الراي
عندما فتح حزب الله جبهة الاسناد في 8 اكتوبر – تشرين الاول عام 2023، تحت عنوان مشاغلة جيش الاحتلال وتخفيف الضغط العسكري على قطاع غزة، لم يكن يتخيل أن تكون النتائج كما انتهى عليه الواقع الميداني في لبنان، بعد 14 شهرا من الحرب قبل توقيع اتفاق وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024.
كانت النتائج تسوية عشرات القرى في جنوب لبنان بالأرض في قصف اسرائيلي منهجي، وتحولت تلك المناطق الى نسخة عما حدث في قطاع غزة، بالاضافة الى تدمير هائل في الضاحية الجنوبية لبيروت وكذلك في البقاع، ومقتل نحو 4000 شخص وإصابة حوالي 16 ألفا آخرين في القصف الإسرائيلي، وفقا لاحصاءات وزارة الصحة اللبنانية، عدا عن القتلى في صفوف مقاتلي حزب الله، الذين لم يعلن الحزب عنهم لكنهم يقدرون بالالاف، فضلا عن عمليات الاغتيال التي طالت القيادات السياسية والعسكرية للحزب من الصفين الأول والثاني، وفي مقدمتهم أمين عام الحزب حسن نصر الله وغيرهم من القادة الميدانيين.
والأكثر مرارة من ذلك نزوح مليون و200 ألف شخص دمرت منازلهم في الجنوب، والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، واحتلال جيش العدو لشريط حدودي داخل الجنوب، بالاضافة الى الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، التي تزيد عن عشرة مليارات دولار.
ذلك لا يعني أن اسرائيل لم تتكبد خسائر بشرية واقتصادية، لكنها لا تقارن مع خسائر لبنان، فحسب بيانات جيش الاحتلال فقد قتل من جنوده خلال الحرب مع لبنان، 73 ضابطا وجنديا بالاضافة الى مقتل 45 مدنيا بالاضافة الى خسائر بالممتلكات تقدر بحوالي 273 مليون دولار، وتدمير مئات المنازل والمزارع والمؤسسات، مع الأخذ بعين الاعتبار الفرق الهائل بين حجم الاقتصاد الاسرائيلي واللبناني لصالح اسرائيل.
والغريب أنه بعد توقيع وقف اطلاق النار بوساطة أميركية، والكارثة الكبيرة التي تعرض لها لبنان، أعلن حزب الله عبر قيادته ووسائل اعلامه ومناصريه عن «نصر تاريخي"! يفوق النصر الذي تحقق عام 2006، حسب ما أعلن امين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم! واذا كانت هذه معايير النصر فكيف تكون الخسارة والهزيمة، مع ضرورة التأكيد على البسالة في القتال والتضحيات الهائلة التي قدمها المقاتلون، في الخطوط الأمامية في مواجهة آلة الحرب الاسرائيلية.
أما اتفاق وقف اطلاق النار فلا يمكن وصفه بـ"النصر»، بل هو في الواقع كان نتيجة منطقية لتطورات الحرب، التي لم تحسبها بدقة قيادة حزب الله عندما بدأت حرب المساندة لغزة، وأظن أنها لو كانت تتوقع هذه النتائج الكارثية، التي عمقت الانقسامات السياسية والاجتماعية في لبنان بسبب انفراد حزب الله بقرار الحرب، لما فتحت جبهة الاسناد أو على الأقل أوقفها في وقت مبكر، لأن خسارة الحزب هائلة في مختلف المجالات، ولم يتعرض لمثلها في تاريخه، فهو على مدار 18 عاما كان يماطل في تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وأبرزها القرار 1701 الذي صدر بعد حرب تموز 2006، وقرار رقم 1559 الذي صدر عام 2004، وأهم ما تضمنه القراران الدعوة الى حل الميليشيات ونزع سلاحها، ونشر الجيش اللبناني في الجنوب.
ولا بد من الاشارة الى نقطة جوهرية تتعلق بقرار وقف اطلاق النار، وهي اعطاء اسرائيل حرية الحركة في استهداف مقاتلي ومواقع حزب الله عندما تشتبه في أي تحرك لهم، ومنع وصول الاسلحة للحزب عبر سوريا، من خلال قصف الطائرات الاسرائيلية للمعابر الحدودية، وكل ذلك يتم تحت اشراف لجنة الرقابة الخماسية، المشكلة من اسرائيل ولبنان وفرنسا واليونيفيل برئاسة جنرال أميركي يمثل «الشيطان الأكبر» حسب ما يصفه الحزب، فكيف قبل الحزب بهذه التركيبة اذا كان منتصرا؟
لسنا بحاجة الى العودة لمدرسة المرحوم «احمد سعيد» مدير اذاعة صوت العرب، الذي كان يسجل انتصارات وهمية في حرب حزيران عام 1967!