الغد-ديفيد شينكر* – (معهد واشنطن) 5/11/2021
بينما يزور وزير الخارجية المصري، سامح شكري، واشنطن لحضور جلسات الحوار الاستراتيجي الثنائية الأخيرة في 8 و9 تشرين الثاني (نوفمبر)، ستُتاح لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، فرصة إثارة قضايا ملحة عدة معه شخصياً. وقد بدا أن إدارة بايدن كانت في مراحلها الأولى تدير ظهرها للقاهرة. وعلى الرغم من أن بلينكن اتصل بشكري في غضون شهر بعد إقرار تعيينه، إلّا أن الرئيس بايدن لم يتحدث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلا بعد مرور خمسة أشهر على توليه منصبه -وهي فترة طويلة بالنظر إلى أن الرئيس أوباما اتصل بالقاهرة في اليوم الأول من ولايته الأولى. غير أن مصر أدت في أيار (مايو) الماضي دوراً مهماً جداً في التفاوض بشأن وقف إطلاق النار في غزة، وبعد ذلك زاد تكرار عمليات التواصل الأميركية رفيعة المستوى. وفي أيلول (سبتمبر)، التقى مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، بالسيسي في القاهرة بعد الإعلان عن حجب الولايات المتحدة مبلغ 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية.
من المؤكد أن حقائب الأمن القومي الرئيسية في مصر لا يديرها شكري، وإنما رئيس “جهاز المخابرات العامة” عباس كامل ورئيس “أركان حرب القوات المسلحة” الفريق أسامة عسكر. ومع ذلك، ما يزال بوسع فريق بلينكن إجراء محادثات مثمرة معه حول مستقبل المساعدات الأميركية وسياسة مصر تجاه مختلف النقاط الساخنة في المنطقة.
المساعدة الأميركية
يتصدر القائمة موضوع التصرف بالمساعدة العسكرية الأميركية. وفي المجمل، توفّر واشنطن 1.3 مليار دولار سنوياً من “التمويل العسكري الأجنبي” لمصر، يخضع 300 مليون دولار منها لشروط معينة في الكونغرس. وفي 13 أيلول (ـسبتمبر)، أشارت إدارة بايدن إلى أنها ستحجب مبلغ 130 مليون دولار من القيمة المشروطة البالغة 300 مليون دولار بناءً على بعض الهواجس المتعلقة بحقوق الإنسان (بينما تُركت الـ170 مليون دولار المتبقية متاحة للمشتريات المتعلقة بمكافحة الإرهاب). ووفقاً لبعض التقارير، لن يتم الإفراج عن الأموال المحجوبة إلى حين تُظهر مصر تقدماً في عدة قضايا مرتبطة بحقوق الإنسان، مثل إسقاط التهم الموجهة ضد ستة عشر شخصاً لم يُكشَف عن هويتهم، وأصبح وضعهم موضوع نقاش ساخنا في مختلف التقارير الإعلامية وجلسات الاستماع في الكونغرس الأميركي.
وبعد فترة وجيزة من إعلان واشنطن عن تجميد التمويل، اتخذت القاهرة خطوة في الاتجاه الصحيح، حيث أسقطت التهم ضد أربع منظمات غير حكومية كانت تواجه قيوداً حكومية مختلفة منذ العام 2011 بسبب قبولها تمويلاً أجنبياً. وفي غضون ذلك، أطلقت القاهرة “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” المؤلفة من 700 صفحة، والتي عززت ظاهرياً نهجاً جديداً على هذه الجبهة. وفي أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، رفع السيسي حالة الطوارئ التي كانت سارية منذ العام 2017.
لكن الآمال في إجراء إصلاح جوهري تبددت بعد أيام قليلة عندما أعلنت الحكومة المصرية عن تغييرات منحت السيسي والقوات العسكرية بشكل أساسي المجموعة نفسها من الصلاحيات القاسية للأمن القومي. ومن ثم، في حين سيوفر الحوار الاستراتيجي فرصاً مفيدة لمناقشة هذه المواضيع، إلّا أن احتمال أن ترفع الإدارة الأميركية تعليق التمويل لا يشكل “نتيجة” واقعية لهذه الاجتماعات.
خفض التصعيد في إثيوبيا
في السنوات الأخيرة، كانت القاهرة وأديس أبابا على خلاف شديد بشأن “سد النهضة الأثيوبي الكبير”. فمعدل ملء خزان السد سيؤثر على تدفق نهر النيل، الذي تعتمد عليه مصر في حوالي 90 في المائة من مياهها. إلا أن أثيوبيا منشغلة حالياً بحرب أهلية، والنزاع في تلك البلاد يوشك أن يصبح مصدر إزعاج آخر للقاهرة.
وتشير التقارير الأخيرة إلى أن تركيا، خصم مصر الإقليمي -التي تدعم جماعة الإخوان المسلمين التي يعتبرها السيسي تهديداً وجودياً- وقّعت صفقة لتزويد أثيوبيا بطائرات من دون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 2″، يُفترض استخدامها ضد “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، الخصم الرئيسي للحكومة الأثيوبية في الحرب. إلّا أن القاهرة قلقة بشأن عملية البيع، لأسباب متعددة على الأرجح. ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام المصرية، قد تؤثر الصفقة في جهود السيسي الأولية الرامية إلى تحسين العلاقات مع أنقرة، ولذلك تريد القاهرة معلومات حول ما إذا كان يجب أن تستمر عملية الانتقال أم لا. وقد يأمل المسؤولون المصريون أيضاً في تعطيل أي تدابير يمكن أن تقوّي رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد الذي يواجه صعوبات جمّة. وسواء لهذين السببين أو بسبب العداء العام تجاه أي غارات تركية في أثيوبيا، يبدو أن القاهرة طلبت من واشنطن المساعدة على إحباط صفقة الطائرات من دون طيار، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن مستعدة للتدخل في هذا الشأن -أو حتى قادرة على ذلك.
عكس انقلاب السودان
من غير الواضح دور مصر في الانقلاب العسكري الذي جرى في السودان في 25 تشرين الأول (أكتوبر). فوفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”، اجتمع الجنرال السوداني البارز عبد الفتاح البرهان بالمبعوث الأميركي الخاص الزائر جيفري فيلتمان قبل الانقلاب العسكري بيومين، وأكد له أنه لا ينوي إزاحة الحكومة المنتخبة ديمقراطياً -لكنه سافر بعد ذلك إلى القاهرة مباشرة للحصول على الدعم المصري للقيام بذلك على وجه التحديد. ووفقاً للصحيفة المذكورة، كان رئيس “جهاز المخابرات العامة” المصرية، عباس كامل، قد زار الخرطوم سابقاً وأخبر البرهان بأن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك “يجب أن يرحل”.
على أي حال، لم تُدِنْ مصر بَعْد الانقلاب الذي قاده البرهان. وجندت وزارة الخارجية الأميركية حتى الآن شركاء إقليميين -السعودية والإمارات- من أجل المساعدة على استعادة الحكم المدني (على الرغم من أن دور الإمارات في تشجيع الانقلاب ما يزال غير واضح). وبالنظر إلى علاقات البرهان الوثيقة المزعومة مع القاهرة ودراساته السابقة في كلية عسكرية مصرية، يمكن أن تؤدي حكومة السيسي دوراً مفيداً في هذه العملية إذا كانت ميالة إلى ذلك. ولذلك، يجب أن يعبّر بلينكن عن توقعات واشنطن بانضمام مصر إلى المعسكر العربي “المناهض للانقلاب”.
لعب دور مثمر في ليبيا
بينما دعمت الولايات المتحدة العملية التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا و”حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها دولياً في طرابلس، اتخذت مصر الاتجاه المعاكس ودعمت ما يسمى بـ”الجيش الوطني الليبي” بقيادة الجنرال خليفة حفتر خلال الحرب الأهلية في العامين 2019 و2020 -وهي شراكة أدت إلى مواءمة مصر بقوة مع روسيا. وبالفعل، ذهبت مصر وفقاً لبعض التقارير إلى حد تقديم الدعم القاعدي واللوجستي لمرتزقة “فاغنر” الروسية عندما انتشرت في الجوار. ومؤخراً، مع اتجاه ليبيا نحو وقف مؤقت لإطلاق النار وإقامة حكومة وحدة مؤقتة، يبدو أن مصر خففت من ميلها لحفتر. وتزامنَ هذا التحول مع تقارب متزايد بين القاهرة وأنقرة، التي كانت شريكة “حكومة الوفاق الوطني” خلال الحرب.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية الليبية في 24 كانون الأول (ديسمبر)، من المهم بشكل متزايد أن تلعب مصر دوراً مثمراً، لا سيما في دعم نزاهة العملية الانتخابية. ولا شك في أن روسيا ومرتزقتها سيحاولون تخريب العملية في الأسابيع المقبلة من خلال دعم حلفائهم المحليين، الذين سيحمون بدورهم مصالح موسكو إذا انتُخبوا. لكن على مصر أن تقاوم الاندفاع إلى دعم مَن تفضّلهم، ومن بينهم حفتر، أو حليفه المتمركز في طبرق عقيلة صالح، أو سيف الإسلام نجل معمر القذافي. وقد وقّعت القاهرة وطرابلس مجموعة كبيرة من الاتفاقات التجارية واتفاقات إعادة الإعمار في الأشهر الأخيرة، وتتوقع مصر بفارغ الصبر عودة الظروف التي كانت سائدة قبل العام 2011، حين كان ما يقرب من مليون شخص من مواطنيها يعملون في ليبيا. إلا أن ذلك سيتطلب المزيد من الاستقرار في الجوار. وإذا اعتقد الليبيون أن انتخاباتهم تفتقر إلى المصداقية، أو إذا لم يحترم الخاسرون النتائج، فقد تندلع أعمال العنف مجدداً. لذلك على إدارة بايدن استخدام اجتماعاتها المقبلة من أجل توضيح كيف يمكن لسلوك مصر وتأثيرها على المرشحين في ليبيا أن يؤثر على الاستقرار.
البقاء في المسار حول لبنان وسورية
هددت الأزمة الأخيرة في العلاقات الخليجية مع لبنان خطط مصر لتصدير الغاز الطبيعي إلى ذلك البلد عبر الأردن وسورية. (عملياً، سيشمل الترتيب قيام الأردن بإرسال الغاز المستورد إلى لبنان). وحيث يحرص القادة في السعودية والإمارات والكويت والبحرين على معاقبة بيروت على تمكينها ميليشيا حزب الله المدعومة من إيران، فقد يحاولون الضغط على القاهرة لتعليق فكرة التصدير. ومهما كانت الحكمة من قطع دول الخليج علاقاتها مع لبنان، على مصر أن تقاوم أي ضغط مشابه وتواصل استعداداتها للتصدير. وحتى في أفضل السيناريوهات، ستستغرق عملية إعادة إنشاء خطوط الأنابيب المعنية واختبارها شهوراً، إن لم يكن سنوات. ولن يُحدث التخلي عن مشروع الغاز حالياً أي تأثير عملي؛ فمصر ستبقى قادرة على القيام بذلك لاحقاً إذا اقتضى الأمر.
ومن خلال مناقشة مسألة لبنان مع فريق شكري، بإمكان المسؤولين الأميركيين أيضاً خلق فرصة مفيدة لإجراء مقايضة حول سورية. فمصر تدافع بحماس عن عودة سورية إلى “الصف العربي”، بما في ذلك إلغاء تجميد عضويتها في “جامعة الدول العربية” وإعادة إشراكها في المنطقة سياسياً واقتصادياً. ولا تعارض إدارة بايدن عملية إعادة الدمج هذه بشكل فعال، لكن عليها على الأقل التنسيق مع مصر وشركاء عرب آخرين لضمان انتزاع بعض التنازلات من نظام الأسد مقابل ذلك -بدءاً من أهداف قابلة للتحقيق مثل حماية المدنيين، وإلى أهداف أكثر طموحاً مثل الحد من قواعد الصواريخ الباليستية الإيرانية على الأراضي السورية.
*ديفيد شينكر: “زميل أقدم في برنامج توب” في معهد واشنطن. شغل سابقاً منصب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى خلال إدارة ترامب.