عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Apr-2019

قراءة معرفية لليبرالية - حسين نشوان

الراي - مع ثورة الاتصالات وعصر السرعة والعولمة لم يعد الخطاب المنبري المطول مناسبًا، كما لم يعد خطاب الدولة المركزي قادرا على مجاراة التحولات التقنية والمزاجية للمتلقي الذي تعددت مصادر المعرفة لديه بين الفضائيات وشبكة التواصل الاجتماعي والمواد المكتوبة والمصورة.

وكما أنتجت تلك الثورات فضاءاتها السياسية والاقتصادية، فقد أنتجت منظومة قيمها وثقافتها ونظرياتها وأفكارها التي تمثل قطيعة الماضي وتراثه.
وبرزت النزعة الليبرالية كمذهب اقتصادي يقوم على مبادئ الملكية الخاصة والمبادرة الفردية وحرية العمل والتنقل والمنافس، وفي السياسة للدلالة على المذهب الفكري والفلسفي الذي يدعو إلى إشاعة الحريات السياسية والفردية.
ومثلت النزعة الليبرالية التي تنسب للفيلسوف جان لوك قارب نجاة للمظلومين، والفئات التي تعاني من الاضطهاد، وتعززت بمقبولية معرفية من قبل الكثير من المثقفين باقترانها بالتنوير والوعي بوصفها تقليداً فلسفياً يقوم على الحق الطبيعي في الحياة والحرية.
وانسربت النزعة الليبرالية إلى مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية لتمثل فلسفة جديدة، وساعد في انتشارها حالة الظلم والحروب، وعملت المناخات العولمية التي هدمت جدران الدولة القومية، والتحولات الاجتماعية باتساع الفضاءات المعرفية وتحديدًا الفضائيات وشبكة التواصل الاجتماعي التي نتجت عن تحالف جديد بين السلطة والميديا في انتشار جملة من القيم والتقاليد والمفاهيم ولغة التواصل التي حازت على قبول الحالمين بالتغيير في ظل الأزمات المعقدة التي تواجه المجتمعات التي تعاني من الفقر والكبت والقهر.
ومما ساهم في انتشار خطاب الليبرالية اتسام خطابها بالبساطة والاختزال والتكثيف، واستعارة الصورة، واستفادته من الغرف المغلقة لشبكات التواصل الاجتماعي في تجاوز جدران المحلية والخصوصية إلى الكونية التي انسجمت مع مزاج التلقي لإنسان العصر.
وذهب مثل هذا الخطاب الذي ارتبط بوسائل الاتصال الحديثة، ومنها الفيس بوك، الانستغرام للخفوت أو الصمت الذي عززنه الصورة التي تسيدت المشهد الإعلامي والمعرفي، كما عززته فكرة الفردانية التي تقوم على وعي زائف بامتلاك الحرية عبر غرف الوهم، وليست الفردية التي تقوم على المبادرة والحرية الشخصية والملكية الخاصة.
وكان أكثر الناس حماسة لمثل تلك النزعة هم المثقفون الذين اشتغلوا في مراكز الدراسات والإعلاميين الذين تحمسوا لفكرة الحرية والتجديد والتغيير، وهي فكرة نبيلة تستحق النضال والمعاناة، ولكن الإشكالية في العلاقات المعقدة في الخطاب الليبرالي الذي لا يخلو من تناقض بين الحلم والمتخيل، والسعي لتجاوز الواقع بتأزيمه، وتفكيكه، ومن هنا برزت المفارقة ليست كضرورة اجتماعية وفنية بل كسمة للخطاب الغامض التسويقي والنخبوي الذي يرتكز على المنصات الإعلامية ونقاشات المرايا المحدبة التي تضخم الفرادنية.
ثمة مقولة، إن من يصنع الأزمة/ المشكلة لا يمكن أن يكون طرفًا في حلها، وهي المقولة التي تصدق على أن الرأسمالية تطور وسائلها باستمرار للبقاء، وأن الليبرالية هي واحدة من تلك الوسائل التي تحاول الرأسمالية المتوحشة إبراز أقنعة مختلفة عبر خطابها الإبهاري وأحيانا التقريري الذي يذوت الكون على نحو تجريدي كخريطة صماء بلا ملامح أو علامات تشير للمكان أو الزمان أو الهوية، وهو الخطاب الذي يبشر بموت التاريخ والجغرافيا بوصفهما نصًا كلاسيكيًا (مغلقًا) لمصلحة الفضاء السديمي واللامتعين بوصفه نصًا مفتوحًا.
hunaa11@gmail.com