الغد
كيف بإمكان أي واحد منا أن يقرأ التطورات والأحداث التي تعيشها المنطقة، أو ماذا بإمكانه أن يستخلص من مشاهد تدمير ما تبقى من غزة وأهلها، والاعتداءات اليومية على أهالي القدس والضفة الغربية، وشن الغارات على سورية واليمن، والشد والرخي بين إدارة الرئيس ترامب وإيران، وفي الأجواء خطط ومخططات وكلام عن شرق أوسط جديد، والجديد ليس بالضرورة الأفضل أو الأهنأ؟!
إذا كان هدف القراءة معرفة الأسباب فهي لم تعد خافية على أحد، وإذا كانت من أجل فهم وقائع الحاضر واستشراف ملامح المستقبل، فلا يوجد دليل على أن القوى المتصارعة نفسها لديها رؤية واضحة عما سيفضي إليه الصراع من نتائج، وكل ما في الأمر أن الشعور بغلبة القوة وغياب الحد الأدنى من التوازن المادي يجعل كلا من قادة أميركا وإسرائيل يعتقدون أنها مسألة وقت للقضاء على حماس وبسط النفوذ على غزة، والقضاء على الحوثيين في اليمن والسيطرة على الممرات المائية في بحر العرب والبحر الأحمر، وجعل المنطقة كلها منطقة لنفوذ أميركي إسرائيلي مشترك، وبلا منازع!
هذه التطورات كلها تحيط بالأردن من كل جانب، والأردن يعرف جيداً أن أحد أهم أسباب الصراع في المنطقة والتهديد الدائم لحاضرها ومستقبلها ناجم عن رفض إسرائيل الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والقبول بحل الدولتين الذي يتبناه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بالرغم من الاعتقاد السائد بأن هذا الحل بات مستحيلاً، وجلالة الملك يعرف أن المستحيل ليس ذلك الحل وإنما إحلال السلام والأمن والاستقرار في هذه المنطقة من العالم ما لم تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة منذ العام 1967 كلها، وما لم يحصل الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة على أرضه بعاصمتها القدس الشريف، وأن الركون إلى منطق القوة ليس صحيحاً وليس عادلاً أيضا.
ليس بإمكان الأردن أن يقف متفرجاً على ما يجري من حوله، وجلالة الملك يقف في مساحة العقل والمنطق لكي تدرك أطراف الصراع أن الأردن رقم صعب في معادلة الفوضى السائدة حالياً، وأن ما يقبله هو ما يستقيم مع قرارات الشرعية الدولية بشأن كل القضايا المتنازغ عليها في المنطقة، وأن ما يرفضه هو محاولة فرض الحلول الوهمية والواهية على حسابه أو على حساب الشعوب العربية في ضوء أطماع إقليمية متعددة الأطراف والنوازع، وهو على هذا الأساس يواصل استنهاض حالة دولية غير مستسلمة لهذا الواقع المرير من ناحية أن الفوضى في الشرق الأوسط يمكن أن تمتد إلى العالم كله، خاصة وأن التحالفات التقليدية لم تعد مضمونة، والصراعات كلها قابلة للاشتعال، بما فيها الصراعات الاقتصادية بأبعادها التجارية والصناعية والمالية وأثرها المدمر على الدول غنيها وفقيرها!
من مساحة العقل ينادي جلالة الملك بوقف هذه الحرب الظالمة الآثمة، ويحذر من أن تخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته القانونية والأخلاقية هو نوع من التخلي عن قواعد الاستقرار الدولي، وأن ثمن ذلك سيكون باهظاً على الجميع، وفي الحقيقة هناك، على ما يبدو، شعور متزايد من جانب عدد كبير من قادة الدول الذين قابلهم جلالة الملك أو اتصل بهم مؤخراً بأن منطق العقل يجب أن يسود قبل أن يتحول الجنون إلى منطق يقود العالم نحو الهاوية!