القدس العربي-حاوره: عبد اللطيف الوراري
حسن المودن (1963) ناقد ومترجم مغربي، تركز مجموع أعماله النقدية وترجماته على التحليل النفسي للأدب، منذ أواسط التسعينيات؛ أي منذ دراسته اللماحة «لاوعي النص في رواية الطيب صالح: قراءة من منظور التحليل النفسي» إلى كتابه الجديد الذي صدر قبل أيام، والمعنون بـ»الإخوة الأعداء في السرد العربي والغربي، مقاربة نفسية جديدة» (دار كنوز المعرفة، 2023). فهو يُعدّ في طليعة النقاد العرب المهتمّين بهذا التحليل، وبضرورته المتجددة في إضاءة النص الأدبي عامة، والروائي بوجه خاص. من لاوعي المؤلف إلى لاوعي النص، ومن تطبيق التحليل النفسي على الأدب إلى تطبيق الأدب على التحليل النفسي، نكون بصدد مشروع معرفي ونقدي يؤسس لنظرية جديدة في النقد العربي المعاصر، رغم الدعاوى التي تتحامل على هذا النوع من النقد في ظلّ تسيُّد المقاربات النصية الشكلانية.
في هذا الحوار نتعرف على مسارات هذا المشروع ومفاهيمه وإبدالاته الجديدة التي حقّقها في قراءة النص الروائي العربي، دون أن ينغلق عن الإفادة من اللسانيات وبلاغة الحجاج وعلوم النص والتأويل.
□ ارتبط مسارك التأليفي والترجمي بالنقد النفسي، بحيث يمكن للقارئ المتتبع أن يلاحظ وفاءك لهذا النقد والتزامك بفرضيّاته المعرفية في مجال التحليل الأدبي عامة، والسردي بوجه خاص، رغم ما كان يُشاع عنه من قصور وتشبُّع. ما هي أهمّ مُوجّهات هذا المسار والمداخل التي فتحتَها فيه من أجل تجديد التحليل النفسي للأدب؟
■ أزعم أنني واصلت العملَ، من بداية التسعينيات إلى اليوم، بالطموح نفسه الذي كان يُوجّهني: طموحٌ إلى التجديد أفترضُ أنّ له ما يميّزه: من أجل تجديد التحليل النفسي للأدب، مغربيّا وعربيّا، واصلتُ العمل على مستويين: الأول هو الترجمة: فترجمتُ، سنة 2015، كتابا مهمّا للناقد الأدبي المحلِّل النفسي المعاصر بيير بيار، وهو بعنوان: «الرواية البوليسية والتحليل النفسي»؛ وتتجلى أهمية هذا الكتاب في أنه دشّنَ مداخل نقدية جديدة: يؤسِّس بيير بيار «نقدا للرواية البوليسية» جديدا، من أبرز خصائصه فتح تحقيقٍ مُضادٍّ يؤدي في النهاية إلى اكتشاف قاتلٍ آخر غير الذي عيّنه مؤلِّف الرواية البوليسية، والأكثر أهمية هنا ليس هو تعيين قاتلٍ جديدٍ، بل إنه بروز الدور الذي قد يؤدّيه القارئ في إعادة بناء الرواية البوليسية، وفي اكتشاف حقيقةٍ جديدةٍ غير التي اكتشفها المحقِّق/ المؤلِّف؛ وفي علاقةٍ بهذه الخاصية، تتكشّف خاصيةٌ أخرى: يتحول القارئ/ الناقد إلى مؤلِّفٍ/ كاتبٍ، ويتحول النصُّ النقديُّ إلى شيءٍ وسطٍ بين التخييل والعلوم الإنسانية؛ وبهذه الخاصية الجديدة يؤسِّس بيير بيار لنوع مختلفٍ يسمّيه هو نفسه بـ»محكيٍّ ـ نظريٍّ»: نوعٌ من النصوص يضخُّ التخييلَ داخل التفكير النقدي والتأمّل النظري.
كما أعدتُ، سنة 2017، إصدار ترجمة كتاب الناقد الفرنسي المعاصر جان بيلمان نويل بعنوان «التحليل النفسي والأدب» في طبعةٍ جديدة، مزيدة ومنقّحة، تتوفر على تقديمٍ وملاحق ضرورية، وهو كتابٌ مؤسِّسٌ للنقد النفسيّ الجديد الذي تحرّر من النقد البيوغرافيّ الذي كان يدرس النصوص بحثا عن علاقتها بلاوعي المؤلِّف. ففي هذا النقد النفسيّ الجديد انفتاحٌ على الدرس البنيوي، وبذلك أصبح هناك اشتغالٌ بلاوعي النصّ نفسه. ثم جاء الانفتاح بعد ذلك على الدرس التداولي، فصار هناك انشغالٌ بالعلاقة بين النصّ ولاوعي القارئ..
والمستوى الثاني هو التأليف، بفضل الانفتاح على مختلف النظريات الجديدة في التحليل النفسي للأدب، وفي ضوء بعض الترجمات التي أنجزتها؛ بحيث واصلتُ تأليفَ مؤلفاتٍ ومقالاتٍ، نظرية وتطبيقية، أفترضُ أنها تدشِّن مباحث جديدة في النقد النفسيّ، المغربيّ والعربيّ؛ ومن أهمّ هذه المباحث: بداية، هناك تطبيقُ التحليل النفسي على الأدب: يتجلّى تطبيقُ التحليل النفسي على الأدب في كتابي النقدي المعنون بـ»الرواية العربية، من الرواية العائلية إلى محكي الانتساب العائلي» (جائزة كتارا للدراسات النقدية سنة 2016). وواضحٌ من هذا العنوان أن الدراسة تُطبِّق مفهومات نفسانية على الرواية العربية: مفهوم «الرواية العائلية» الذي وضعه سيغموند فرويد في نصٍّ قصير نشره سنة 1909 بعنوان «رواية العصابيين العائلية» وطبّقته الناقدة الفرنسية مارت روبير على الرواية الغربية في كتابها الصادر سنة 1972 بعنوان: رواية الأصول وأصول الرواية. والمفهوم الثاني: «محكي الانتساب العائلي» وقد ابتكره الناقد الفرنسي المعاصر دومينيك فيار سنة 1996 في مداخلة شارك بها في ملتقى حول «حالات الرواية المعاصرة» (6 ـ 13 يوليو/تموز 1996). ومحكي الانتساب العائلي هو شكل أدبي جديد ازدهر في الرواية الفرنسية منذ الثمانينيات، وقد أتى ليحلّ محلّ الأشكال الكرونولوجية للأتوبيوغرافيا والتخييل الذاتي، ويقدم نفسه في شكلِ بحثٍ أركيولوجيٍّ في أنساب الذات، من أجل استكشاف الماضي العائلي، ومن أجل بناء معرفة بالذات انطلاقا من الوجوه العائلية: الآباء والأجداد..
□ ما أهمية تطبيق هذين المفهومين على الرواية العربية، التي لها أصول ومرجعيات أخرى مختلفة عن نظيرتها الغربية؟
■ أفترض أن هذين المفهومين يسمحان بقراءة جديدة ومختلفة للرواية العربية عبر تاريخها. وقد عملت على تطبيق هذين المفهومين في دراسة لي بعنوان: من الرواية العائلية إلى محكي الانتساب العائلي، من رواية «الحي اللاتيني» إلى رواية «ساق البامبو» ثم في كتابي «الرواية النسائية العربية، من الرواية العائلية إلى محكي الانتساب العائلي» وهو عبارة عن دراسة تطبّق هذين المفهومين النفسيين على متن روائيٍّ نسائيٍّ يمتدّ من أواخر القرن التاسع عشر إلى السنوات القليلة الأخيرة من القرن الواحد والعشرين، مع العلم أني نشرتُ في سنواتٍ سابقةٍ مؤلفاتٍ فيها تطبيقُ مفهوماتٍ نفسية أخرى، من أهمّها: «الكتابة والتحول» (2001) و»الرواية والتحليل النصي» ( 2009) و»مغامرات الكتابة القصصية» (2013).
□ يظهر أن اشتغالك، النظري والتطبيقي، بالنقد النفسي الجديد، الذي كانت انطلاقته الأولى بمؤلفك «لاوعي النص في روايات الطيب صالح» (وهو في الأصل رسالة جامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا نوقشت في كلية آداب الرباط سنة 1996) ينهج طريقا معاكسا في التأليف من خلاله تسعى لقلب عناصر المنهج النفسي التقليدي؟
■ صحيح.. تطبيق الأدب على التحليل النفسي، لا تطبيق التحليل النفسي على الأدب؛ وهذه نظرية جديدة في النقد النفسي، يعود الفضل في تأسيسها إلى الناقد الأدبي المحلِّل النفسي بيير بيار، وخاصّة في كتابه الصادر سنة 2004 بعنوان: «هل يمكننا تطبيقُ الأدب على التحليل النفسي؟» يعني أنه إذا كان المألوف هو تطبيق التحليل النفسي على الأدب، فإن بيير بيار يدعونا إلى قلب الأدوار، وذلك بأنْ نُجرّب تطبيق الأدب على التحليل النفسي. وهناك العديد من الأسباب التي تدعوه إلى مراجعة العلاقة بين الاثنين، ومن أهمها أن النقد الأدبي الذي يطبّـق التحليل النفسي على الأدب قد أصابه الإفلاس، ويعود السبب في ذلك إلى أن تطبيق التحليل النفسي على الأدب يؤكد النظرية التي تمّ الانطلاق منها، ولا يضيء العمل الأدبي؛ وبالعكس، إذا تم الاعتماد على منهج يقلب الأشياء، يكون في إمكان الأدب أن يقول أشياء عديدة للتحليل النفسي. وقد اشتغلتُ بهذه النظرية على مستويين:
على المستوى النظري: عرضتُ هذه النظرية في كتابي الصادر سنة 2019 عن منشورات مجلة الدوحة بعنوان: الأدب والتحليل النفسي؛ مع العلم أني قدّمتُ النظرية في وقتٍ سابقٍ، وذلك في كتابي الصادر في لبنان سنة 2009 بعنوان: الرواية والتحليل النصي.
على المستوى التطبيقي: في كتابي القصة القصيرة والتحليل النفسي، وضّحتُ في المقدمة كيف استمدّ المُحلِّل النفسي جاك لاكان نظريته الجديدة من قصة: الرسالة المسروقة لإدغار ألان بو؛ وهي نظرية، وإن كانت قد استفادت من لسانيات دو سوسير، فإنها أرادت أن توضح أن هناك فكرة مختلفة عن اللغة الإنسانية في التحليل النفسي، لا بد من أن تنتبه إليها اللسانيات، وهذه الفكرة المختلفة استمدّها المُحلّل النفسي من ذلك العمل القصصي الأدبي.. لكن كتابي يضمُّ كذلك دراسات تطبيقية حاولتُ من خلالها أن أبرهن على أن الأدب يمكنه دائما أن يغني التحليل النفسي بمفهومات جديدة. ثمة في الكتاب دراسةٌ في قصص الكاتبة المغربية ربيعة ريحان تكشف أنه من الممكن أن نستخرج من هذه القصص مفهوم الرواية العائلية النسائية، وأن نفترض أن لها ما يميّزها عن الرواية العائلية كما تناولها سيغموند فرويد. وفي دراسة أخرى، أستحضر الكاتب الأرجنتيني المعروف بورخيس؛ فمن من خلال قصصه نكتشف أنه يؤسس، ربّما، تحليلا نفسيا مغايرا للذي أسّسه معاصره الذي لم يقل عنه ولا كلمة واحدة – يا للغرابة! سيغموند فرويد.
تعرف أن «عقدة أوديب» هي العقدة المركزية في التحليل النفسيّ، وخاصة عند مؤسِّسه سيغموند فرويد الذي لم يستخرج تلك العقدة – ولابد من أن ننتبه إلى ذلك – إلا من نصوص التراجيديّ الإغريقيّ سوفوكل، والمسرحيّ الإنكليزيّ شكسبير، والروائيّ الروسيّ دوستويفسكي.
□ نعود إلى كتابك النقدي الجديد «الإخوة الأعداء في السرد العربي والغربي، مقاربة نفسية جديدة» (دار كنوز المعرفة 2023) ينتمي بدوره إلى هذا المشروع؛ أي تطبيق الأدب على التحليل النفسي. إلى أيّ حدّ استطاعت مقاربتك للإخوة الأعداء تجاوز التصور الفرويدي، من خلال ما قدّمت فيه من مفاهيم وإبدالات على مستوى الوظيفة والقيمة، وفي طليعتها «عقدة قابيل»؟
■ أفترض أنه محاولة من أجل تجاوز التصور الفرويدي، لأسباب أساسية، من أهمّها: أولا؛ لأن وظيفة الأخوة أخطر من وظيفة الأمّ أو وظيفة الأب، فإذا كانت وظيفة الأمومة هي الرعاية، خاصة في مراحل النمو الأولى، وإذا كانت وظيفة الأبوة هي فصلك عن الأمّ والدفع بك إلى العالم، فإن وظيفة الأخوة هي أن تتعلّم التواصل مع الآخرين، وبناء روابط عائلية واجتماعية، ومعالجة العناصر السلبية المدمّرة (المنافسة، الغيرة، الكراهية، العنف) أي أن تتعلّم تدبير العلاقة بين الذات والغير، داخل نسقٍ من الروابط الاجتماعية والثقافية والرمزية، لما فيه خير الجماعة وصلاحها. ثانيا؛ يبدو واضحا أنه في الأخوة تستقرّ تجارب التواصل مع الآخر، ويجري اختبار القبول بالآخر، وامتحان الأنا في قدرتها على قبول التقاسم والتبادل والتضامن والتعاون بعيدا عن الغيرة والحسد والكراهية؛ والأخطر من ذلك أنه بروابط الأخوة تتأسّس الروابط الاجتماعية وتنتظم، فالجماعة الإنسانية ليست ممكنة إلا بتجاوز أنانيتنا وغيرتنا إلى التماهي مع الآخر، ذلك الأخ الشبيه، وباعتبار أن القوة لا يمكن أن تتحقّق إلا في وجودنا بطريقة جماعية، يطبعها التواصل والتماسك والتعاون، وتحتفي بقيم الحبّ والخير والحياة.
وإلى هذا الحدّ، ألا يحقّ لي أن أتساءل: أليست عقدة قابيل هي عقدتنا الأصل التي لم يُولِها التحليل النفسي بعدُ ما تستحقّ من العناية والدرس؟ أليست الكراهية والعداء والرغبة في قتل الأخ بعناصر كانت لها دوما الأولوية والأسبقية: في الأساطير الإغريقية المُمسرحة، وبالضبط عند سوفوكليس، الموضوع المركزي هو الصراع بين الإخوة الأعداء الذي انتهى بقتل إيتيوكليس لأخيه بولينيس.. ولا شك في وجود محكيات أسطورية قديمة أخرى، يمكن أن أذكر منها: واحدة مصرية قديمة هي أسطورة أوزيريس، فرعون مصر، الذي قتله أخوه «ست « من أجل الحصول على العرش؛ وواحدة من الأساطير الرومانية هي أسطورة الأخوين التوأم رومولوس ورموس مؤسِّـسَـيْ روما، ففي بعض الروايات أن رموس قد قتل أخاه رومولوس، وفي أقدم القصص الديني: حكاية قابيل وهابيل، حكاية إسحاق وإسماعيل، حكاية يعقوب وأخيه عيص، حكاية يوسف وإخوته.. ما يؤكّد أن عقدة قابيل هي الأرسخ منذ تأسّست العائلة الأولى مع آدم وحواء.. وفي المسرح الحديث، ما هي الجريمة الأولى والأساس في مسرحية هاملت لشكسبير: أليست هي قتل الأخ كلاوديوس لأخيه الملك هاملت من أجل الاستيلاء على عرشه وزوجته؟ وفي روايات العصر الحديث: «الإخوة كارامازوف» للروائي الروسي دويستوفسكي، «الإخوة الأعداء» للروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، «قايين» للروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو، «أولاد حارتنا» للروائي المصري نجيب محفوظ، «السوريون الأعداء» للروائي السوري فواز حداد.. ما قد يوضّح أن أحد أهم أجناس الأدب الحديث ظلّ، هو الآخر، يقارب هذه العقدة الراسخة في المحكيات الأسطورية والدينية والأدبية.
□ يلاحظ من خلال هذا الاستشكال الوجيه الذي تستضيء به أطروحة الكتاب، أنك تضع «عقدة أوديب» موضع مساءلة ونقد، على افتراض أنّ العقدة الأصل هي «عقدة قابيل» التي يشترك فيها الأب والأخ معا؟
■ تعرف أن «عقدة أوديب» هي العقدة المركزية في التحليل النفسيّ، وخاصة عند مؤسِّسه سيغموند فرويد الذي لم يستخرج تلك العقدة – ولابد من أن ننتبه إلى ذلك – إلا من نصوص التراجيديّ الإغريقيّ سوفوكل، والمسرحيّ الإنكليزيّ شكسبير، والروائيّ الروسيّ دوستويفسكي.. وبعد رحيل فرويد، صار يبدو كأنه لم يعد أمام المحلّلين والنقّاد النفسانيين إلا أنْ يؤكّدوا في كلّ مرّة وجود عقدة أوديب في أعمال هذا الأديب أو ذاك، وكأنّ دور النقد النفسيّ هو أن يؤكّد في كلّ مرّة صحّة ما وضعته النظرية النفسانية مسبقا، دون مساءلة لهذه المسلَّمة أو تقويم أو إعادة نظر. والحال أنّ الواقع الذي لا بدّ من استحضاره باستمرار هو أن مؤسِّسي التحليل النفسيّ، وخاصة فرويد، قد استوحوا هذه العُـقد من النصوص الأسطورية والأدبية والدينية.. وإذا كان التحليل النفسيّ قد استخلص «عقدة أوديب» من التراجيديا الإغريقية، أفلا يحقُّ للباحث المعاصر أنْ يُعيد قراءة التراث السرديّ الإنسانيّ، وأنْ يفترض أنّ العقدة الأصل لا تتعلق بمسألة الأب فحسب، بل هي تتعلق بمسألة الأخ أيضا، وأنّه من الممكن أنْ يضع في مقابل «عقدة أوديب» مركَّبا عُقديا جديدا: «عقدة قابيل» وأن يتساءل عن العلاقات الجدلية المعقدة بين عقدة أوديب وعقدة قابيل؟ ألم يَحن الوقت بعد لإثارة أسئلة جديدة: ما الذي يمكن أنْ يقوله التحليل النفسيّ عن هذا الأخ الذي يتقدّم في القصص الدينيّ وفي الأساطير وفي الآداب بوصفه هذا الدخيل المألوف، هذا المنافس المحبوب، هذا الشبيه الغريب، هذا المثيل الذي لا بدّ للذات من أن تستبعده كي تكون؟ ماذا عن هذا الأخ، هذا الشبيه، الذي يتلقّى الاعتراف الذي لم تتلقَّه الذات، هذا الذي يتلقّى الحبّ الذي كان من المفروض أن يكون موجَّها إلى الذات؟ ماذا عن هذا الأخ، هذا المنافس الدخيل، الذي لا شيء يَمنح اللذة غير رؤيته مختفيا، هو الذي استولى على ما كان من نصيب الذات؟ أليست الأخوة بالمكان المفضَّل لرهانات التنافس بحثا عن السلطة: فأنْ تكون أخا أمرٌ يستلزم أنْ تتنازل عن السلطة؛ وأن تكون أخا يعني أن تَقبَل بالإخصاء، وأن تتراجع عن بحثك عن السلطة والمتعة؟ لكن أتَستحضر الأخوة المنافسة والصراع والموت فحسب، ألا يمكنها أن تعني التعاون والتضامن والحب؟ ألا تعني الأخوة الشيءَ ونقيضَه: المنافسة/ التعاون؛ الكراهية/ المحبة؟