عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Sep-2023

ما لم نتعلمه من اتفاقات أوسلو

 الغد-هآرتس

بقلم: عيران عصيون
 4/9/2023
 
 
في الـ 45 سنة الأخيرة منذ التوقيع على اتفاق السلام مع مصر، تم تنفيذ عمليتين سياسيتين استراتيجيتين فقط من أجل ترسيم حدود إسرائيل والانفصال عن الفلسطينيين: اتفاقات اوسلو قبل ثلاثين سنة والانفصال عن قطاع غزة قبل 17 سنة. في هذه الفترة الزمنية نفذت حكومات إسرائيل عشرات العمليات العسكرية، المبادر اليها أو عمليات الرد، في قطاع غزة وفي الضفة الغربية.
 
 
إن عدم التماثل بين النشاطات العسكرية والتخوفات السياسية تحول الى صفة رئيسة في تفكير جميع رؤساء الوزراء في إسرائيل. اوسلو والانفصال هما امثلة على التفكير السياسي الجريء والذي يغير الواقع لزعماء رواد، شمعون بيرس واسحق رابين من جهة واريئيل شارون من جهة اخرى، الذين تميزوا بمنظور تاريخي وحكمة عملية وجازفوا بالاخطار في محاولة لصد التهديدات واستغلال الفرص السياسية.
 رابين اعتبر أوسلو فرصة لبناء بنية سلام إقليمي تخلق تحالفا بين إسرائيل والعرب أمام تهديد ايران، وكان يطمح الى "اغلاق دائرة السلام قبل أن تغلق ايران دائرة الوقود النووي"، أي أن يحيط إسرائيل بطوق من دول السلام. لولا العملية التخريبية الاستراتيجية الناجحة في تاريخ الشرق الاوسط والتي نفذها يغئال عمير بمباركة الحاخامات المسيحانيين في 4 تشرين الثاني 1995، ربما كان رابين سيقود إسرائيل والمنطقة وكل العالم الى واقع مختلف تماما عن الواقع الذي تشكل في اعقاب الثلاث رصاصات التي انطلقت في الميدان. شارون، الذي كرس سنوات لترسيخ المستوطنات في مواقع استراتيجية، والذي استهدف افشال أي اتفاق سياسي، مر بانقلاب (لاسباب بقيت غير مفهومة بشكل كامل) وتوصل الى استنتاج يشبه استنتاج بيرس ورابين وهو أنه يجب على إسرائيل الانسحاب من هذه المناطق والانفصال عن ملايين السكان الذين يعيشون فيها.
هؤلاء الزعماء قادوا الحكومات واذرع التنفيذ العسكرية والمدنية لديهم والجمهور الإسرائيلي بتصميم وقوة طوال الطريق نحو الهدف. ايضا عندما تراكمت العقبات وايضا امام تهديدات حقيقية، بما في ذلك تهديدات على حياتهم.
للاسف الشديد فان قتل رابين وعشرات العمليات الانتحارية التي خرجت من المناطق وآلاف الصواريخ والقذائف التي اطلقت من قطاع غزة نجحت في تغيير بشكل جذري معادلة اعتبارات الزعماء القادمين والمواقف الاساسية لجزء كبير من الجمهور. الإسرائيليون عالقون في كماشة الصدمات: صدمة الزعماء الذين يخافون بوعي أو بغير وعي من مصير شخصي يشبه مصير رابين ومن اندفاعة غير مسيطر عليها للعنف الفلسطيني و/ أو مقاومة عنيفة للمستوطنين، والصدمة الجماعية لهذه الاسباب التي تخلق الافضلية للسلبية السياسية والتضليل لـ "ادارة الصراع".
 في العقود الاخيرة إسرائيل تخاف من خطوات سياسية اختراقية امام الفلسطينيين وخيارها الوحيد هو استخدام القوة العسكرية من اجل "اعادة الهدوء" والحفاظ على الوضع الراهن. ايضا الفشل المستمر للعمليات العسكرية التي تثمر على الاكثر نجاح تكتيكي قصير المدى لا يؤدي الى تغيير جوهري في الوعي. جزء من الجمهور يواصل التصديق بأن استخدام القوة الزائدة "سيحل المشكلة" وجزء آخر يعترف بأنه "لا يوجد حل عسكري للنزاع". ولكنه يضيف بأنه "لا يوجد شريك".
على الصعيد الاستراتيجي والسياسي فان مبادرة اوسلو والانفصال اثبتت بأنه في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، خلافا عن النزاعات بين إسرائيل والعرب والنزاع بين إسرائيل وايران (التي يشارك فيها لاعبون كبار واقوياء)، فإنه توجد لإسرائيل قدرة على تشكيل الواقع عن طريق المبادرات السياسية. فقد أظهرت الفائدة في مسار الانفصال عن الفلسطينيين – الوحيد الذي يمكنه ضمان لإسرائيل مستقبل كدولة ديمقراطية مع أغلبية يهودية وكعضو محترم في الأسرة الدولية.
 حقيقة أنه رغم الصدمة الجماعية إلا أن اغلبية ساحقة في اوساط الجمهور تعارض ضم المناطق وتفضل الانفصال الجغرافي والديمغرافي، هي انتصار لمقاربة اوسلو والانفصال. عمليا، منذ اوسلو هناك اتفاق وطني واسع على هذا الهدف الاستراتيجي، اضافة الى التشكك الكبير حول تطبيقه، وتخوفات مفهومة من ارهاب وعنف المتطرفين في الطرفين.
 على هذه الخلفية يسوق نتنياهو رؤيته لـ "السلام بسعر التصفية". اتفاقات تطبيع مع دول عربية بدون أي ثمن جغرافي، مع تصفية حل الدولتين بواسطة المستوطنات والضم الزاحف. شبيها بمحاولة الانقلاب النظامي، ايضا نجاح نتنياهو هذا سيكون فشلا تاريخيا لإسرائيل ومعارضا لمصالحها.
 بدون مبادرة الى انفصال سياسي على اساس منطق اوسلو والانفصال فان إسرائيل ستتدهور الى واقع دولة ابرتهايد، غير ديمقراطية وغير يهودية، التي ستواصل الاعتماد على حكم عسكري في المناطق وعمليات عسكرية متواترة. دولة ستكون ضحية لقيادة جبانة وقصيرة النظر مع اغلبية صامتة لم تتغلب على صدمة الماضي ولم تعرف كيفية اختيار النشاط السياسي قبل حدوث المصيبة.