عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Mar-2025

نحو سردية وطنية جديدة*سائد كراجة

 الغد

اعتمدت الدولة الأردنية استراتيجة الاستقرار والتوازن، وبها واجه وتغلب الأردن على تحدياتٍ وتهديداتٍ عديدة ومعروفة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وخرج منها بلدا يشهد له بالاستقرار والأمان مقارنة بكل دول المنطقة واغلب دول العالم العربي.
 
 
خلال مواجهته للتحديات والصعاب، ومنذ بداية الألفية،” تكسّرت النصال على النصال”، وتشكّلت معضلة مركّبة من تراكم الديون، وتراجع الاقتصاد المنتج، وتفاقم الاعتماد المُطمَئِن على المساعدات الخارجية. في الوقت ذاته، تكلّس القطاع العام في كثير من مفاصله، ليصبح عبئًا على الدولة بدلا من أن يكون رافعة لعملها.
 
في المحيط، زُلزلت الأرض زلزالها؛ العراق تحوّل إلى نموذج فوضى، وسورية انهارت وتشرّد شعبها. ثم جاء طوفان الأقصى ليشكّل نقطة تحوّل تاريخية، أبرز نتائجه تجديد التزام اميركا بتدعيم وجود اسرائيل في المنطقة وتمددها خدمة لحلفها المتدين ومواجهةً للمدّ الصيني في مشروعه الجريء ‘الحزام والطريق’.
إسرائيل، وفي لحظة مواتية، وبعد سقوط مكياج اليسار وتسلم الصهيونية الدينية زمام الحكم، جهرت بمشروعها الصهيونيّ التوسّعي، حيث يُعدّ الأردن أوّل المستهدفين بهذا المشروع أرضًا وشعبًا وهوية.
أمام هذه التحولات المزلزلة، صار لزامًا على الدولة العميقة إعادة مراجعة استراتيجيتها وسرديتها، حيث إنّ الأردن مستهدف من إسرائيل، ولم يعد يحظى بالمكانة ذاتها كحليف أولى بالرعاية لدى أميركا، شريكه التاريخي منذ خمسينيات القرن الماضي.
الأردن ليس ببلدٍ ضعيفٍ ولا “ لفوفة” في محيطه وعالمه، الأردن ليس دولة وظيفية ولا ريشة في مهب الريح، ولكنه أضحى مستهدفا من شريكه في معاهدة السلام، ومن مأمنه يؤتى الحذر.
الاقتصاد الأردني ليس فقيرًا بالضرورة، فالمواطن يشكّل عصب اقتصاده، لا المساعدات الخارجية، لكن ضعف القطاع العام وهدر الموارد وتجنب مواجهة المفاصل المهمة في الإصلاح الاقتصادي ككسر الاحتكارات وضعف تطبيق القانون يعيق التحديث الاقتصادي، فكيف يمكن للدولة -مثلا- أن  تتجنب  معالجة هدر وسرقة الماء كمقدمة ضرورية لتقييم وتنفيذ مشروع الناقل الوطني؟! لا يمكن بناء اقتصاد وطني على رمال متحركة  وأرض رخوة.
لا يأس مع الحياة، ولا استحالة في التحديث والإصلاح، فقد أثبتت تجارب دول كسنغافورة ورواندا -والتي كانت في ظروفٍ أصعب من ظروف الأردن- أن التطور ممكن رغم التحديات! وهذا يكمن إلى جانب وضع  الخطط الشمولية،  في المبادرة بثقة وقوة إلى معالجة الاختلالات الهيكلية وكسر عوائق الإنتاج والاحتكار، وهي معروفة في الأردن وتم تشخيصها منذ عقود، فماذا ننتظر؟
سؤال أولية الإصلاح الاقتصادي أم السياسي سؤال وهمي تعطيلي، الثقة بين الدولة والشعب أساسية وهذه الثقة لا تنفعها الخطب الرنانة، بل تحتاج إلى تراكم قرارات صحيحة ونافعة تترك أثرًا مباشرًا على الناس. والقرارات الصحيحة تحتاج مشاركة ومراقبة من المؤسسات الدستورية، وهنا يصبح الإصلاح والتحديث السياسي عصب التحديث الاقتصادي ومتطلبًا أساسيًا لنجاحه، والحديث عن اهمية المشاركة واهمية الشباب والمرأة لن يكون  بديلا عن المشاركة الفاعلة ضمن أحزاب حرة وطنية ، حيث تحتاج هذه الأحزاب إجراء مراجعات فكرية وسياسية تلبي هموم الوطن والمواطن.
تشكل العدو الخارجي فرصة، فالشعوب الحية تتحد لمقاومة التهديد الخارجي وتترك كل خلافاتها الصغيرة على الحدود، ويجتمع الشعب الأردني على التمسك بالدولة والنظام والدستور وهو جاهزٌ للدفاع عنها بكل السبل، وهنا تكون السردية الوطنية التي تحمل مشروع الدفاع عن الوطن آلية شعبية سياسية لتنفيذ مشروع التحول الاقتصادي والسياسي المنشود، وهي ليست خطابا شعبويا مرسلا بل مشروع تطوير حكيم يجمع القطاعات نحو مواجهة الأعداء وبناء الوطن وتجديد العقد الاجتماعي على أسس أصيلة، فلا حاجة لمغامرات غير محسوبة إن أسسنا سردية النضال ومقاومة العدو بالبناء والشجاعة!
لم تعد استراتيجية التكييف صالحة أمام التهديدات الخارجية، وأصبح استقرار الأردن مرهونًا بالاستقلال الاقتصادي ووعي سياسي حر يضمن مشاركة فاعلة، وهنا يأتي دور السردية الوطنية لتسكين أي “ تنابز داخلي”  وتوحيد القوى خلف مشروع الدفاع عن الأردن في دولة تقوم على سيادة القانون، بمعنى أوضح، فإن السردية الوطنية هي رؤية ونص تتوج تنفيذ التحديث الاقتصادي والسياسي وتنقل هذا المشروع إلى حاضنة شعبية تتبناهُ كموقفٍ وطني وتدعم اتخاذ القرارات الفعالة لضمان الاستقرار، واتخاذ الاجراءات الجراحية في الاقتصاد، ولم الشمل في السياسة، وإن غدا لصانعة قريب جنابك.