الأسرى الفلسطينيون وكذبة حقوق الإنسان*د. محمود أبو فروة الرجبي
الغد
تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ قيامها باحتلال فلسطين تركيع الشعب العربي الفلسطيني، من خلال ارتكاب مجازر مرعبة بحقهم، وجعل الحياة صعبة بالنسبة لهم، والقيام باعتقالات عشوائية لعشرات الآلاف من الأشخاص، وخلق ظروف غير إنسانية في السجون لكسر إرادة هذا الشعب، وبالتوازي مع ذلك يقدم هذا الكيان سردية كاذبة للغرب مفادها أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وسط ديكتاتوريات لا تحترم حقوق الإنسان، والغريب أن الإعلام الغربي ولعقود طويلة، كان يروج لهذه السردية الكاذبة، ويغض الطرف عن عمليات التعذيب، وظروف الاعتقال غير الإنسانية الممارسة ضد الفلسطينيين بمختلف فئاتهم العمرية.
السردية الإسرائيلية تسيدت الساحة الغربية لعقود طويلة، رغم وجود تقارير حقوقية من منظمات مستقلة تتحدث عن نزع الإنسانية عن الأسرى الفلسطينيين، وقتل جزء منهم، وبتر أطراف آخرين، وترك الغالبية للأمراض تنهشهم، حرمانهم من حق العلاج، والحصول على محاكمات عادلة.
بدأ الانقلاب على السردية الصهيونية مع انتشار صور، وفيديوهات المجازر غير المسبوقة في غزة، إذ إن هذا الإرهاب يجرى – على عكس غالبية المذابح السابقة- أمام كاميرات وسائل الإعلام المستقلة، ويجري توثيقه بكاميرات الهواتف النقالة، ويرسل من خلال منصات التواصل الاجتماعي ليظهر للعالم حقيقة هذه الدولة التي تمارس الإرهاب بكل صنوفه، وتعتدي على استقلال الدول الـمجاورة، وتقصف في أي مكان دون رادع، أو احترام للقانون الدولي، وفوق ذلك، تعامل الأسرى بطرق غير إنسانية تنتمي للقرون الوسطى.
سنتطرق في هذا المقال إلى التقارير الدولية التي تدين الاحتلال في هذا الجانب، رغم أن أي إنسان عادل رأى حال الأسرى الفلسطينيين الذين ظهروا أمام الكاميرات أثناء صفقة التبادل الأخيرة يعرف جيدًا كيف كانت تعاملهم الدولة التي تسوق نفسها على أنها حضارية، وتعيش في وسط عربي متوحش، وفي الـمقابل نرى أسرى الطرف الـمقابل، الذين كانوا محتجزين في ظل حصار قاتل على القطاع، وهم بأيدي مقاتلين وفصائل وليس دولة، ومع ذلك، كانوا أفضل حالًا، مما يظهر همجية هذا الكيان، واعتدائه الصارخ على كل الأعراف الدولية.
وفقًا لمنظمة امنستي amnesty.org. فإنه وبعد السابع من أكتوبر اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 2,200 فلسطيني (رجالًا ونساء)، ونتيجة لذلك ارتفع عدد المعتقلين الإداريين (دون تهمة أو محاكمة) من 1,319 قبل الحرب إلى 2,070 بحلول 1 نوفمبر 2023 – وهو مستوى غير مسبوق منذ 20 عامًا. كثير من هؤلاء معتقلون إداريًا إلى أجل غير مسمى دون توجيه اتهامات رسمية أو محاكمات، وهذا لا تقوم به سوى دول ديكتاتورية ليس لديها قانون، ولا تتعامل بإنسانية مع الآخرين.
وفي السياق ذاته أفاد معتقلون فلسطينيون أفرج عنهم ومحامون حقوقيون بتفش للتعذيب وسوء المعاملة بحق الأسرى في السجون الإسرائيلية خلال الحرب، وقد بثت امنستي amnesty.org. ومنظمة منظمة العفو الدولية مشاهد مروعة لجنود إسرائيليين ينهالون بالضرب المبرح على الأسرى، ويهينون المعتقلين بعد تقييد أيديهم وعصب أعينهم، ومن أساليب الإذلال التي وردت في التقارير إجبار المعتقلين على الركوع ورؤوسهم منكسة، وإرغامهم على إنشاد أغانٍ إسرائيلية تحت وطأة الضرب، وتحدث معتقلون آخرون عن تعرضهم للركل والقفز على أجسادهم وهم مكبلون، وحتى قيام بعض الجنود بالتبول على بعضهم وهم مكبلون إمعانًا في الإهانة.
ومن خلال تقارير صحفية أخرى تم التأكيد على أن الاعتقالات كانت تشمل مواطنين مدنيين لا علاقة لهم بالقتال، ويصل الأمر دائمًا وبشكل ممنهج إلى اعتقال أطفال وتعذيبهم، بطريقة وحشية، وأجزم لو أن دولة عربية أو مسلمة فعلت ذلك، لقامت الدنيا عليها ولم تقعد، ولعملت الدورات، والندوات، والمؤتمرات التي تبحث في كيفية إيقاف هذا الإرهاب، ولوصم كل العرب والـمسلمين بالوحشية، والتطرف، ومع ذلك، لم تتم الإشارة من غالبية الدول، ومعظم المنظمات الدولية إلى أن هذا يدخل في باب التطرف، رغم وجود قرارات من محاكم دولية تدين هذه الأعمال، وتجرمها، ومع ذلك فإن الدعم القادم من الولايات الـمتحدة الأميركية، وبعض الدول الغربية لدولة الاحتلال غير محدود، ولا يتم في مؤتمراتهم الصحفية الحديث أبدًا عن معاناة الفلسطينيين، ولا أحد يشير إلى الأسرى الأطفال والنساء وكبار السن ومعاناتهم.
نعود إلى تعذيب الأسرى الفلسطينيين، فالانتهاكات لم تقتصر على الضرب والإهانة، بل شملت أساليب تعذيب جسدي ونفسي متنوعة. ففي تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في يوليو 2024 كشف أن آلاف الأسرى الفلسطينيين تعرضوا للصعق الكهربائي والإيهام بالغرق (waterboarding)، بالإضافة إلى حرمانهم من النوم والطعام والماء لفترات طويلة abc.net.au. وأفاد التقرير ذاته بتعرض محتجزين لهجمات كلاب مدربة تنهش أجسادهم، إضافة إلى حرق أجسادهم بالسجائر، وتعليقهم من المعصمين لساعات طويلة، هذا عدا عن شهادات وردت حول العنف الجنسي بحق معتقلين ومعتقلات، حيث تعرض بعضهم للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي من قبل المحققين أو الجنود، وبشكل عام، وضع العديد من الأسرى في ظروف احتجاز قاسية ولا إنسانية فقد احتجزوا في مراكز اعتقال عسكرية مؤقتة أشبه بالأقفاص في صحراء النقب، مجردين من ملابسهم.
وتشير الأمم الـمتحدة un.org إلى أن ما لا يقل عن 75 فلسطينيًا توفوا في السجون الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر 2023، وأسوأ المعتقلات كان معسكر سجن سديه تييمان (سجن النقب) الذي أقيم لاحتجاز المئات ممن اعتقلوا من غزة خلال العدوان الأخير عليها، ولم يقتصر وصف ذلك من قبل منظمات دولية بل إن صحيفة هآرتس وCNN وأسوشييتد برس أشارت إلى انتهاكات فظيعة بحق الأسرى الفلسطينيين، ومنها حرمانهم من الدخول إلى المراحيض، ناهيك عن أن هناك شهادات توثيق إصابة بعض الأسرى بإعاقات دائمة وبتر أطراف نتيجة التعذيب المتواصل وهم مكبلون.
ولن نتحدث هنا عن حرمان الأسرى من الرعاية الصحية، بل واعتقال الطواقم الطبية الفلسطينيية وقصفها، وغيرها، ولكننا سنتساءل: من سيصدق بعد مائة سنة من الآن أن العالم في القرن الحادي والعشرين، عصر الرقمية، ومنصات التواصل الاجتماعي تحدث به مثل هذه الانتهاكات الخطيرة، دون إجراءات حاسمة من دول العالم، والسؤال الأكبر الذي يجب أن يطرح: هل يصدق أحد في العالم كذبة أن هناك شيئا اسمه حقوق إنسان؟.. نترك الإجابة لكم.