"تاريخ الفحيص" لـ الصويص.. من خربة الدير إلى معالم الأصالة
الغد-عزيزة علي
ضمن إطار مدن الثقافة الأردنية، صدر عن سلسلة "فكر ومعرفة" دراسة بعنوان "تاريخ الفحيص (ما قبل عام 1950): خربة الدير مدينة الفحيص القديمة" من تأليف رئيس نادي الفحيص الأرثوذكسي ناهد الصويص.
الناقد نزيه أبو نضال كتب تقديما للكتاب، أشار فيه إلى أن "كتاب تاريخ الفحيص ما قبل عام 1950م"، يكشف عن إنجاز مهم كتبه المؤلف بجهد عميق ومحبة، موضحا الجهد الكبير الذي بذله لتغطية تفاصيل الأحداث المهمة التي شهدتها بلدته الفحيص. خاصة في مواجهة الأمير جودة المهداوي، الذي أراد الزواج عنوة من ابنة خوري الفحيص. فقد أعدت الفحيصية العدة لقتله مع فرسانه، بدعم من قبائل العدوان الذين كانوا أعداء المهداوي. كما أورد الكتاب تفاصيل تلك الأحداث.
ويضيف أبو نضال إن هذا الجهد التاريخي الكبير يشكل دعوة للمبدعين والفحيصيين المثقفين للاطلاع على هذا الإنجاز، والمساهمة في استكمال هذا العمل المتميز من خلال الكتابة عن جوانب أخرى لم يتناولها المؤلف بالكامل، سواء من حيث التاريخ أو المضامين التي وصلتهم من الآباء والأجداد.
من جانبه، كتب المؤلف ناهد فرحان الصويص مقدمة للكتاب، يقول فيها إن كل من يتعمق في دراسة تاريخ الفحيص، الذي هو جزء من تاريخ الأردن، سيلاحظ أن هناك حضارات وأمماً وشعوباً سكنت هذه المنطقة وأقامت فيها مدة من الزمن، وما تزال آثارها باقية إلى يومنا هذا. ومن أبرز تلك الآثار "خربة الدير"، التي تعد "مدينة الفحيص القديمة"، وهي الكنز الذي يحتضن رفات أجدادنا الأوائل الذين سكنوها عندما قدموا من مدينة القسطل الأردنية، وبنوا كنيستهم ودورهم في هذا الموقع الحصين الذي بناه العمونيون سنة 1200 ق.م، واستخدمه الرومان سنة 63 ق.م كحامية عسكرية لقوافلهم التي كانت تأتي من فلسطين.
ويشير المؤلف إلى أن هذه المنطقة خضعت للحكم الأيوبي من عام 1188م حتى عام 1263م، ثم للحكم المملوكي من عام 1263م حتى عام 1516م، وأخيرًا للحكم العثماني من عام 1516م حتى عام 1918م، الذي استمر لمدة 400 سنة، حتى تم هزيمته في الحرب العالمية الأولى على يد دول الحلفاء. وقد عانت الأردن وشعوب المنطقة في عهدهم العديد من الويلات، إضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية.
ثم يتحدث الصويص عن الأوضاع الاقتصادية والتعليمية والصحية والأمنية في تلك الحقبة، قائلاً إنه في ظل هذه الظروف الصعبة، وبخاصة عدم توفر حكومة مستقرة لضبط الأمن والأمان في البلاد، يمكن إدراك المعاناة الكبيرة التي عاشها أجدادنا في زمن حافل بالأحداث الجسام التي تحملوها، بحلوها ومرها، وبكل قسوتها وآلامها. تركوا لنا إرثا حضاريا يمنحنا الشعور بالفخر والاعتزاز بهذا التاريخ المعطر برائحة الأجداد، الذي يحمل في طياته الأصالة والقيم العالية من رجولة وشرف وكرم.
كما يوضح الصويص الفكرة التي دفعته لتأليف هذا الكتاب، قائلا: "لقد أقدمت على تأليف هذا الكتاب لتوثيق تاريخ الفحيص، حتى لا يأتي غيرنا ويكتب لنا تاريخًا وثقافة أخرى على طريقته، لأن من لا يؤرخ لتاريخه وواقع أجداده، كما يقولون، ينساه التاريخ.
ويختتم المؤلف بالإشارة إلى أنه بحث في كتب التاريخ والمجلات وسجلات الكنائس عن أي معلومات تتعلق بتاريخ الفحيص. وقد اطلع على وثائق تاريخية قيمة ومعلومات مهمة تم عرضها في هذا الكتاب، بهدف تقديم تاريخ مدينة الفحيص للأجيال الحالية والمقبلة، والتي بناها وحافظ عليها أجدادنا "صبيان الحصان".
وفي الفصل الأول من الكتاب يقول الصويص إن مدينة الفحيص التي تعد من أجمل المدن الأردنية، يحدها من الشمال صويلح وصافوط، ومن الجنوب ماحص ووادي الشعيب، ومن الشرق عمان، ومن الغرب السلط. وهي ذات الطابع الريفي، وهي بلدة ضاربة جذورها في التاريخ، وسميت بعدة مسميات واشتق اسمها من الفحص والتمحيص، واشتهرت المدينة بموقعها العسكري المتوسط الممالك ثلاثة: وهي عمون، وحشمون، وجلعاد، وسكن الرومان الفحيص عام 63 قبل الميلاد واتخذوا من قلعتها برج مراقبة لحماية قوافلهم وفحص البضائع التي تحملها، ولقب أهلها "صبيان الحصان" لفروسيتهم وكرمهم، وتشتهر الفحيص بأشجار البلوط والزيتون وكروم العنب والتين واللوزيات وغيرها.
ويوضح المؤلف أن الفحيص تقع بين سلسلتين من الجبال السلسلة الأولى من الشمال والشرق، والسلسلة الثانية من الجنوب والجنوب الغربي، يفصل السلسلتين مدخل ضيق من جهة الجنوب الشرقي، يضيق في بعض المواقع ليصل اتساعه إلى بضعة أمتار فقط، مما يسهل على بعض المسلحين إغلاقه عند الضرورة كما حدث سنة 1923م عندما أرادت بعض القبائل المجاورة نهب الفحيص أثناء تشكيل الحكومة الماجدية.
كما يتحدث الكتاب عن العيون والينابيع والآبار والغدران الموجوده في الفحيص، وهي كما يلي "عين العلالي، عين الزعطوطة، عين أم جمعة الفوقا والتحتا، عين العكروش، عين ام زعرورة، عين أم الخرق، عين البيضاء، وبئر داوود المجلي، غدير دار جفيلان، غدير الشقطة عين وادي الأزرق. وحسب سجلات الإدارة العثمانية فإن هناك سبعة عيون في الفحيص هي عين شلقمان/ حوض الحمر وأم جمعه السفلي/ حوض الحمر وعين أم جمعة العليا / حوض الحمر وأم الخرق / حوض ام الخرق وعين ام زعرورة / حوض أم الخرق وعين أم الراهب/ حوض الرهوة وعين العلالي / حوض الرهوة.
ويبين الصويص أن أهالي الفحيص يعتمدون على عين العلالي وعين الزعطوطة وعين الراهب بالدرجة الأولى؛ وأما العيون الأخرى فقد استخدمت غالباً في الصيف لتلبية احتياجاتهم. وكان الأهالي ينقلون الماء إلى بيوتهم مع النساء أو على ظهور الحيوانات، وفي بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، وأثناء زيارة متصرف لواء البلقاء ذوقان الحسين لبلدة الفحيص، اجتمع الأهالي معه في دار عبدالمسعاف الصويص، بالقرب من دوار رؤوس البيادر، وتم الاتفاق على سحب المياه من عية العلالي إلى الفحيص من خلال ماسورة للمياه تصب في حوض العلاي أولا ويستمر بلدية الفحيص الحالي.
في خاتمة الكتاب، يوضح الصويص أن هذا الكتاب يتناول تاريخ الفحيص ما قبل عام 1950م، حيث يجمع الأحداث والوقائع والبطولات التي سطرها رجالات الفحيص الأوائل. كما يتابع هجرات أهل الفحيص بدءًا من خروجهم من اليمن إلى جنوب سورية، ومن ثم إلى مدينة القسطل الأردنية جنوب عمان، ثم إلى خربة الدير في الفحيص، ثم إلى السلط قبل أن يعودوا إلى الفحيص.
ويشمل الكتاب أيضًا الحديث عن الأماكن الأثرية والكنائس والمضافات والأندية، كما يتناول العادات والتقاليد ومراسم الأفراح والأتراح في الماضي. ويؤكد الصويص أن هذا الإرث الحضاري صنعه رجالات الفحيص الأوائل، "صبيان الحصان"، لأن من ليس له ماض ليس له حاضر، ولا مستقبل.