عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Mar-2020

دروس غير مريحة: إعادة تقييم لهجوم إيران الصاروخي في العراق - إيان ويليامز

 

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
* – (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية)
الغد- مر أكثر من شهر على قيام إيران بمهاجمة القوات الأميركية في العراق باستخدام وابل من الصواريخ الباليستية. ومع خروج قدر مهم من المعلومات الإضافية إلى دائرة الضوء، يبدو أن إجراء إعادة تقييم للهجوم الآن سيكون في محله. وتظهر المعلومات الأحداث أن الهجمات التي وُصفت في البداية بأنها عمل رمزي ينبغي تجاهله، كانت لها تداعيات أكبر من الانطباع السائد. وعلى سبيل المثال، لم تعد الأدلة المتوفرة حالياً تدعم التقييمات السابقة بأن إيران بذلت جهوداً خاصة لتجنب قتل أميركيين في الهجوم. كما تظهر الهجمات أيضًا أن قوى الصواريخ الباليستية الإيرانية، سواء في مجال التكنولوجيا أو الكفاءة التشغيلية، تمتلك القدرة على إحداث اضطراب كبير للولايات المتحدة والعمليات العسكرية الشريكة في الشرق الأوسط. وأخيراً، يُظهر الهجوم أن إيران أصبحت متسامحة مع تقبل المخاطر الاستراتيجية، وأقل ارتداعاً من تهديد التعرض لعمل عسكري أميركي. وقد يتطلب هذا الوضع الجديد من الولايات المتحدة تعديل موقفها فيما بتعلق بالقوات التي تم نشرها في المنطقة.
نية القتل
في 8 كانون الثاني (يناير)، أطلقت قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني ما يتراوح بين 15-22 صاروخاً باليستياً قصير المدى ضد القوات الأميركية في قاعدتين عراقيتين، انتقاماً لمقتل قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني. وبينما فشلت بعض الصواريخ في التحليق، وجدت الكثير منها أهدافها بدقة مذهلة.
في البداية، وصفت إدارة ترامب الهجوم بأنه “لم يلحق أي أذى” بالأميركيين، وبأنه ألحق أضراراً “طفيفة” بقاعدة عين الأسد الجوية التي تؤوي نحو 1.500 جندي أميركي. وقد استندت التسريبات من البنتاغون، بالإضافة إلى التحليل المستقل (بما في ذلك تحليلي الخاص)، إلى الافتراض السابق لأوانه بأن عدم وقوع وفيات كان نتيجة لجهود متعمدة بذلتها إيران لتجنب قتل الأميركيين، بحيث تسيطر بذلك على خطر التصعيد. ومع ذلك، فإن الصورة الكاملة لما حدث صباح يوم 8 كانون الثاني (يناير) لم تعد تؤيد هذا الاستنتاج.
أولاً، أصبحنا نعلم الآن أن الضرر قد لحق بالأميركيين. ففي حين لم يفقد أي من أفراد القاعدة حياتهم، تم إجلاء ما لا يقل عن 64 من أفراد الخدمة الأميركيين وعلاجهم من ارتجاج الدماغ وإصابات الصدمة الدماغية الرضيّة. وقد ارتفع هذا الرقم بشكل مطرد وقد يرتفع أكثر، حيث لا تظهر أعراض الصدمة الدماغية الرضّية دائماً على الفور.
ربما نجمت هذه الإصابات عن حقيقة أن القوات لم تكن كلها آمنة في مخابئ محصنة أثناء الهجوم. فقد ظل بعض الجنود الأميركيين في مواقع مكشوفة للدفاع عن القاعدة ضد أي هجوم بري محتمل، بينما بقي آخرون في الأعلى لمواصلة إدارة عمليات الطائرات من دون طيار. وقد تحدث هؤلاء الجنود عن اقترابهم بشكل خطير من مجال تأثير الرؤوس الحربية الباليستية الإيرانية.
وحتى أولئك الموجودون في المخابئ المحصنة لم يكونوا آمنين تماماً، وربما كانوا عرضة لصدمات التأثير. كانت ملاجئ الغارات الجوية في قاعدة عين الأسد صالحة فقط للصمود أمام الذخائر الصغيرة مثل الصواريخ الصغيرة وقذائف الهاون. ويحمل صاروخ كاتيوشا، وهو النوع الأكثر شيوعًا في ساحات القتال في الشرق الأوسط، ما بين 10 إلى 20 رطلاً من المتفجرات القوية. وعلى النقيض من ذلك، يمكن لصواريخ “فاتح 313” الباليستية أن تحمل أكثر من 1.100 رطل من الذخائر شديدة الانفجار. ومن غير المرجح أن هذه الملاجئ كانت ستصمد أمام ضربة مباشرة من صاروخ باليستي. وذكر ضابطان أميركيان، أحدهما قائد قاعدة القوات الأميركية في عين الأسد، أن الغارات جعلت أبواب الملاجئ “مثنية مثل الأمواج”.
كما يبدو واضحاً الآن أيضاً أن إيران لم “تصوّب لتفويت الهدف” أو تعمد إلى اختيار هياكل من غير المحتمل أنها تضم أفراداً أميركيين. وقد شملت المرافق التي أصابتها الرؤوس الحربية أماكن النوم -وليس مبنى يتم استهدافه في الساعة الواحدة والنصف صباحاً إذا كان المرء يعتزم تجنب قتل الناس. وشملت الأهداف الأخرى مهاجع الطائرات ومرافق دعم مماثلة. وعادة ما تعج القواعد العسكرية الأميركية، وخاصة تلك الموجودة في الخارج، بالنشاط على مدار 24 ساعة في اليوم. وعلى هذا النحو، لم يكن باستطاعة أي أحد يستهدف القاعدة أن يعرف على وجه اليقين أي هيكل معين سيكون غير مشغول في أي وقت معين.
كما أثار توقيت الضربات بدوره تكهنات بأن إيران ربما كانت لديها مخططات قاتلة لهجماتها. فقد جاءت الصواريخ في عدة موجات تفصلها في بعض الحالات أكثر من ساعة. ويشبه هذا النوع من القصف المتقطع تكتيكات المدفعية التقليدية، حيث يحاول المهاجم إعطاء انطباع خاطئ للخصم بأن القصف قد انتهى لإغراء المدافعين بالخروج من مخابئهم، فقط ليتم استئناف القصف بنتائج أكثر فتكاً. ووفقاً لقائد القاعدة، الليفتنانت كولونيل جارلاند: “كان ذلك وقتاً كافياً فقط ليجعلك تشعر بالأمان. رأيي أن ذلك كان يهدف إلى إيقاع إصابات”.
صحيح أن إيران حذرت الحكومة العراقية قبل حوالي 90 دقيقة من إطلاق أول صاروخ. وفي حين أن هذا الإخطار قد يشير إلى بعض الرغبة في الحد من الخسائر في الأرواح، فمن المحتمل بنفس المقدار أن يكون الدافع وراءه هو رغبة طهران في الحد من الأضرار التي لحقت بعلاقاتها مع بغداد. كما لم يكن هناك أي ضمان بأن العراقيين سيمررون المعلومات إلى الأميركيين.
في نهاية المطاف، كان الإنذار المبكر الذي أتاحه مجمع الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الأميركي، والذي جاء قبل تحذير إيران لبغداد بوقت طويل، هو الذي فعل الأكثر للحفاظ على سلامة القوات الأميركية. وبالنظر إلى روايات شهود العيان الذين شهدوا الهجوم، فقد لعب الحظ دوراً كبيراً أيضاً.
تعطيل عمليات القاعدة العسكرية
يشكل وجود قاعدة جوية مشلولة بسبب هجوم صاروخي أحد أكثر السيناريوهات إثارة للقلق بالنسبة للقوات الأميركية ومخططي وزارة الدفاع. وعلى سبيل المثال، قدرت دراسة أجرتها مؤسسة “راند” أن هجومًا يشن بـ50 صاروخاً بالسيتاً قد يجعل قاعدة جوية أميركية كبيرة غير صالحة للاستخدام للطائرات الكبيرة لمدة أسبوع.
حتى وقت قريب جداً، كانت الفكرة السائدة لدى العديد من محللي الصواريخ غير محددة المصدر هي أنه بينما تتحسن دقة الصواريخ الباليستية الإيرانية، فإنها ما تزال أفقر كثيراً من أن تتسبب بهذا المستوى من الاضطراب في العمليات العسكرية الأميركية. وقدرت دراسة أجريت في العام 2019 أن صاروخًا باليستيًا تقليديًا سيتطلب تحقيق إصابة ضمن حوالي 50 مترًا من الخطأ الدائري المحتمل، وهو مقياس لدقة الصاروخ، ليكون عمله موثوقاً ضد أهداف عسكرية صغيرة أو معززة. ويوضح الهجوم على قاعدة عين الأسد أن الصواريخ الباليستية الإيرانية قد تجاوزت تلك العتبة، مما يعطي طهران القدرة المحتملة على إعاقة فعالية القوات الأميركية في المنطقة.
تصور روايات الأشخاص الذين شاهدوا الهجوم مباشرة قاعدة مقفلة إلى حد كبير، في وضع البقاء على قيد الحياة فحسب. وقد ذهب أفراد القاعدة إلى الملاجئ في حوالي الساعة 11:00 مساءً، ولم يخرجوا من المهاجع حتى حوالي الساعة 4:00 من صباح اليوم التالي. واتخذت القوات الأخرى مواقع متفرقة خارج القاعدة وفي الطائرات. وبقي بعض الجنود فوق الأرض لحماية القاعدة من أي هجوم بري محتمل، وبقيت حفنة في الجنود في حاويات غير محمية جيداً للإبقاء على طائرات الاستطلاع من دون طيار في القاعدة عاملة في الجو.
ومع ذلك، لم يتمكن المشغلون من إدامة عمليات الطائرات من دون طيار أثناء الهجوم. وقال أحد الطيارين للصحفيين أن رأسا حربيا إيرانيا أصاب مهاجع النوم بجوار غرف العمليات، مما أجبر الملاحين على الانسحاب إلى المخابئ. كما أدى الهجوم إلى إتلاف أسلاك الألياف الضوئية التي تربط المحطة الملاحية بمعدات الاتصالات، مما أدى إلى قطع الاتصال عن الطائرات التي تحلق في الأعلى.
في حالة قاعدة عين الأسد، كان من حسن الحظ أن الموقف سمح للقاعدة بتعليق معظم الأنشطة حتى يهدأ الهجوم. ولو أن القاعدة انخرطت في صراع واسع النطاق مع إيران، فإن مثل هذا القطع للإيقاع التشغيلي كان يمكن أن تكون له تداعيات كبيرة على مسار الصراع.
تُظهر هجمات إيران الخطر الذي تشكله التطورات في قدرات الصواريخ العدوة على القوات الأميركية. ويتعين على الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات لتعزيز الأمن وقيمة الردع لقواتها من خلال تقليل تعرضها للهجمات الجوية والصاروخية. وتحتاج القواعد الأميركية الأمامية إلى التقوية ضد الهجمات الصاروخية التقليدية، بما في ذلك إنشاء الملاجئ المصممة لتحمل ضربة مباشرة من المقذوفات من فئة الصواريخ الباليستية. وبينما تصبح القوات الأميركية أكثر انكشافاً أمام الهجمات الدقيقة من الجو، تحتاج تدابير الدفاع السلبي، مثل التقوية والإخفاء والتمويه، إلى مزيد من التركيز.
بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الجيش الأميركي إلى كتائب دفاع جوي وصواريخ إضافية. وتتسم قوات الدفاع الجوي والصاروخي للجيش بأنها تنتشر بشكل غير كثيف وتفتقر إلى التمويل. ولذلك، لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن قاعدة عين الأسد كانت تفتقر إلى الدفاعات الصاروخية. ولو كانت هناك وحدة دفاعات، لكان من الممكن أن تقلل خطر حدوث وفيات، أو ربما كانت ستثني إيران عن شن الهجوم في المقام الأول.
تآكل الردع
بغض النظر عما إذا كانت إيران ترغب في إلحاق خسائر بشرية أو تجنبها، فإن قيادتها يجب أن تكون قد فهمت أن فرص وقوع وفيات في القوات الأميركية كانت كبيرة، لكنها ظلت راغبة في العمل على أي حال. وتظهر كثافة الدفاعات الجوية الإيرانية، التي تجلت بشكل مأساوي في إسقاط طائرة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية، الرحلة 752، اعتقاد إيران بأن التعرض لرد أميركي كان احتمالاً حقيقياً.
يعني أن تخاطر إيران باحتمال قتل أفراد عسكريين أميركيين أن قيادتها اعتقدت بأن فوائد الضربة تفوق رد الفعل المحتمل. وربما تؤشر هذه الحسابات على تحول في التفكير الإيراني. فحتى الآن، تصرفت إيران ضد الحلفاء والمصالح الأميركية من خلال الوكلاء إلى حد كبير. وعندما تصرفت إيران مباشرة، مثلما حدث في هجومها على منشآت النفط السعودية، فقد فعلت ذلك سراً ونفت في البداية مسؤوليتها. أما في هذه الحالة، فقد تصرف الإيرانيون علناً، وألقوا بأكثر من 17.000 رطل من المتفجرات القوية على القوات الأميركية. وتشير هذه الجرأة الجديدة إلى أن قوة الردع الأميركي في المنطقة قد تآكلت وانحدرت إلى مستوى جديد.
الحقيقة غير المريحة هي أن لهذا الحدث تداعيات خطيرة على حالة الردع الأميركي، وقد جلب الولايات المتحدة وإيران أقرب إلى الحرب مما قد تهتم الإدارة بالاعتراف به. وفي حين أن الدفاعات الإضافية للقوات الأميركية ضرورية، فإنها ستظل غير كافية للحفاظ على السلام. ولن تتحقق استعادة الردع الأميركي في المنطقة بين عشية وضحاها، وسوف تتطلب قيادة ثابتة يمكن التنبؤ بتصرفاتها.
لا أحد في الولايات المتحدة تقريباً، بما في ذلك الرئيس ترامب، يريد حرباً مع إيران. ومع ذلك، لو أن إيران قتلت جنوداً أميركيين في هجومها، فإن الضغط على الرئيس لمزيد من التصعيد ربما كان سيتضاعف بحدة.
مع ذلك، ليس لدى الولايات المتحدة وإيران الكثير لتكسباه من الحرب. وبهذا المعنى، كان الحظ إلى جانب كلا الطرفين حين لم تقع أية وفيات في القوات الأميركية. أما إذا كانت هناك مرة قادة، فإن هذا الحظ ربما لن يصمد.
 
* زميل في برنامج الأمن الدولي ونائب مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة.
*نشر هذا التحليل تحت عنوان: Uncomfortable Lessons: Reassessing Iran’s Missile Attack