الغد
الديمقراطية سلوك وليست مجرد صندوق، واحترام نتائج الصندوق هو من أساسيات الممارسة الديمقراطية ولكن هذا لا يتعارض مع ضرورة مراجعة وتأمل نتائج الصندوق، حيث ينصت الجميع إلى ما قاله الشعب عبر هذه النتائج، وهذه وتاليا في قراءتي الشخصية بعض ما قاله الشعب في الانتخابات الأخيرة:
البرامجية الحزبية ليست بديلا عن "أيديولوجيا"، برامج الأحزاب يجب أن تكون مستمدة من فكرها السياسي وايديولوجيتها، لينتقل البرنامج الحزبي من وعد بإنجاز أمر ما إلى حالة انتماء لقيمة أو فكرة أو ايديولوجيا يجد فيها المواطن سببا ذاتيا لالتزامه الحزبي! خاصة وأن الساحة تشهد فريقا منافسا عقائديا بخطاب ديني!
حالة الوعي الشعبي بخصوص الصراع العربي الصهيوني تقدمت على كثير من الأحزاب، والحزب الذكي هو الذي ينصت لهذا الوعي (الشعبي) ولا يمارس فوقية معرفية عليه. وفي هذا الصدد، فإن الشعب الأردني تيقن أن إسرائيل انتقلت من حالة المداهنة للأردن - مشروع السلام الوهمي - إلى حالة عداء معها، ولهذا فإن الشعب قرع الجرس وأيد خطاب المقاومة والاستعداد لمواجهة أطماع المشروع الصهيوني القديمة في الأردن! والواقع أن الخطاب الرسمي والدبلوماسي الأردني كان متقدما على أكثر الأحزاب بهذا الصدد!
لا ديمقراطية دون ديمقراطيين ولا تحديث سياسي دون سياسيين، أزعم أن تقاعس عمان عن المشاركة سببه خلو الساحة من فكر سياسي متزن مقابل لطرح الإخوان. فبماذا نفسر اكتساح جبهة العمل الإسلامي للدائرة الثانية، هذه الدائرة التي دأبت على تقديم خطاب مختلف عن خطاب الإخوان، أعتقد أن التقاعس عن المشاركة هو تصويت سلبي عقابي على عدم توازن الساحة السياسة وفقدانها تنوعها، ولعل كثيرا من الناخبين لم يعودوا يجدون انفسهم في الفضاء السياسي العام، ولهذا يجب ان تحرص الحكومات على سياسات ثقافية واقتصادية واجتماعية تضمن بيئة التنوع!
الأحزاب ليست نوادي سياسية، الأحزاب مؤسسات سياسية تسعى للوصول والمشاركة في الحكومات، وأهم ميزات الأحزاب هي الوضوح السياسي، لا مكان للأحزاب الرمادية في العملية السياسية ويبدو أن أكثر الأحزاب السياسة كانت بآهة الانتماء، وخاصة تلك التي رفعت لواء التقدمية واليسارية والقومية حتى تلك التي صنفت نفسها " يمينية" أو أحزاب الدولة كانت بآهة في يمينيتها، فقد تهمس بقربها من مؤسسات الدولة وبنفس الوقت تحاول ان توزع خطابا "شعبويا" بدا متناقضا!
إن طبطبة الدولة تاريخيا على حركة الإخوان المسلمين ورعايتها لعملها الدعوي والرعوي والسياسي، لم تعد مبررا للحالة التي تعيشها أحزاب التيار اليساري التقدمي الليبرالي، هذا التيار بحاجة لإجراء "مراجعة " تماما كالتي قادها التيار الديني السلفي للنظر في أسباب إخفاقه في الممارسة والمؤسسية الحزبية وفي ترسيخ الديمقراطية داخل مؤسسة الحزب، لماذا ترتفع حالة الشخصنة والشخصية في إدارة مؤسسات أغلب هذه الأحزاب !؟ لماذا يغيب الشباب والمرأة عن قيادة هذه الأحزاب، رغم أن شعاراتهم تتركز على دعم المرأة والشباب؟! لماذا يستمر انحسار انتشارهم شعبيا رغم انهم أنصار حقوق الشعب والفئات المهمشة !؟ آخر الكلام، لا مبرر لشيطنة اكتساح الجبهة ولا مبرر للتخويف منها، يجب أن نتعلم من عملها المؤسسي ومن مثابرتها وخطاباتها وقربها من الشارع. اكتساح الجبهة للنتائج ليس أغلبية في البرلمان، ونأمل أن يرتقي أداء الجميع لتحقيق مصلحة الأردن والدفاع عنه في ظل خطاب عقلاني واقعي، فإن إدارة الحكومات تختلف عن إدارة المظاهرات ويجب على جميع الأحزاب الموجودة في البرلمان أو خارجه أن لا تقع في فخ دور" مواجهة الأخوان "وتكرس أداء سياسيا مستقلا بذاته يرتكز على تحقيق مصالح الأردن والأردنيين، أداء وخطاب سياسي يضمن أكثر ما يضمن تحقيق بيئة عمل تؤمن التنوع السياسي والاجتماعي حيث يكون الأردن لكل الأردنيين، فاهمين على بعض جنابك؟