حارات منسية.. ليالي الشتوية وحكايا ختيارية
الراي - خالد قوقزة - كم كانت الشتوية فيك جميلة يا حاراتنا المنسية، وكم كنّا نفرح حين يدخل فصل الشتاء اليك، لأن غيثه الكثير يعني لنا ان موسما سيكون خيرا على البلاد والعباد، وأن الارض إن اكتست بالثلج و أصبحت كما كانوا يوصفوها (طاسة بيضاء) ستكون (خُمرَة الأرض) التي تنتظر غِلالها ليالي الشتوية في حاراتنا المنسية كانت تذكرنا بفرحنا الشديد، حين كنا نسمع خبرا من الأرصاد الجوية على لسان علي عبنده بأن البلاد تتأثر بكتلة هوائية باردة ورطبة من اصل قطبي، فهذا الخبر كان يعني لنا ان الثلوج ستسقط وستتراكم، وبالتالي تسكير الطرق وتعطيل المدارس. ففي تلك الليلة نبقى ننتظر وصول الكتلة الهوائية، فعند سماع طقطقة البَرَد نؤمن ان العطلة آتية لا محالة، ففي كل لحظة نفتح شباك الدار او بابها نعود ونقول: بلّشت ترمي إرمَيلة. وبعد لحظات نرى الثلج ينزل فنقول: صارت ترمي نَفِش مثل آذان القطاط. وعند فتح الباب او الشباك لا نسمع من الوالد او الوالدة الا قول: يا اولاد االله يمچعكوا سكّروا هالخاير عاد ترانا قحمشنا من البرد، او: جعلكوا لابو مزراق اللي يتولجكوا ولكوا سِدوا هالماخود الدار جَرهَدت. وعندها ننام بعد أن أمّنا عطلة أسبوع لأنه الطريق سكّرت وما فيش جرافات راح تفتحها وما فيش معلمين راح يصلوا للمدرسة.
تذكرنا أيام الثلج بأكلة البحابيث (المفتول) بلحم ديوچ بلدية او طبخِة الچعاچيل بالجعدِة بعد العودة من مباراة المحاجرة بدحابير الثلج، حيث نخرج للعب. فنقوم نحن ابناء الحارة بتقسيم أنفسنا الى فريقين (فريق العكاوي–فريق ابو عكَر)، وتبدأ المحاجَرَة بدحابير الثلج والتي احيانا كنا نغمسها بالماء لتكتسب صلابة وتكون إصابتها موجعة ومؤثرة بأعضاء الفريق الآخر، وهذا كان مسموحا به حسب أنظمة الحارة وقوانين اللعبة. في بعض الأحيان يلجأ العكاوي الى تجاوز انظمة المحاجرة بدحابير الثلج، من خلال وضع حجر بالدُحبيرية، فيكتشف فريق ابو عكر ذلك، فيطلب رئيس الفريق هدنة بقوله:... حييييييس وقفوا خيوه... فيتساءل رئيس الفريق الاول عن سبب طلب الهدنة، فيتم ابلاغه ان فريقه تجاوز نظام المحاجرة وأستخدم سلاحا محرّما حاراتيا وغير مصرّح به. حينها تبدأ عمليات الشجب والإدانة والاستنكار، وإنهاء المباراة، ونسمع من أعضاء الفريق المُنسحِب مقولة: واالله ما بِنْلَعِب معاكوا، تراكوا غشّاشين...
تذكرنا ايام الثلجة في حاراتنا المنسية بأبي فلاح حين كان يِتلَهمَد بصاك الجيش ويلبس جزمة عصفوركو ويدَغمِل راسه بالشماغ وما يظل غير عيونه إمبينة، ويشيل شاروطه بنص الليل حتى يُكُت الثلج عن زيتونات الحاكورة خوف يثقل الثلج عليهن ويتقَزّعِن إجدوعهن.
تعود بنا ذكريات الثلجِة الى الزعُلطي آخر العنقود إفليح ابن ابو فلاح لما كان يظل منوطِر على شباك الدار ينفخ عالقزاز ويعمل طبقة من الغطيطة، ويرسم عليها قلب الحُب ويكتب عليها حرفين حرف من اسمه وحرف من اسم اللي كان يتنصّب عندها، وأم فلاح تنادي عليه: هيه يا إمقعطل مالك إموَنطر زي عامود الوقُف، إتقلفع عن هالشباك وإنعثِر على إقرايتك يا ساقِط جيلك. لكن الزعُلطي طلع أكثر حظا من بقية اخوته فها هو دكتور بالجامعة!!.