عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Feb-2019

ظاهرتان مرفوضتان - د. أحمد يعقوب المجدوبة

الراي - هنالك ظاهرتان مُضللتان في خطابنا المعاصر، من بين ظواهر سلبية أخرى، يمارسها كثير من الناس دون التنبه لخطورتهما.

الأولى وتتمثل في التفكير «الثنائي الضّدّي»، والثانية في التعميمات الجارفة.
بالنسبة للأولى فهي تقوم على مبدأ التباين الذي لا يرى الأشياء إلا في إطار منظومة ثنائية تقوم على الشيء وضده.
ومن يمارس مثل هذا التفكير يرى الاشياء من زاويتين متعاكستين: إيجابية وسلبية، صحيحة وخاطئة، مفيدة وضارة، جميلة وقبيحة، وهكذا. والإشكال هنا يكمن في بعدين على الأقل. الأول ويتصل بالقفز عن المساحات البينيّة الشاسعة التي تفصل بين المكونين أو – بعبارة أدق – تصل بينهما، والثاني بالتغاضي عن المكونات العديدة التي تكمن خارج المنظومة والتي تم التغاضي عنها.
فالأمور قد تُرى من منظور السالب والموجب، الأسود والأبيض، في بعض السياقات المحددة، لكنها في معظم الأحيان تكون أعقد من ذلك بكثير، ويكون هنالك أطياف وألوان أخرى كثيرة لا بد من أخذها بعين الاعتبار.
نُذكّر هنا أنّه عندما تحولت الشاشة الصغيرة، شاشة التلفاز، والشاشة الكبيرة، شاشة السينما، من «أبيض وأسود» إلى شاشتين ملونتين، تمكّنا من رؤية الصورة على نحو أمتع وأجمل وأشمل وأصدق وأثرى وأغنى بالألوان والأطياف والحقائق التى لم نكن نراها.
وكما بيّن العديد من الفلاسفة والمفكرين وعلماء الخطاب، فإن الأمور نسبية وأن الكثير من «الحقائق» هي وجهات نظر تتعدد بتعدد الأشخاص وثقافتهم وبيئاتهم وسياقاتهم.
بمعنى آخر المطلوب على هذا البعد هو التفكير النسبي والتفكير التعددي، وليس التفكير الأحادي أو الثنائي.
فهنالك، عندما نكتب أو نتحدث في أي موضوع أوسياق، ثلاثيات ورباعيات وخماسيات وسداسيات وسباعيات، إلخ، لا بد من أخذها بعين الاعتبار، ولا بد لنا من التوقف عن تسطيح الأمور أو تبسيطها.
أما بالنسبة لظاهرة التعميمات الجارفة فهي ظاهرة سلبية منتشرة بكثرة في مجتمعنا، يلجأ فيها المتحدث أو الكاتب إلى إطلاق الأحكام على عواهنها دون سند أو حجة أو دليل.
ومشكلتها – إضافة إلى قفزها عن مبدأ النسبية ومبدأ التعددية المشار إليهما أعلاه – تكمن في أنّها تخنزل أو تحذف العديد من التفاصيل المهمة.
وفي أحيان كثيرة نجد أنّ هذه التفاصيل تم التغاضي عنها لأنها لا تخدم التعميمات الجارفة والأحكام المطلقة والاستنتاجات الخاطئة التي يمارسها المتحدث أو الكاتب.
ونؤكد هنا أن «الحقيقة» أو الرأي المدروس لا يكون لهما وزن إلاّ إذا نظر صاحبهما إلى الأمر – أي أمر – من زاوية كلية وزاوية جزئية. الصورة الكلية مهمة، لكن الصورة الجزئية مهمة وأساسية كذلك لاكتمال المعنى.
فكيف تكتمل الصورة إذا لم نتنبه إلى تفاصيلها؟ أو ليست «الشياطين في التفاصيل» كما يقال؟
وبعد، فلا بد للتعامل مع هاتين الظاهرتين المقلقتين في خطابنا المعاصر، والقضاء عليهما، بالتوعية والتربية تارة، وبالتحليل والتفنيد والتصحيح تارة أخرى، ذلك أنهما يُشوّهان الحقائق ويشوشان الصورة ويقلقان الناس، وقد تكون لهما عواقف أوخم من هذا وذاك بكثير.