عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Jan-2021

الأدب العربي… أسئلة الائتلاف والاختلاف

 القدس العربي-رامي أبو شهاب

لا يمكن أن ننكر بأن هوية الأدب العربي نتاج حديث نسبياً، والمعنى الذي أقصده يتحدد بمفهوم الثقافة، بطابعها القومي الضيق، ونعني حقبة نشوء مفهوم القوميات التي بدت صيغاً متخيلة، كما عبر عنها بندكت أندرسون في كتابه الذائع الصيت «الجماعات المتخيلة»، وبناء عليه فإن إدراك العربي لذاته بدا نتاجاً لهذه الصيغة، مع روافد تعود في جذورها إلى الموروث الإسلامي العربي، الذي كان يمتلك إجراءات أو فلسفة خاصة في تحديد التعريف الهوياتي، ولاسيما خلال قرون من الحكم الإسلامي، غير أن أفول الدولة العثمانية بوصفها دولة الخلافة، وانبثاق دول القوميات في أوروبا أنتج هذا الوعي القائم على المقابلة تجاه الخصوصية العربية بموازاة الآخر، لا بمعناه السياسي فحسب، إنما بمعناه الثقافي، فبدأنا نتحدث عن الأدب العربي بوصفه الأدب المكتوب باللغة العربية، والمعني بالرقعة العربية على اختلاف تسمياتها أو تقسيماتها السياسية المصطنعة، وبذلك يمكن القول بأن الثقافة العربية تتقدم خطوة على المجال السياسي الذي ما زال يقيم حدوداً بين قطاعات العالم العربي، وتبايناته على مستوى المصالح السياسية والولاءات للخارج، تبعاً لمبدأ التابعية، ومع أنه يمكن القول بأن كل دولة عربية تنزع أحياناً إلى تدريس أدبها بوصفه أدبا قومياً، يختص بنطاق تعريف ذاتها السياسي فنقول الأدب المصري، أو الحركة الأدبية في مصر، أو الحركة الأدبية في الأردن، أو هناك من يقرأ الشعر الفلسطيني، أو الشعر الجزائري، وهكذا…
في حين أن التحديد الأكاديمي ينزع نحو التحديد اللغوي القومي الجمعي بمعزل عن هوية الأدب تبعاً للجغرافيات السياسية، ولعل اللغة العربية في انتشارها بين قطاعات سياسية يجعلها تحتكم لخصوصية قضايا محلية، كما قضايا ذات بعد أكثر شمولية لتشمل المشكلة العربية بوصفها ثقافة متعالية تحتمل قدراً من التكوين العاطفي المشترك بين الشعوب العربية.
إن محاولة تفهم هذا الوعي بقومية اللغة، يبدو على قدر كبير من الجدل كونه يثير أسئلة كبرى حول قدرة الثقافة على تجاوز التمايز السياسي، والمصالح، والخلافات التي تكمن بين هذه الرؤى، التي تحكم بعض قطاعات العالم العربي، وهذا يعيدني إلى اعتبار الأدب بوصفه الوسيلة المثلى لقياس وعي شعب أو أمة أو موقفهما من قضية ما، فالأدب لطالما احتمل قدرة على أن يكون ضميراً حياً في مواجهة كافة الانزياحات والانحرافات التي يقيمها الساسة أو الأنظمة، وبناء عليه، فإنني أرى أن ثمة أهمية في تكوين المشهد الأدبي، ورصده في بعض قطاعات العالم العربي، لتكوين صورة حقيقية عن وعي الأمة في قراءتها لتحولات القرن الواحد والعشرين، ولا سيما مع بداية العشرية الثانية التي بدأت مع الربيع العربي، وها هي العشرية الثالثة تطل علينا، وهي تحمل ملامح غائمة كالحة، حيث اهتزت أحد أركان التابوهات السياسية في العالم العربي، وأعني السياسي من حيث اختلاف قراءة تداعيات الربيع العربي، بالإضافة إلى التطبيع مع إسرائيل، غير أن هذا التطبيع بدا واقعاً لا محالة على المستوى السياسي مما يعني بأن الخطر يكمن من أن ينشأ تحول ضمن صيغة التطبيع الثقافي، وهي صيغة تبدو لي شديدة الخطورة كونها يمكن أن تتسرب إلى اللاوعي المعاين، أو الكامن بمشروعية كيان محتل وغاصب، وهذا مما يعني ثغرة معرفية، ولكنها ربما تتجاوز ذلك لتمسي ثغرة في التاريخ، بحيث تشرع بعض المعارف والمناهج المدرسية في تكوين هذه الصيغة، من حيث قبول دولة الكيان بوصفها جزءاً من تاريخية المنطقة، وقد بدأ هذا المشروع من سنوات، ولا سيما في نهاية العشرية الأخيرة من القرن العشرين حيث طفقت الكثير من الدول العربية بتغيير مناهجها، ووعيها الثقافي بغية التمهيد لهذا الوجود، مع انبثاق فكرة تقبل وجود دولة الكيان الصهيوني، بوصفها جزءاً من صورة الشرق الأوسط؛ ما يعني أن فكرة التعبير والانتقاء لعكس هذه الصيغ سيكون عرضة للتعديل.
 
هل سيتمكن من أن يبقى الأديب العربي بعيداً عن الانسياق لنبض السياسة وتقاطعاتها وتحولاتها؟ أم أنه سيتحول إلى نسق خادم للسلطة؟ وهل سيتمكن من البدء في تشكيل نماذج خطابية تنزع تلك العملية أو التآلف الخطابي تجاه القضية المركزية والقيم التي وجد من أجلها الأدب؟
 
إن مفهوم الهوية الثقافية – الأدبية لا يبتعد كثيراً عن المفهوم النفسي الذي يراها جزءاً من عملية انعكاس صورة الأنا في المرآة، أو كما يعرفها الفيلسوف الألماني هيغل، حيث يقول بأنها: «الماهية التي تشع في ذاتها، أو هي الانعكاس المحض، ومن ثم فهي الارتباط بالذات فحسب، لا على نحو مباشر، بل منعكس، ورابطة الانعكاس هي الهوية في ذاتها» ومع هذا التنافر في الخطاب السياسي الذي يحمل سمات براغماتية أقرب لنزعات اليمين، التي وسمت المنظومة الفكرية التي تجاذبها تصوران اليساري الليبرالي المثالي، واليميني الوطني الواقعي، سيبقى الأدب البوصلة الوحيدة التي يمكن أن تحتكر مفهوم الحقيقة التي تحمل صيغة تكامل خطابي لمعنى مستقر، كون المرايا القائمة على مفاهيم سياسية، وربما معرفة رسمية تحتكرها المؤسسة التي لن تتمكن من تشكيل صورة نقية لهوية الوعي للذات الجمعية العربية، التي توافقت لردح من الزمن على محورية الحق الفلسطيني، قبل أن تتنازل عنه لصالح مكتسبات آنية، لا تنطوي على قيمة استراتيجية، وهكذا فإن الأدب، والأدباء والمفكرين كذلك، سيجدون أنفسهم في اختبار حقيقي، من حيث القدرة على أن يجعلوا من الأدب وعياً فوقياً لا يمكن أن يطاله هذا الاستخفاف بقضايا مركزية، اهتزت أثناء الحقبة الترامبية التي تمكنت من هدم النماذج المتعالية للشخصية العربية ونزعاتها الجمعية، وبناء على ذلك ربما ينبغي البدء بالتساؤل عن صورة الأدب، وتوجهاته الأيديولوجية، لاسيما بعد هذا التشويه، هل سيتمكن من أن يبقى الأديب العربي بعيداً عن الانسياق لنبض السياسة وتقاطعاتها وتحولاتها؟ أم أنه سيتحول إلى نسق خادم للسلطة؟ وهل سيتمكن من البدء في تشكيل نماذج خطابية تنزع تلك العملية أو التآلف الخطابي تجاه القضية المركزية والقيم التي وجد من أجلها الأدب؟ وبذلك فإننا ربما سنشهد افتراقاً نوعياً وفكرياً في صياغات النصوص الأدبية، أو الإبداع تبعاً لولاءات، مما يدفع إلى تشكل آداب قومية مرتهنة لا آداب عربية كون مفهوم الوعي العربي تعرض للاختراق، فأصبحت كل دولة تبحث عن توجهها بمعزل عن القيم المطلقة، وعلى الرغم من أن هذا النهج كان متحققاً على المستوى السياسي الرسمي، ولكن الخشية أن يتلوث الأدب بخطابات ربما تحدث الكثير من التدمير الذي يمكن أن يطال هوية الأدب العربي، وقيمه.
كاتب أردني فلسطيني