عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Mar-2019

التوبیخ أمام الآخرین.. انکسار وجرح بالنفس ینفر الطفل من المجتمع

 • منذ 20 ساعة

مجد جابر
عمان-الغد-  ”بابا مشان الله ما تضلك تبھدلني قدام الناس“.. بھذه الكلمات التي رافقھا بكاء مستمر، تحدث الطفل فارس (9 سنوات) مع والده الذي كان ”یھینھ“ بأبشع الكلمات في أحد المولات، فقط لأنھ أوقع الأكیاس التي بیده وتسبب بكسر إحدى القطع الزجاجیة.
ردة الفعل التي ظھرت من الأب تجاه ابنھ، لم تكن تستحق ھذا الانفعال الذي جعل الكثیرین یتجمعون لمعرفة ما حصل.
صراخ الأب وتوبیخ ابنھ أمام الناس، جعلا حنین تقف مصدومة ومتسائلة عما یستدعي كل ھذه الإھانة والصراخ أمام الآخرین، مضیفة أن أكثر ما أحزنھا ھو عدم تدخل الأم ووقوفھا على الحیاد، ربما كي لا تنال جانبا من ”الصراخ والإھانة“.
وما یزال الكثیر من الآباء ”یجھلون“ كیفیة التعامل مع الأبناء أمام الغرباء، بل یتعمدون تعنیفھم لفظیا، ما یشعرھم بالإھانة. وھو ما أكدتھ رنا عبدالله التي تقول إن زوجھا یتعمد ”توبیخ“ أبنائھ أمام الآخرین ویزید ویبالغ كثیراً أمامھم، معتبرا أنھ بھذه الطریقة یثبت للناس أنھ صارم وقادر على تربیة أبنائھ ولا یتغاضى عن الخطأ.
لكنھ، كما تقول، یتناسى حجم الأذى النفسي الذي قد یخلفھ وراءه، والتسبب بضعف الشحصیة لدى طفلھ، لافتة الى أن أبناءھا أصبحوا لا یطیقون الخروج مع والدھم.
وأظھرت دراسة میدانیة حول العنف ضد الأطفال في الأردن أجرتھا منظمة الیونسف العام 2007 ،تعرض أكثر من ثلثي الأطفال الى الإساءة اللفظیة من الوالدین وأولیاء الأمور أي 70 %، وتعرض نصفھم تقریبا 49 % الى الإساءة نفسھا من الإخوة، ومارس الأقارب الإساءة اللفظیة على الأطفال بنسبة 13.%
والإساءة اللفظیة تستخدم بنسب أقل في العمر الأصغر، بالمقارنة مع العمر الأكبر، وذلك بسبب استخدام العقاب الجسدي، وھو الأسھل بالنسبة للصغار مقارنة بالكبار.
وفي ذلك، یذھب الخبیر بالوقایة من العنف ومستشار أول الطب الشرعي الدكتور ھاني جھشان، إلى أن الأطفال بعمر من 3 الى 12 سنة ھم بمرحلة التعبیر عما یجول في عقولھم بعفویة، ومرحلة إظھار قدراتھم الجسدیة بدون الأخذ بالاعتبار أنھم في مكان عام أو بحضور جلسة بھا أصدقاء أو أقارب.
وبدون إدراك منھم تكون بعض تصرفاتھم أو أقوالھم غیر مناسبة أن ترتكب أو تقال في مكان عام أو قد تشكل إساءة، مما قد یعرض الأطفال للتوبیخ والتأدیب والعقاب من قبل أحد الوالدین أو كلیھما.
ویشیر جھشان الى أن عواقب توبیخ أو ضرب الطفل في مكان عام وبوجود أشخاص یشعره بالإحراج والإذلال، مما قد یؤدي إلى المعاناة من الرھاب الاجتماعي في مرحلتي المراھقة والبلوغ. وھو ما یجعل الطفل یتجنب الخروج مع الوالدین في الأماكن العامة خوفا من تكرار التعرض للعنف وللإحراج أمام عموم الناس، ویتجھ نحو الانعزال في المنزل والامتناع عن المشاركة الاجتماعیة خلال زیارات الأصدقاء والأقارب.
ووفق جھشان، یتعزز السلوك السلبي لدى الطفل من ”قبول“ التواصل مع الآخرین بالصراخ وبالعنف في الأماكن العامة، مع احتمالیة أن یرتكب الطفل المتعرض للتوبیخ والتنمر ضد زملائھ بالمدرسة.
كما ینتج اضطراب في العلاقة ما بین الطفل ومن وبخھ، ویستمر ھذا الاضطراب لمرحلتي المراھقة والبلوغ؛ حیث یستاء الطفل من التواصل مع من وبخھ وخاصة حول ذكریات الطفولة.
ویضیف جھشان أن الشخص الذي قام بالتوبیخ یفقد صورة المثل الأعلى التي یتوجب على الطفل اتباعھا، وھذا ینعكس لاحقا على اتباع الطفل سلوكیات سلبیة، لافتاً الى أن توبیخ الطفل في مكان عام لن یعدل سلوكھ، ویؤدي الى أن یقوم لاحقا بسلوكیات سلبیة سرا بدون علم من وبخھ.
ویشیر جھشان الى أھمیة التأكد من أن الطفل لیس بجائع أو متعب أو مریض كون ھذه الأمور قد تفاقم تصرفاتھ السلبیة، لافتاً الى أن توبیخ الطفل المستمر قد یدمر شخصیتھ المستقبلیة مدى حیاتھ، ومن المتوقع من الأب أو الأم أن یتصرفا بحكمة ورویة بمحاولة إصلاح الموقف بلطف وبدون غضب ولوم الطفل.
ویضیف أن السلوكیات السلبیة للطفل قد تكون ناجمة عن شعوره بالإھمال ویرغب بأن یوصل رسالة لجلب الانتباه لھ، لافتاً الى أن الطفل یتوقع أن تتواصل معھ لفترة وإن كانت وجیزة بحضور الأصدقاء والأقارب، كما یتوجب التواصل معھ أثناء وجوده بالمكان العام والتحدث معھ حول ما یدور حولھ.
وقائیا، یتوجب الشرح للطفل حول ما سیتم بحضور الآخرین أو الذھاب لمكان عام بمستوى قدراتھ الإدراكیة، وتعلیم الطفل أھمیة المشاركة مع الآخرین، بأسلوب ھادئ على فترة طویلة قبل وخلال وجود الأطفال حولھ.
ویجب عدم توریط الطفل بإشراكھ في أنشطة اجتماعیة أو ریاضیة أو زیارات منزلیة، لا تتناسب مع مرحلة نموه وتطوره، بحسب جھشان، كما یجب أن یعلم والدا الطفل أن سلوكیاتھ مكتسبة ومن الممكن السیطرة علیھا بأن یكون الأب والأم المثل الأعلى للطفل، وھذا یحتاج لصبر وضبط النفس وتخصیص وقت كاف للتواصل معھ بطریقة إیجابیة ھادفة.
وینوه جھشان إلى ضرورة استخدام التعزیز الإیجابي، ویتم ذلك بمشاركة الطفل سلوكیاتھ الجیدة وتشجیعھ علیھا ومدحھ خلال لعبھ أو تناولھ الطعام أو مشاركتھ ألعابھ من إخوتھ أو زملائھ في الروضة.
الاستشاري الأسري أحمد عبدالله، یبین أن الإھانة أمام الآخرین تقتل في الابن ثلاثة جوانب مھمة؛ أولھا احترامھ لنفسھ، وھذا ما یجعل منھ شخصیة تابعة ومھزوزة ومھزومة، واحترامھ أھلھ، بالتالي مصدر أمنھ وأمانھ یصبح مھدداً بالنسبة لھ. وأخیراً تقتل احترامھ للآخرین، وھي مكونات التواصل الإنساني السلیم.
وبالتالي، ھذه الممارسة الأبویة تقتل في الأبناء مھارات تواصلھم واتصالھم بالآخرین، مبیناً أنھ من الممكن أن ینشأ ھذا الابن فاقدا لأي تقدیر ذاتي ومن الآخرین، وھذا ما یولد سلوكات جدیدة متعلقة بالعنف، أو التحرش، أو الانحراف بمختلف أشكالھ.
الى ذلك، یلغي المعیار الذاتي للصواب والخطأ لدیھ، ویصبح المعیار ھو ”الآخرین“ وماذا یقبلون أو یرفضون، وھو ما یدمر شخصیة الابن على المدى البعید، وفق عبدالله.
وفي ذلك، تذھب الأخصائیة النفسیة الدكتورة أسماء طوقان الى أن إھانة الطفل أمام الناس تعد من أنواع ”العنف اللفظي“، وذلك یؤثر علیھ من الناحیة النفسیة التي تنعكس على سلوكھ وشخصیتھ في المستقبل بشكل ملحوظ.
ضعف شخصیتھ وانعدام ثقتھ بنفسھ، وأیضاً تعرضھ لضغوطات نفسیة تؤثر على حیاتھ، كلھا آثار تتركھا الإھانة على الطفل، وفق طوقان التي تبین أن ذلك یعرضھ لإیذاء وجرح للنفس؛ إذ إن بعض الأطفال یكونون على درجة حساسیة عالیة ولا یحتملون الإھانة وقد یظھر لدیھم رھاب اجتماعي، فیصبحون انطوائیین ومنعزلین عن الناس بسبب خجلھم من مواجھتھم، بحسب طوقان.
كما یشعرن بعدم التقبل من قبل الآخرین وبأنھم غیر محبوبین، كما أنھم یشعرون بالذل، والخوف المستمر من التعرض للإھانة أمام الناس والغرباء، وھو الأمر الذي قد یسبب لھم الاكتئاب، خصوصا اذا استمر ھذا السلوك بشكل متكرر وعلى مدى طویل، الى جانب شعورھم الدائم بالقلق والتوتر.
وتضیف طوقان ”أن الطفل قد یمارس ھذا السلوك كنوع من ردة الفعل على الأطفال الآخرین، فیصبح عدوانیا وعنیفا ویستخدم الكلمات البذیئة مع غیره“.
وتعتبر أن ھناك أسالیب لعقاب الطفل عند ارتكاب الخطأ بعیدا عن الإھانة، مثل الحرمان من الأشیاء المفضلة لدیھ لمدة یوم أو أكثر، لكي یفكر جیداً قبل ارتكاب أي سلوك سلبي، مع التوضیح والشرح من الأھل لماذا تم حرمانھ منھ.
كذلك، یمكن اتباع أسلوب تكلیف الطفل بمھمات وأعمال في المنزل مثلا فیما یتناسب مع عمره، الى جانب مناقشة الخطأ معھ بغرفة منعزلة عن إخوتھ أو عن الناس حتى لا یرد بعناد.
وتضیف ”أحیانا ینبغي اتباع أسلوب التجاھل، فبعض الأطفال یقومون بالسلوكیات السلبیة لمجرد لفت الانتباه واستفزاز الوالدین، ویمكن أیضا عمل لوحة خاصة بسلوك الطفل وتسجیل النقاط لكل سلوك سواء كان سلبیا أو إیجابیا ویتم مكافأتھ علیھا، ومعاقبتھ على السلبیة“