الصحيفة الإيطالية «الذكية»!*د. محمد النغيمش
الشرق الاوسط
شاءت الصحافة أم أبت، فقد دخل الذكاء الاصطناعي هذا العام إلى قاعة التحرير من أوسع أبوابها. ذلك أن القائمين على صحيفة «Il Foglio» الإيطالية خاضوا تجربة غير مسبوقة، وذلك بإصدار عدد يومي متكامل تم إعداده من الألف إلى الياء بواسطة الذكاء الاصطناعي.
هذه الصحيفة تناولت 22 موضوعاً تراوحت بين السياسة والموضة. كل ما فعله الصحافيون أنهم وجهوا «طلبات دقيقة» لموقع «تشات جي بي تي» للكتابة عن مواضيع محددة، وطلبوا منه «الكتابة بنبرة» معينة تعكس روح الجريدة، تارة بأسلوب رصين وتارة ساخر وآخر «استفزازي»، وذلك لتنويع محتوى المادة. وقد فوجئ القراء أن هذه الآلة تمكنت أيضاً من تحليل خطاب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وكتبت افتتاحية عن مكالمة الرئيسين ترمب وبوتين.
وكانت المفاجأة أن الذكاء الاصطناعي فاق التوقعات، حيث كان تدخل الصحافيين محدوداً عبر تعديلات طفيفة، وهو ما اعتبر دليلاً على أن «العقل الاصطناعي» يمكن أن ينتج مادة صحافية منوعة. والمفاجأة الأكبر أن تلك التجربة قد أسهمت في زيادة المبيعات بنسبة 60 في المائة في اليوم الأول ربما بسبب ثراء المادة. وكشفت استقصاءات الرأي أن الغالبية الساحقة من القراء (90 في المائة) قد أكدوا أنهم «يستمتعون بالتجربة»، في حين أبدى 10 في المائة فقط «قلقهم» وطالبوا بعدم التخلي عن ذكائنا البشري. ولم يعتبر أحد تلك التجربة عديمة الجدوى.
مسؤول التحرير في صحيفة «إل فوليو» ميشيل ماسينري دُعي، اليوم الثلاثاء، إلى قمة الإعلام العربي في دبي للحديث عن التجربة الرائدة التي انطلقت في مارس (آذار) 2025.
الذكاء الاصطناعي أشبه بالجلوس مع أذكي عقل في العالم، فإذا كان السائل ساذجاً أو غافلاً عن إمكانات هذا «النابغة» خرج «بخُفي حُنين». أما من أوتي ذكاء وخبرة فيمكنه مضاعفة إنتاجيته باستخراجه كنوزاً دفينةً من هذه الآلة التي لم تبلغ بعد ذروة عطائها.
التجربة الإيطالية جديرة بالتأمل، وربما التطبيق في صحفنا العربية. ورغم وجود محاولات جزئية هنا وهناك، فإننا لم نُقدم بعد على مشروع كتابة صحيفة كاملة بأنامل الذكاء الاصطناعي. الأمر الذي سيفتح المجال أمام نقلة نوعية في المحتوى الصحافي، وتنوعه، وتكيفه، حسب المنصة، إذ يمكن بضغطة زر إعادة تشكيل الخبر وفق المساحة المطلوبة لشاشة هاتف أو صحيفة حائطية وغيرها.
ويظل التحدي الأكبر في ضمان دقة ما تنتجه لنا الخوارزميات، فضلاً عن روح الإنسان التي تلتقط التفاصيل وتمنح التقارير الاستقصائية وغيرها بعداً أعمق.