انهيار نظام الأسد: إعادة تشكيل الشرق الأوسط وتحليل إقليمي شامل*د. اخليف الطراونة
الراي
انهيار نظام بشار الأسد والسيطرة المفاجئة للمعارضة المسلحة على دمشق يمثل نقطة تحوّل تاريخية، مع تداعيات إقليمية ودولية واسعة. هذه التطورات تفتح المجال أمام تغيرات جذرية في خارطة التحالفات والسياسات في منطقة الشرق الأوسط، والتي تشمل تأثيرًا مباشرًا على دول الجوار كالأردن ودول الخليج، إضافة إلى الدول الفاعلة في الإقليم مثل: إيران ؛وتركيا؛ وإسرائيل. ويفتح هذا الانهيار الباب واسعًا على مصراعيه نحو مخاطر التقسيم بين مناطق نفوذ دولية وإقليمية. ولا شكّ في أن الأردن؛ بسبب قربه الجغرافي سيظل متأثرًا- بشكل- مباشر بما يحدث هناك، وقد يجد نفسه في دور الوسيط لتوحيد الأطراف السورية المتناحرة.
وتأتي هذه الأحداث المتسارعة وتطوراتها ؛لتؤكد رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني الاستراتيجية التي كان يدعو فيها إلى الوحدة السورية بين كافة أطياف الشعب السوري الواحد، والأثر المدمر الذي تتركه التدخلات وسياسات المحاور على سورية الدولة وشعبها. معتبرًا أن تقسيم هذه الدولة العزيزة على قلوب العرب؛ سيكون كارثيًا ليس على الشعب السوري فقط؛ ولكن على استقرار المنطقة بأكملها أيضًا.
وإذا كان انهيار النظام السوري يمثل ضربة قوية للمشروع الإيراني في المنطقة؛ فإن أكثر ما نخشاه من هذا التطور أن يتوجه الجهد الإيراني وتعويضًا لهذه الخسارة الجسيمة إلى بلدان أخرى، كالعراق واليمن ؛ ما يعزّز التطورات الطائفية في الإقليم، ويدفعه أيضًا إلى الهيمنة السياسية بشكل أكبر على الداخل اللبناني؛ ليستبدل به ضعف دوره العسكري في هذا البلد.
أما نحن في الأردن؛ فهناك تحديات أمنية وإنسانية سنواجهها جراء
انهيار النظام السوري الذي يزيد من احتمالية الفوضى الأمنية في الجنوب السوري، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأردن. فقد تشهد الحدود الشمالية تسلل جماعات مسلحة أو تدفق أسلحة بشكل غير قانوني، ما يفرض ضغوطًا على الجيش العربي الأردني.
وهناك تحدٍ إنساني يتمثل في تزايد النزوح السوري للأردن الذي يعاني من أعباء اقتصادية وإنسانية إضافية، حيث يعتبر من أكبر مستقبلي اللاجئين السوريين. وقد يتطلب الوضع دعمًا دوليًا كبيرًا لتخفيف الضغط على بنيته التحتية والخدمات الأساسية
أما بعض دول الخليج؛ فقد نشهد من خلالها إعادة تموضع إقليمي لبلدان مثل السعودية، التي ركزت جهودها مؤخرًا على تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، وربما تعيد النظر في استراتيجياتها. فانهيار النظام السوري يمثل خسارة لإيران، ما قد يدفع الرياض لدعم ترتيبات سياسية تضمن استقرار سورية بعيدًا عن التدخل الإيراني؛ في حين قد تنشط كل من الإمارات وقطر في دعم مشاريع إعادة الإعمار السورية كجزء من استراتيجياتها الاقتصادية والدبلوماسية؛ إذ قد تستغل قطر الفرصة لتعزيز علاقاتها مع المعارضة السورية، خصوصًا إذا تم دعم حكومة انتقالية تضم أطرافًا مدعومة قطريًا.
أما على مستوى بعض دول الإقليم ؛ فإن إيران ستواجه أزمة استراتيجية في توسعها الإقليمي بفقدان نفوذها؛ ما يزيد من اعتمادها على وكلائها، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، لتعويض الخسارة. ومع ذلك، ستواجه صعوبة في الحفاظ على ممر بري إلى البحر المتوسط.
بعكس تركيا التي هي من أبرز المستفيدين من هذا الانهيار، وتجد فيه فرصة مواتية لتوسيع نفوذها الإقليمي؛ وبخاصة في مناطق نفوذها في الشمال السوري. هذا التوسع قد يشكل جسرًا اقتصاديًا وسياسيًا جديدًا لتركيا، لكن وجودها في سورية قد يثير توترات مع إيران وروسيا، وحتى مع بعض الدول العربية.
وستنال إسرائيل: مكاسب استراتيجية مؤقتة، و ستستفيد من إضعاف إيران في سورية، لكنها ستواجه تحديات محتملة تتعلق باستقرار الحدود الشمالية مع لبنان والجولان. كما قد تدعم إسرائيل ترتيبات دولية تمنع إعادة تموضع أي قوة تهدد أمنها.
خارطة الشرق الأوسط الجديدة: تأثير أوسع على الدول العربية
1. لبنان:
• انهيار النظام السوري يضع حزب الله تحت ضغط كبير، ما قد يدفعه للتركيز على الداخل اللبناني لتعويض خسائره في سورية.
• تصاعد التوترات الطائفية في لبنان قد يكون نتيجة مباشرة لتراجع النفوذ الإيراني.
2. اليمن:
• إيران قد تصعّد دعمها للحوثيين لتعويض الخسارة في سورية، ما يزيد من تعقيد الصراع.
• في المقابل، السعودية والإمارات قد تزيدان من الضغط العسكري والدبلوماسي على الحوثيين لإنهاء الصراع.
3. فلسطين:
• تراجع الدعم الإيراني للفصائل الفلسطينية قد يدفعها لتوسيع علاقاتها مع دول أخرى كتركيا وقطر.
• إسرائيل قد تستغل الوضع لدفع أجندة التطبيع مع دول عربية أخرى.
4. دول المغرب العربي:
• الوضع في سورية سيعيد تركيز النقاش حول التدخلات الإقليمية في العالم العربي، وربما يؤدي إلى مزيد من الضغوط للتعاون العربي المشترك.
التحالفات الإقليمية والدولية
1. التقارب التركي-الخليجي:
• قد يؤدي انهيار النظام السوري إلى تعزيز التنسيق بين تركيا ودول الخليج، وبخاصة في مجال إعادة الإعمار ومحاربة الإرهاب.
2. الدور الأمريكي-الروسي:
• الولايات المتحدة قد تعزز جهودها الدبلوماسية لتجنب سيطرة روسيا الكاملة على الملف السوري، بينما تسعى روسيا للحفاظ على قواعدها العسكرية وتقليل الخسائر.
3. الصين:
• الصين قد تستغل الوضع لتعزيز استثماراتها في إعادة إعمار سورية، ما يعزز دورها الاقتصادي في الشرق الأوسط.
تصور مستقبلي للمنطقة
1. سيناريو التقسيم غير الرسمي:
• تبقى سورية مقسمة بين مناطق نفوذ دولية وإقليمية، مع غياب سلطة مركزية قوية.
2. سيناريو التوافق الدولي:
• يتم التوصل إلى تسوية دولية تنهي النزاع عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية مدعومة دوليًا.
3. سيناريو الفوضى:
• تتحول سورية إلى بؤرة صراع دائم، ما يؤدي إلى امتداد الأزمة إلى دول الجوار.
الخلاصة
انهيار نظام الأسد يمثل نقطة تحول في الشرق الأوسط، مع تداعيات واسعة على خارطة التحالفات الإقليمية والدولية. ويتطلب الأمر من الدول العربية ودول الجوار المطالبة بإعادة تقييم مواقفها، والعمل على بناء استراتيجيات جماعية لضمان استقرار المنطقة.