الادانة بقضایا الاعتداءات الجنسیة على الأطفال بنحو 30 الى 35.%
احصائیات الأطفال
Infogram
الرسم التفاعلي: إعداد أحمد غنیم
یقول المصدر لـ“الغد“ إن ”غالبیة أحكام البراءة تعود لأسباب تتعلق بعدم كفایة البینات أو أن
الأدلة غیر مقنعة وفیھا شك یقود الى الحكم بالبراءة للمتھم“.
ویوضح ”في الغالبیة الساحقة من أحكام البراءة تكون اقوال الطفل متطابقة في التفاصیل
الجوھریة لما ذكر أمام المدعي العام والمحكمة، لكن ما یجري أنھ عندما تدرس ھیئة المحكمة
شھادة الطفل مع باقي البینات وتوازنھا وتفحصھا وتقارن الشھادات مع واقع الحال تصل لنتیجة
أن البینات غیر مقنعة وفیھا شك یقود الى براءة المتھم“.
ویزید ”بالتالي فإن من یتم تحویلھم لمدعي عام الاحداث بتھمة شھادة الزور لا یشكلون سوى
نسبة قلیلة جدا من الحالات الواردة لمحكمة الجنایات“، لافتا في ذات الوقت الى أن قانون
الأحداث یحدد سن المسؤولیة الجزائیة على الأطفال في الفئة فوق 12 عاما، أي ان الطفل تحت
ھذا السن غیر مسؤول عن تناقض أقوالھ أمام المحكمة.
خلال اجتماع سابق للفریق الوطني لحمایة الأسرة من العنف قال النائب العام لمحكمة الجنایات
الكبرى القاضي أشرف العبدالله إن ”الواقع العملي یظھر أن احكام البراءة تفوق بنسب عالیة
أحكام التجریم“، مبینا أن ”أحكام البراءة تكون إما لأسباب ترتبط بأن ھذه الشكاوى كیدیة أو
لوجود أخطاء شكلیة في القضیة“.
تشكل الإناث من الأحداث الغالبیة العظمى من المتھمین والمدانین بقضایا شھادة الزور، فبحسب
احصائیات مدیریة الأحداث والأمن المجتمعي التابعة لوزارة التنمیة الاجتماعیة للعام 2017 فقد
دخل لدور تربیة وتأھیل الأحداث الخمس التابعة لھا 42 حدثا بین متھم ومدان بتھمة شھادة
الزور، منھم 28 أنثى و14 ذكرا.
في تفصیل الأرقام بلغ عدد الموقوفین من الأحداث المتھمین 36 طفلا منھم 22 فتاة و12 ذكرا،
أما المحكومون فبلغ عددھم 8 منھم 6 إناث وذكرین.
أما احصائیات العام 2018 ولغایة كانون الأول (ینایر) الماضي فتبین أنھ دخل لدور الأحداث
45 حدثا بین متھم ومدان بقضایا شھادة الزور، منھم 28 انثى و17 ذكرا.
وفقا لذات الاحصائیة، فإن عدد الموقوفین بلغ 33 طفلا منھم 20 فتاة و13 ذكرا، أما
المحكومون فبلغ عددھم 12 طفلا منھم 8 فتیات و4 ذكور.
25.00% ذكور
متھمون مدانون
المدانون والمتھمون بشھادة الزور
ولا تحدد احصائیات وزارة التنمیة خلفیة قضایا شھادة الزور التي اوقف وحكم بھا منتفعو ھذه
المراكز، لكن مصدرا قضایا قال لـ“الغد“ إن غالبیة أحكام شھادة الزور على الأحداث تتعلق
بادعاءات وشكوى كیدیة بقضایا الاعتداءات الجنسیة.
75.00% إناث
المصدر: مدیریة الأحداث والأمن المجتمعي التابعة لوزارة التنمیة الاجتماعیة
33.33% ور
66.67% إناث
متھمون مدانون
من جھتھا تدعو أبو لبدة لضرورة الأخذ بعین الاعتبار الحالة النفسیة التي یكون فیھا الطفل، مبینةً ”غالبا ما یسیطر الخوف والارتباك على الطفل خلال المحاكمة، ذلك فضلا عن طول أمد اجراءات التقاضي وھروب الطفل في بعض الاحیان الى النسیان لتفاصیل مؤلمة، جمیعھا عوامل تدفع لوقوع تناقض بأقوال الطفل الضحیة“.
وتشیر كذلك لعوامل أخرى تؤثر على شھادة الطفل كسھولة تضلیلھ أو التأثیر علیھ لتغییر أقوالھ وفي بعض الأحیان استغلالھ من قبل بالغین لتقدیم إفادة غیر صحیحة.
تشدد أبو لبدة على ضرورة توفیر بیئة تقاض صدیقة للطفل، لیس المتھم فقط بل الضحیة والشاھد، وذلك من خلال توفیر المساعدة القانونیة للضحایا وتوفیر التھیئة النفسیة للطفل قبل الدخول للمحكمة من خلال اخصائي نفسي واجتماعي وتعریفھ بالمحكمة وزیارتھا قبل الإدلاء بالشھادة، الى جانب ضمان توفیر الآلیات والتقنیات التي تضمن تجنیب الطفل تكرار تقدیم الإفادات وتعریضھ لذكریات مؤلمة.
المساعدة القانونیة ومنظومة تقاض صدیقة للطفل
ّ تتفق مدیرة مركز العدل ھدیل عبد العزیز مع أبو لبدة بالرأي، وتقول: ”لیس كل طفل غیر أقوالھ
ھو مرتكب لشھادة الزور، ھناك عوامل عدة تؤثر بھذا السیاق، المطلوب التعامل معھا بما یضمن تحقیق العدالة ومصلحة الطفل الفضلى ولیس محاسبة الطفل على تناقض بالاقوال قد یكون ناجما عن خوف، او نسیان او تھدید او اجبار“.
تلفت عبدالعزیز لمجموعة قضایا بشھادة الزور تعامل معھا المركز لاطفال كانت قد وقعت علیھم اعتداءات جنسیة، إحداھا لطفل (15 عاما) أجبر على تغییر أقوالھ بالمحكمة بعد أن تم تھدید عائلتھ من قبل أقارب الجاني ”بلاش یصیر بابنكم الثاني نفس الشي“.
وتبین: ”ینتمي الطفل لعائلة وافدة، شعور العائلة بالاستضعاف دفعھم لاقناع ابنھم بتغییر أقوالھ خوفا على أبنائھم الآخرین“.
وتعرض عبدالعزیز لحالات أخرى تم بھا عرض مبالغ مالیة على العائلات مقابل دفع الطفل لتغییر أقوالھ، تقول: ”احدى القضایا التي تعاملنا معھا كانت لفتاة (12 عاما)، غیرت أقوالھا بعد أن حصلت عائلتھا على مبلغ مالي من عائلة الجاني“.
وتضیف: ”كانت الطفلة على وشك أن تحكم بشھادة الزور، لكن كون تقدیم إفادتھا للقاضي كان قبل بلوغھا سن 12 عاما بأسبوع سقطت عنھا التھمة لانھا لم تكن بلغت سن المساءلة القانونیة“.
تقر عبدالعزیز كذلك بوجود عدد من القضایا الكیدیة، التي یستغل بھا بالغون الأطفال لتقدیم شكاوى كیدیة إما بقصد الابتزاز أو الانتقام أو بحالات الخلافات الأسریة، لكنھا تتساءل في ذات
الوقت: ”ھل الحل لھذه المشكلة معاقبة الطفل؟ وھل یتفق العقاب ھنا مع مبادئ العدالة الإصلاحیة؟“.
وتقول: ”حتى وإن كانت تلك القضایا كیدیة فالأصل ملاحقة ومحاكمة الشخص الذي استغل الطفل وحرضھ للإدلاء بشھادة زور الى جانب توفیر الحمایة لھ“.
وتتابع ”لا أذكر أنھ في أي قضیة تابعناھا كمركز تم ملاحقة المحرض“. وتشدد على ضرورة التعامل مع ھذا النوع من القضایا وفق منظومة عدالة اصلاحیة ولیس عقابیة.
وتبین عبد العزیز، ”المطلوب توفیر المساعدة القانونیة للأطفال وأسرھم بھذه الحالات منذ البدایة بمرحلة تقدیم الشكوى وتعریف عائلة الطفل بإلاجراءات المتبعة لضمان حق الطفل وحمایتھ وعدم إفلات الجاني من العقوبة“.
وتوضح ”عادة ما یجھل الطفل وعائلتھ بالإجراءات القانونیة، ھذا قد یدفع لتحویل الطفل من شاھد لمتھم، المساعدة القانونیة ھنا مھمة لیس فقط لإدانة الجاني إنما كذلك لحمایة الطفل“.
الخبیرة بقضایا الأحداث، العین فداء الحمود تشدد على ضرورة دراسة العوامل المحیطة والتي تدفع الطفل لتغییر أقوالھ، مبینة أن ”ھذه العوامل تندرج بین النفسیة والاجتماعیة والاقتصادیة“.
وتتابع الحمود، والتي كانت شغلت سابقا منصب قاضي أحداث، أن ”طول أمد التقاضي بھذا النوع من القضایا قد یسبب ارباكا للطفل، بالتالي ینسى بعض التفاصیل ویغیرھا“.
وتلفت كذلك لأسباب تتعلق باستغلال الأطفال من قبل بالغین للإدلاء بشھادات زور، مبینة ان ”غالبیة الحالات التي تعاملت معھا بشھادة الزور كانت تقع ضمن نطاق أسري بعائلات تعاني تفككا أسریا“.
وتشیر إلى قضیة تولتھا قبل أعوام، عندما لقنت أم طفلتھا للإدلاء بشھادة زور ضد والد الطفلة،
رغبة بالانتقام بعد أن ورد لمسامعھا رغبة الزوج بالزواج من ثانیة. أما الحالات الأخرى، وفقا للحمود، فھي التي یتم بھا حث الطفل على تغییر أقوالھ لأسباب اقتصادیة، وتبین ”ببعض الحالات وبعد تقدیم الشكوى تعرض عائلة المتھم على عائلة الضحیة مبلغا مالیا مقابل تغییر أقوال الطفل، تساھم العقوبة المخففة والأوضاع الاقتصادیة الصعبة لبعض العائلات بقبول ھذا الخیار، ما یجعل الطفل مدانا بشھادة الزور“.
ترى الحمود أن التعامل مع ھذه المشكلة ”یتطلب الإسراع بالنظر بالقضایا لضمان أن لا یحصل تغییر بالشھادة نتیجة لبعد الفترات بین الشھادات وتفعیل استخدام التقنیات الحدیثة كالربط التلفزیوني المباشر وتقنیة تسجیل شھادة الأطفال بالفیدیو، اضافة لإجراء تعدیلات على قانون الأحداث توفر حمایة أكبر للاطفال من استغلالھم بشھادات الزور الكیدیة“.
تقنیات الربط التلفزیوني وتسجیل الفیدیو
في العام 2011 ّ فعلت محكمة الجنایات الكبرى تقنیة الربط التلفزیوني المباشر بالمحكمة بعد الانتقال لمبناھا الجدید بالجویدة، بحیث یدلي الطفل دون 18 عاما شھادتھ بقضایا الاعتداءات الجنسیة بغرفة مقابلة لقاعة المحكمة، بحیث تتمكن ھیئة المحكمة والنیابة العامة والمتھم والدفاع من مشاھدة الطفل أثناء إدلائھ بشھادتھ، وتم تصمیم تلك التقنیة بحیث لا یشاھد الطفل أي شخص
داخل القاعة باستثناء رئیس الھیئة الحاكمة.
رغم ذلك، فإن ھذه التقنیة ما تزال تواجھ عددا من العقبات، والمتعلقة بعدم تفعیلھا بشكل مستمر
أو تعطلھا وبالتالي تضطر المحكمة للاستماع لشھادة الطفل بالطرق التقلیدیة، كما تم بحالة ”مھا“
التي اجتمعت بقاعة واحدة مع المعتدي علیھا. العام 2017 تم تعدیل المادة 158 من قانون أصول المحاكمات الجزائیة، حیث أوجبت المادة الاستماع لشھادة الطفل المجني علیھ بجرائم الاعتداء على العرض من خلال التقنیة الحدیثة ما لم یتعذر ذلك، رغم تعدیل النص ما تزال ھناك عقبات تواجھ تفعیل التقنیات.
في ورقة كان قدمھا النائب العام لمحكمة الجنایات الكبرى القاضي أشرف العبدالله في مؤتمر ”مصلحة الطفل الفضلى“ في تشرین الأول (اكتبور) الماضي، والتي حصلت ”الغد“ على نسخة منھا، اعتبر العبدالله انھ رغم أن الاستماع لشھادة الأطفال بتقنیة الربط التلفزیوني حققت أھدافاً إیجابیة بسبیل تحقیق المصلحة الفضلى للطفل، إلا أن من عیوب التجربة أن الطفل ووفقاً لھذه التقنیة یضطر للحضور لمبنى المحكمة والدخول إلیھ وأحیاناً كثیرة یدخل من ذات القاعة التي یتواجد بھا الشخص الذي قام بالاعتداء علیھ، وذلك للوصول للغرفة الخاصة والمجھزة بالربط التلفزیوني.
واعتبر أن ”لذلك تأثیرا بالغا على ھذا الطفل وذلك بالنظر إلى أن ھذه المحكمة تختص بقضایا بالغة الخطورة كالقتل“.
یشیر العبدالله كذلك الى إشكالیة تعطل الربط التلفزیوني وقیام المحكمة مضطرة للاستماع للطفل
بالطرق التقلیدیة، اضافة لعدم تجھیز دائرة مدعي العام بوسائل التقنیة الحدیثة ما یعني حضور الطفل للدائرة للنظر بقضایا بالغة الخطورة وھي غیر مجھزة حتى بأماكن خاصة لانتظار الأطفال.
في السیاق یبین الأمین العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة محمد المقدادي إن ھذه الفجوات
بالتطبیق دفعت المجلس وبالشراكة مع المجلس القضائي وإدارة حمایة الأسرة لعقد ورشة تدریبیة حول تفعیل الإنابة القضائیة لسماع شھادة الأطفال عبر تفعیل نص المادة 92 من قانون أصول المحاكمات الجزائیة.
وتنص المادة 92 على أنھ ”یجوز للمدعي العام أن ینیب أحد قضاة الصلح بمنطقتھ أو مدعي عام آخر لإجراء معاملة من معاملات التحقیق بالأمكنة التابعة للقاضي المستناب ولھ أن ینیب أحد موظفي الضابطة العدلیة لأي معاملة تحقیقیة عدا استجواب المشتكى علیھ“.
كما تنص ”یتولى مستناب من قضاة الصلح أو موظفي الضابطة العدلیة وظائف المدعي العام في الأمور المعنیة بالاستنابة“.
یوضح المقدادي وفقا لھذه المادة ”یتم العمل على تفعیل تقنیة تسجیل الفیدیو لشھادة الاطفال من
قبل موظف ادارة حمایة الاسرة المستناب من المدعي العام لیتم استخدام التسجیل من قب المدعي العام، ما یوفر على الطفل الضحیة مسألة إعادة الإدلاء بشھادتھ“.
یخضع ضباط ادارة حمایة الأسرة وفقا للمقدادي لتدریب وتأھیل على تلقي إنابات قضائیة من المدعین العامین للاستماع لشھادة الطفل المجني علیھ باعتداء جنسي داخل الإدارة وباستخدام التقنیة الحدیثة، بحیث لا یضطر الطفل للحضور لدائرة المدعي العام للإدلاء بشھادتھ ویكتفى بشھادتھ المأخوذة من قبل مدعي عام منتدب من ضباط إدارة الحمایة، وذلك لحین تجھیز دوائر الادعاء العام بوسائل التقنیة الحدیثة.
یؤكد مقدادي أن الغایة من تطبیق تسجیل الفیدیو تجنیب الطفل تكرار الإدلاء بشھادتھ وذلك
مراعاة لحالتھ النفسیة، اضافة لأن الفیدیو یعد وسیلة فاعلة بحال طبق بحرفیة لیتم اتخاذه كدلیل،
خصوصا أن الإفادة الأولى للطفل غالبا ما تكون الأكثر دقة كونھا أقرب لوقت وقوع الحادثة.
وفقا لمقدادي، فقد تم البدء بالتطبیق التجریبي لھذه التقنیة في تشرین الأول (أكتوبر) الماضي.
الى جانب تدریب ضباط ”حمایة الأسرة“ على الإنابة، قام المجلس بتدریب المدعین العامین والضباط على التعامل مع الأطفال ضحایا العنف وطریقة أخذ الإفادة منھم، بما یتناسب وحالتھم النفسیة والاجتماعیة، اذ تم التدریب بالتعاون مع معھد العنایة بالأسرة وتناول طریقة أخذ الافادة من الطفل في حالة الصدمة النفسیة.
یأمل مقدادي أن ”تعمم تجربتا الربط التلفزیوني والفیدیو على كافة محاكم المملكة بالقضایا التي
یكون بھا الأطفال ضحایا أو شھودا“، ویقول ”نأمل كذلك أن یتم تفعیل تقنیة الربط التلفزیوني بحیث یقدم الطفل شھادتھ للقاضي ببث مباشر دون اضطراره للتوجھ للمحكمة، بحیث یدلي بھا بأحد مكاتب ادارة حمایة الأسرة القریبة من سكنھ“.
ویتابع: ”بذلك سیتجنب الطفل تجربة دخول المحكمة بتواجده بمكان مؤھل وصدیق للطفل، بحیث
یشعر براحة نفسیة أكبر أثناء إدلاء شھادتھ اضافة لتجنیبھ وعائلتھ مشقة التنقل للوصول للمحكمة“.
أھمیة استخدام التقنیات الحدیثة
وحول أھمیة استخدام تقنیات الربط التلفزیوني والفیدیو، یبین مدیر ادارة حمایة الأسرة العقید فخري القطارنة إن الأدلة الطبیة بحالة الاعتداءات الجنسیة ”لا تمثل سوى جانباً بسیطاً من التحقیقات، إذ یستند تشخیص الاعتداء الجنسي لحد كبیر لروایة الطفل أو الكشف النفسي والاختبارات العملیة“.
ویضیف: ”تتمیز المقابلة المصورة مع الطفل بأنھا ذات أھمیة كبرى بالإثبات خاصة، وأن أغلب حوادث العنف الجنسي على الأطفال تتم بظروف غایة بالسریة، وقد تفتقد أحیاناً للشھود أو أدلة الإثبات، خاصة بالحوادث التي یتم التبلیغ عنھا بعد مرور فترة زمنیة طویلة نوعاً ما على حدوث الاعتداء، وبالتالي قد لا یتوفر أي معطیات عن طبیعة الحادثة إلا من خلال أقوال الطفل نفسھ، لذا توفر المقابلة المصورة إثباتاً بصریاً واضحاً لتقدیم الطفل لنفسھ وتبین سلوكیاتھ وقت المقابلة وتسھم لحد كبیر بتشكیل القناعة الوجدانیة للقاضي، وخاصة مع الأطفال الصغار حیث قد تشمل المقابلة استخدام الأدوات المساعدة لشرح طبیعة الحادث، ولھذا السبب یكون التسجیل
المصور أفضل من التسجیل الصوتي والإفادة الخطیة إذا اقتنع القاضي بأن الطفل لم یكن عرضة للتأثیر من شخص آخر أثناء التصویر“.
من جانبھا، ترى المحامیة أبو لبدة أنھ ”رغم أھمیة استخدام التقنیات الحدیثة ودورھا بتجنیب الأطفال فان التساؤل ھو ھل ستوفر تلك التقنیات الحمایة فعلیا للطفل؟“.
وتقول: ”رغم إباحة المادة 158 لاستخدام الإنابة القضائیة، لكنھا بذات الوقت تتیح للمدعي العام الحق باستدعاء الطفل حال شعر أن ھناك حاجة لمزید من الاستیضاحات والأسئلة، ما یعني اضطرار الطفل للإدلاء بأقوالھ مرة أخرى والذھاب للمحكمة“.
ترى أبو لبدة ان التعامل مع ھذا الأمر ”یكون من خلال وجود مدعي عام منتدب بادارة حمایة الأسرة مسؤول عن التحقیق بدلا من استنابة الضباط لأخذ الافادة“.
وتشدد على ضرورة توفیر الضمانات اللازمة لتفعیل ھذه التقنیات بشكل مستمر، لافتة الى
العثرات بتفعیل تقنیة الربط التلفزیوني والتي أدت كثیر من الحالات لحصول مواجھة بین الطفل والمتھم.