عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Nov-2021

الفلسطينيون والبيئة ضحايا الاحتلال

 الغد-هآرتس

بقلم: عميره هاس – 5/11/2021
 
الملوث الأول والأخطر للبيئة في الضفة الغربية وفي قطاع غزة هو مجرد سيطرة إسرائيل على هذه المناطق وسياسة الاستيطان. هذه ليست بالضبط كلمات استخدمها رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد اشتية، في مؤتمر المناخ في غلاسكو في هذا الأسبوع، لكنها تلخص خطابه في المؤتمر. مشاركة اشتية لم تذكر تقريبا في وسائل الإعلام الدولية، بل وأقل من ذلك في وسائل الإعلام الإسرائيلية. هذا دليل آخر على إبعاد القضية الفلسطينية عن الاهتمام الدولي، لكن المس بالبيئة لا يختفي بسبب ذلك.
هناك أبحاث ومقالات عن وضع جودة البيئة في القطاع وفي الضفة، التي تربط بينه وبين سياسة إسرائيل (منها تقرير مفصل للامم المتحدة من العام 2020 وتقارير نشرتها المؤسسة الفلسطينية القانونية “الحق” طوال سنين ومقال نشره في 2019 موقع “الشبكة” التي هي طاقم تفكير فلسطيني). ولكن حتى الآن لا توجد أي عملية قياس كمية شاملة تترجم جميع تصرفات الحكومة الإسرائيلية والمواطنين الإسرائيليين في الأراضي التي احتلها إسرائيل في 1967 الى بيانات منفصلة عن دورها في ظاهرة الاحتباس الحراري.
في تقرير مراقب الدولة عن فشل إسرائيل في تقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري هذه لم تذكر هذه الأمور. في الأصل أيضا لم يتم فحص تنبؤ الأمم المتحدة الخطير الذي صدر في 2012، وهو أن القطاع لن يكون قابلا للعيش فيه في 2020 إذا لم تغير إسرائيل بشكل أساسي سياستها تجاه هذا الجيب. ولكن استنتاجا بارزا لتقرير مراقب الدولة يمكن أن يلخص أيضا تجاهل إسرائيل لإسهام الاحتلال في التلوث البيئي المحلي والعالمي، وهذا الاستنتاج هو “في وضع صراع أو إمكانية كامنة لصراع بين الأهداف الرئيسية للوزارات الحكومية وبين هدف خفض انبعاث غازات الانحباس الحراري، فإن الوزارات تفضل الدفع قدما بالأهداف التي توجد في صلب مسؤوليتها الوزارية على خفض الانبعاث، باستثناء وزارة حماية البيئة”.
كما يتبين من السياسة المعلنة والمطبقة، فإن أهداف الحكومات، بما في ذلك الحكومة الحالية، هي توسيع المستوطنات وإغراء المزيد من اليهود الإسرائيليين ويهود الخارج بالاستقرار في مستوطنات الضفة الغربية وضمان استمرار السيطرة الكاملة على حوالي 60 % من الضفة الغربية وتخليد الفصل بين القطاع والضفة والفصل بين السكان الفلسطينيين والسكان اليهود وتعويد العالم على واقع الجيوب الفلسطينية المنفصلة والمعزولة كـ”حل”. هناك هدف ينبثق عن ذلك وغير معلن، وهو إضعاف ممنهج للاقتصاد الفلسطيني. كل هذه الأهداف يوجد لها ثمن على شكل إضرار مميز بالبيئة.
إسفلت في كل مكان
إسرائيل تمس بمنظومة المناخ بواسطة تغطية الأرض بإسفلت زائد وبناء زائد، لأهداف إيديولوجية، على حساب الأراضي الفلسطينية المفتوحة والخضراء. البناء لليهود واسع جدا، من أجل زيادة قوة جذب المستوطنين والسيطرة على أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية.
إسرائيل تدفع قدما بإقامة بنى تحتية لشوارع مزدوجة كجزء من فلسفة الفصل بين المجموعتين السكانيتين والضم الفعلي. الهدف المسيطر في تخطيط الشوارع الجديدة هو إرضاء المستوطنين في الحاضر وفي المستقبل، أي زيادة عددهم وتقريب المستوطنات من إسرائيل وتقصير مدة السفر بين المستوطنات وإسرائيل. السيارات الفلسطينية تجبر على السفر في شوارع فرعية موازية وتجاوزية. في جزء كبير من الشوارع المخصصة للمستوطنات ومنها الى داخل إسرائيل يحظر السفر على الفلسطينيين أو أنه لا يوصلهم الى أي مكان.
أيضا آلاف الأمتار المربعة في الضفة مغطاة بالإسفلت الذي ليس له أي هدف مدني، شوارع امنية تحيط بالمستوطنات، على حساب الأراضي الزراعية والمراعي للفلسطينيين، وشوارع تم شقها على طول جدار الفصل المتعرج والمخصصة فقط للسيارات العسكرية. لذلك، يجب أن نضيف أيضا اقتلاع الأشجار وتدمير الأراضي الزراعية ومنع الوصول الى مناطق زراعية بذرائع أمنية (أيضا في القطاع) بسبب عنف المستوطنين وتوسيع المستوطنات والبنى التحتية فيها.
غازات الاحتباس الحراري
هناك انبعاث زائد للغازات في المناطق بسبب قيود الحركة ومنع التطوير. المسافات ومدة السفر بين الجيوب الفلسطينية وبين الجيوب الفرعية، أي القرى المحيطة ومدينة المحافظة، زادت بسبب الحواجز الثابتة والمتحركة والمناطق التي يحظر دخول الفلسطينيين إليها مثل الكتل الاستيطانية والمستوطنات. إطالة مدة السفر تعني استهلاكا زائدا للوقود.
الى جانب الارتفاع العام في عدد السيارات الخاصة، فإن الازدحامات المرورية تحدث بسبب حواجز متحركة على الشوارع وفي عنق الزجاجة التي تخلقها الحواجز على مداخل المدن. السيارات التي تزحف في الازدحامات المرورية تطلق معدلا أعلى من الملوثات مقارنة بالسفر المتواصل. في بحث من العام 2018 حسب ووجد معهد الأبحاث التطبيقية الفلسطيني “أريج” أن الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية يبدد حوالي 80 مليون لتر وقود إضافية في السنة بسبب التوقف في الحواجز وإغلاق مناطق أمام حركة فلسطينية وسفر عبر الطرق الالتفافية. حسب البحث، هذا الأمر ينعكس في زيادة 196 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون التي تطلق في الهواء. الزمن الذي يذهب هباء قدر بنحو 60 مليون ساعة عمل في اليوم، بتكلفة تبلغ 270 مليون دولار.
إسرائيل تسيطر على مصادر المياه في كل البلاد، لكنها تستثني قطاع غزة عن باقي أجزاء البلاد ولا تربطه بشبكة المياه القطرية. هكذا، على قطاع غزة الاكتفاء بجزء من خزان الشاطئ المائي القريب من حدودها المصطنعة والذي لا يعطي كميات مياه تكفي للسكان الذين يبلغ عددهم 2 مليون نسمة. بسبب سحب زائد من هذا الخزان الجوفي لمدة ثلاثين سنة فإن المياه الجوفية تلوثت و96 % من المياه هي غير صالحة للشرب ويجب تنقيتها في منشآت خاصة. التنقية تستهلك كمية كبيرة من الوقود كل يوم. المياه التي تتم تنقيتها تنقل بسيارات الى البيوت، الأمر الذي يشكل انبعاثا زائدا لغازات الاحتباس الحراري.
إسرائيل تحدد حصة من المياه التي يسمح للفلسطينيين باستخراجها واستهلاكها أيضا في الضفة الغربية. بسبب الكمية المنخفضة فإن تدفق المياه عبر الأنابيب ضعيف، بالأساس في أشهر الصيف، وهذه المياه لا تصل الى أحياء فلسطينية كثيرة في مناطق مرتفعة في المدن أو في قرى مختلفة. الحل يستهلك كمية كبيرة من الوقود، نقل صهاريج المياه بواسطة شاحنات وضخ مياه للخزانات على الأسطح وآبار المياه.
إسرائيل أيضا تمنع عشرات القرى وتجمعات الرعاة والمزارعين، بالأساس في غور الأردن وفي جنوب جبل الخليل، من الارتباط بشبكة المياه. التجمعات الفلسطينية الفقيرة هذه مرتبطة بناء على ذلك بمياه منقولة بواسطة شاحنات وتراكتورات، وهي تدفع عن المياه أثمانا باهظة تقدر بخمسة أضعاف وأكثر، ولا يشمل ذلك تلويث البيئة.
غياب التخطيط
سيطرة إسرائيل على الفضاء تقيد الصلاحيات وإمكانية التطوير الفلسطينية الى حدود جيوب منفصلة دون تواصل جغرافي بينها. السلطة حقا شجعت وهي تشجع توجهات نيوليبرالية تؤثر بشكل سيئ على جودة البيئة (مثل استهلاك زائد يشمل شراء سيارات خاصة)، لكن مجرد إبعادها من الفضاء ومن إمكانية تطبيق خطة للمدى البعيد، تقيد مسبقا أي تفكير شامل بالتخطيط وتضعف المؤيدين لاقتصاد أكثر مسؤولية تجاه البيئة.
إن تطوير مواصلات عامة لا ترتكز الى الاعتبارات الربحية هو وسيلة حيوية لتقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري. حتى لو لم تكن السلطة فقيرة، فإن مشروعا مثل قطار بين المدن الفلسطينية يعد خياليا كليا بسبب تقطيع أوصال المنطقة. وتحسين خدمات المواصلات العامة القائمة مثل الحافلات والحافلات الصغيرة تقتضي تقديم دعم للشركات الخاصة والشركات البلدية ورفع أجرة السائقين. هذا من أجل أن يستطيعوا تحمل النفقات الأخرى المتعلقة بالوقوف على الحواجز والسفر عبر طرق التفافية، ومن أجل أن يضيفوا خطوط وساعات عمل.
الحلول لتقليص الازدحامات المرورية مثل زيادة مخارج من المدن وتوسيع الشوارع في كل محافظة هي أمور مقيدة وحتى غير قابلة للتطبيق. أسباب ذلك هي المستوطنات وخططها التوسعية، قوانين البناء للإدارة المدنية التي تميز في غير صالح الفلسطينيين والتفضيل الأمني بأن يكون عدد المخارج والمداخل الى القرى الفلسطينية قليلا قدر الإمكان.
سيطرة إسرائيل على الفضاء وعلى المياه لا تمكن أيضا من توزيع المياه بشكل منطقي بين القرى الفلسطينية وتطبيق خطة فلسطينية مستقلة لمد أنابيب من مناطق خصبة الى مناطق أخرى. سيطرة إسرائيل ومنع التخطيط أيضا تصعب على السلطة إبعاد المناطق الصناعية الملوثة عن المناطق السكنية، وتوسيع المساحة البلدية طبقا لاعتبارات بيئية.
إضافة الى ذلك، السلطة الفلسطينية مقيدة بقدرتها على تطوير وعي بيئي في مسائل حماية البيئة على المديين القصير والبعيد، ومقيدة جغرافيا بقدرتها على تطبيق لوائح وقوانين قائمة، مثل منع دفن النفايات الالكترونية الإسرائيلية وغيرها مقابل الأموال في مناطق القرى الفلسطينية. ضعفها الاقتصادي المزمن والفشل في تطبيق الوعود بأن يقود اتفاق أوسلو الى إنهاء الاحتلال، وسمعتها كفاسدة، قللت الى الحد الأدنى مستوى ثقة الجمهور بها. وثقة الجمهور هي حيوية من أجل رفع الوعي وتطوير سياسات في كل المجالات، سواء في الموضوع الحساس الذي يقتضيه واقع تقليص معدل الولادة، عبر تقليل استخدام المبيدات الكيماوية وحتى تشجيع استخدام المواصلات العامة. الفصل السياسي الفلسطيني الداخلي بين غزة والضفة الغربية، الذي تطور وتعمق بسبب سياسة التمايز والفصل الإسرائيلية، هو أيضا يقيد تطوير وتطبيق تفكير تخطيطي-بيئي فلسطيني للمدى البعيد.