عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Sep-2025

ما يتجاهله المخبرون!*بشار جرار

 الدستور

لطالما انتقد العارفون بأسرار المهنة -مهنة البحث عن المتاعب-، انتقدوا الانصياع الطوعي أو الإذعان القسري من قِبل الصحافة -السلطة الرابعة-، لما صار شعارا، ألا وهو «ما يطلبه الجمهور»!
الجدّ خطير -كما يقول إخوتنا المغاربة- أن يميل الصحفي، أو السياسي، أو الأكاديمي -وهذا أخطر-، يميل إلى حيث مالت الجماهير العريضة. بعض القضايا أسمى من الامتثال لقوى السوق، ممثلة بالقوة الشرائية للمستهلكين، قراءً كانوا أم مستمعين أم مشاهدين.
يختار من يقومون بتصفيف سلاسل الأخبار ومن بعدُ تركيب تغطيتها البرامجية، يختارون أحيانا الصدارة لكل خبر سياسي بالمعنى التقليدي، أو وطني بالمعنى الشائع، وقد يكون الخير كله ولبّ الكثير من قضايانا الوطنية، في تفاصيل أخبار تبدو غير سياسية وتظهر في عيون البعض بعيدة عنا جغرافيا، وبالتالي من الأخبار العالمية التي -إن اتسعت لها النشرة أو البرنامج- يتم تضمينها رفعا للعتب، من باب إظهار القدرة على التنوع، وأحيانا مجاملة لبلاد ما، أو ثقافة تروق لبعض شرائح الجمهور المحلي، أو القادة المؤثرين فيه.
ليس سرا أن كثيرا من الدراسات والإحصاءات التي تعقد قبلها وبعدها الخلوات والمنتديات والمؤتمرات، تشير إلى تراجع المساحات المخصصة لأولى أولويات البشر، وليس فقط المواطنين، كالأمن والصحة والاقتصاد. القضايا الفكرية والسياسية التاريخية مهمة بلا أدنى شك، كقضية فلسطين وحتى القضايا القومية والأممية شرقا وغربا، لكن العجيب هو اختفاء أخبار تكاد تكون أهم قرار يتخذه الإنسان الفرد والأسرة، كقرار الغذاء والدواء وبخاصة المطاعيم، وعلى نحو أكثر أهمية لقاحات الطفولة المبكرة، وتلك التي باتت رائجة في العالم «الأول» وهي لقاحات كبار السن، ومنها الخاصة بالوقاية من مرض ذات الرئة «نيومونيا»، والحزام الناري «شِنغلز».
قبل أيام، عقدت لجنة في مجلس الشيوخ الأمريكي جلسة استجواب عاصفة مع وزير الصحة روبرت (بوب) كندي جونيور وزير الصحة، حول قضايا كثيرة أهمها تصديه وبدعم من ترمب لرفض خلط «العلم بالسياسة»، وللأدوار المشبوهة والخطرة التي تلعبها بعض القوى الفاسدة في السلطة المالية والسياسية وحتى الإعلامية والأكاديمية، من خلال جماعات الضغط أو المصالح الخاصة، الشائع ترجمتها إلى العربية ب «لوبيات».
غاب الخبر وقد كان مهيمنا على الأخبار المحلية والعالمية الأمريكية بما فيها حربا غزة وأوكرانيا، غاب كليا عن الشاشات الناطقة بالعربية والشرق أوسطية أيضا، رغم أنها تعني كل أم وأب في الصميم، قبل أن تكون مادة مفيدة لذوي الاختصاص، حتى لو أخذناها في بعدها الخاص بجوهر العمل الديموقراطي والنيابي الذي لا يبدأ بالاقتراع ولا ينتهي بتشكيل الحزب الفائز للحكومة!
خوض غير المختصين بالقضايا العلمية -خاصة الطبية- والتي تتطلب سنين طويلة من الدراسة والخبرة والبحث، مسألة غير لائقة أحيانا، لكنها مبررة دائما. لا بل تندرج تحت لواء الحقوق والواجبات.
عندما نقول «استدارة إلى الداخل» ونحث الناس على التفكير بأولوياتهم الحقيقية إنسانيا ووطنيا، قد يكون من المناسب ألا يكون بيننا من يتجاهلون ما يستحق الإخبار. الإخبار أولا ومن ثم الإعلام والاتصال والتواصل، إلى آخره من التسميات الاصطلاحية، فالأصل أن يتم إخبار المستهلك بالمحتوى الإعلامي، بما يهم الناس وينفعهم في حياتهم المعيشية والأسرية.
نذكر بعرفان وحنين، أيام الأسود والأبيض، وبواكير التلفزيون الملوّن أيام ساعات البث المحدودة من بعد الظهر حتى ما قبل منتصف الليل، نذكر برنامج الأستاذ القدير الراحل إبراهيم السمّان رحمة الله عليه عندما كان يعرض في برنامجه الأسبوعي «الصحة والحياة» قضايا صحية توعوية، مدعومة بحوار رصين مع متخصص لا يتحدث بلغة مقعّرة ولا يستعرض مصطلحات لا يفهمها إلا زملاؤه!
من حق المستهلك، سيما المريض وأهله، ومن قبل ومن بعد الوطن الذي يستثمر بالإنسان، أن يرصد كل شاردة وواردة صحية ومن حق الناس أن تصبح أخبار الغذاء والدواء مادة تتصدر النقاش العام في المجالس والمحافل. مما ينشغل فيه الرأي العام الأمريكي منذ أسابيع مدى سلامة المسكّنات ومنها «تايلانول» على وجه الخصوص على الحوامل وما إن كان مسؤولا عن حالات التوحّد والتشتت والإفراط الذهني والحركي المعروف اختصارا بمرض «إيه دي إتش دي». ومدى علاقة هذا المرض الذي انتشر على نحو مفاجئ ومقلق في العالم بالأصباغ والسكريات التي يتم دسها لغايات التربح السريع في الصناعات الغذائية. والأكثر خطورة هي علاقة المرض بالمخدرات وأنواعا محددة منها تلك المرتبطة بالتنشيط والإثارة. ذلك موضوع شائك بخاصة ليس للمختصين فقط، بل لأهالي المرضى أيضا.
حتى ما تعرف بعقاقير «بيتا بلوكرز» الموصوفة لمرضى القلب والشرايين، تم الكشف عن تعاطيها على غير وجه حق وعلى نحو جائر بما يلامس عتبة السقوط في براثن الإدمان.
ربما إن سمحت «أجندة» الأخبار المزدحمة بالسياسة بشكل مزمن، تكون لنا عودة مفصلة للحديث عن الأمن الصحي في إطار فهم الأمن الشامل للفرد والأسرة والمجتمع والوطن..