عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Jul-2024

برهومة يكتب: في ذكرى الرفيق المُعلّم عيسى مدانات

عمون

 
د. موسى برهومة
 
في ذكرى رحيلك نرجو أن تظل روحك راقدة بسلام، أيها الرفيق الرقيق الأنيق عيسى مدانات "أبو عامر". لقد كنتَ مُعلماً بحق، وظللت رمزاً لما تساقطت الرموز، وبقيت شامخاً مثل قلعة الكرك، حتى لفظتَ أنفاسك الطيّبة. فليتقدّس سرّك واسمك وميراثك، فمن بين الشيوعيين العرب الكثر أنتَ أكثرهم حضوراً رغم غيابك، وتواريك عن الأنظار، وانخراطك في عملك الدؤوب من أجل الفكرة العظيمة التي أخلصتَ لها.
 
كنا نسمع عن الرفيق "أبو عامر" ونحن رفاق في مطلع الشباب، وكان اسمه يبعث شعوراً بالعنفوان في نفوسنا، فتبعناه ومشينا خلفه عندما قاد تياراً إصلاحيّاً في الحزب الشيوعيّ الأردنيّ، مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وأطلق عليه "التكتّل"، وكان غالبية أعضائه من الشباب المتعطّشين للانفكاك عن مركزيّة الكهول في "الكادر اللينيني" المنشقّ هو أيضاً عن الحزب الشيوعيّ الأم، الذي كان يتزعمه الرفيق الراحل يعقوب زيادين.
 
كانت تلك المرحلة فترة عمل سريّ وعسف وبطش نُكّل خلاله بالشيوعيين والنشطاء القوميين، وزُجّ بقادتهم في غياهب السجون، وكان حظَّ الرفيق "أبي عامر" الكثيرُ من السنوات التي أمضاها وراء القضبان، فما هانَ ولا مالَ ولا تطرفَ ولا أسقط الراية ولا أضاع البوصلة، وظل متواضعاً منتسباً انتساباً حقيقيّاً إلى البروليتاريا بكل مظالمها وخشونة أيامها وتوقها المحموم للخبز والحريّة والكرامة.
 
كنا في خلية صغيرة "مشاغبة"، وطالبنا بلقاء الأمين العام للحزب شخصياً، وكان ذلك أمراً عسير المنال، لطبيعة الوضع الأمني آنذاك، لكنّ الرفيق "أبا عامر" لبّى الدعوة، والتقانا وتحدث إلينا ونحن شاخصون بأبصارنا إلى هذا الرجل الأنيق الذي يشبه أن يكون ممثلاً في هوليوود، لا أميناً عاماً لحزب شيوعيّ مطارَد.
 
ومنذ ذلك اللقاء و"أبو عامر" يمثل لي حالة خاصة، فقد غلبتْ فضائله ما عداها، ولست أعتقد أن ثمة سوى الفضائل خطّها هذا المناضل النزيه في مسيرته، كما خط المشطُ في شَعره الأسود الذي لوّنه الشيّب، وأحدث مفرقاً على جهته اليسرى، جهة القلب، وجهة الشيوعيين الحقيقيّين، وجهة الناس الطيّبين الذين أوصلوا صاحب الفكرة إلى سدّة البرلمان.
 
من بين الرفاق الكثيرين في الحزب الشيوعي الأردني، بكل فروعه وتشقّقاته، يبقى عيسى مدانات مَعْلَماً ومُعَلّماً. وما يزال صوتُه الخافتُ العميقُ يتدفّق في ذاكرتي، ويبعث أحلامَ ذلك الزمن العنيد.