عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Feb-2019

مشروع قانون الجرائم الإلكترونيّة والأمن القانونيّ - الدكتورة نهلا عبد القادر المومني

الراي -  تعدّ الصّياغة التشريعيّة المُنضبطة والقائمة على أسس منهجية ورؤية واضحة الطريق المُؤدي إلى كفاية التّشريع، ومفهوميته، وبلوغيته، وتحقيقه للتّوازن بين مصلحة الجماعة وحقوق الأفراد وحرّياتهم. والصّياغة التشريعيّة بمفهومها المُتكامل لا تقتصر على إخراج النّص القانونيّ بصورته النهائيّة وإنّما تتجاوز ذلك لتشمل دراسة مدى الحاجة إلى النّص التشريعيّ، ودراسة الجدوى التشريعيّة منه، ومدى وجود ثغرات حقيقية في المنظومة القائمة على أرض الواقع تستدعي تبنّيه؛ وذلك منعاً للتّضخم التشريع يّوما قد ينتج عنه من تضارب تشريعيّ وازدواج تشريعيّ أيضاً يؤدي إلى إضعاف الهيكل القانونيّ للدولة ويقف حائلا ًأمام تحقّق العلم اليقيني ّللمُخاطبين بنصوصه.

وانطلاقًا ممّا سبق وفي قراءةٍ لمشروع القانون المعدّل لقانون الجرائم الإلكترونيّة لسنة 2018م نجد أنّ المُشرّع ارتأى أن يُعيد تكرار مجموعة من المواد القانونيّة الواردة في قانون العقوبات ليضعها مُجدّداً في مشروع قانون الجرائم الإلكترونيّة، كان أبرزها نص المادة (150 (والمُتعلقة بإثارة النّعرات العنصريّة أو المذهبيّة مع إجراء تعديلاتٍ طفيفةٍ عليها ليُدرجها تحت بند تعريف خطاب الكراهية في الوقت الذي كان من الأولى أن يقوم المشرعّ بتطوير نص المادة(150 (الوارد في قانون العقوبات نظراً لاتّساع مدلوله وعموميته لا أن يقوم بنقل النّص ذاته على علّاته وما ينتج عن ذلك من توسيع نطاق المُلاحقة والتّجريم.
وكذلك الحال في التعديل المُدخل بموجب مشروع القانون ذاته على نص المادة (11( المُتعلّقة بالذّم والقدح والتّحقير عبر النّظام المعلوماتيّ، وكما هو معلوم فإنّ الذّم والقدح والتّحقير مُجرّم ابتداءً في قانون العقوبات، والذي جاء مُفصّلاً لكلّ حالةٍ على حده، وجاء مراعياً في الوقت ذاتهلمبدأ التّفريد العقابيّ، فلم يضع الذّم والقدح والتّحقير على سويةٍ واحدةٍ كما هو الحال في قانون الجرائم الإلكترونيّة والقانون المُعدّل له.
كما قام المُشرّع بإعادة تكرار نص المادة (192 (المتعلقة بذم الموظف، ناهيك عن تجريم الابتزاز والاحتيال الواقع بواسطة النّظام المعلوماتيّ. ويبرّر المُشرّع هذا التّكرار بخصوصية الجرائم الواقعة في الفضاء الإلكترونيّ في الوقت الذي تنص فيه المادة(15( من قانون الجرائم الإلكترونيّة على أنّكلّ من ارتكب أيّ جريمةٍ مُعاقبٌ عليها بموجب أيّ تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتيّة أو أيّ نظام معلوماتيّ يُعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التّشريع.
إنّا لنّتيجة المُترتّبة على اتّباع سياسة التّكرار هذه ، هي خلق حالة من التّضخم والازدواجية التشريعيّة المُؤدّية إلى التّضارب في العديد من الحالات ، والتي تُعدّظاهرةً تقف أمام عملية التّطور التشريعيّ وتُنبّئ بتغيير التّشريعات بعيداً عن الدراسة المُتأنية والمُعمّقة.
والأهم من ذلك كلّه، هو أن ما يتم من ازدواجية وتكرار تشريعيّ يؤدي إلى غياب الأمن القانونيّ للأفراد نتيجة عدم قدرتهم على ضبط سلوكهم وفق النّص القانونيّ، فالقانون قد يؤدي دوره في ترسيخ دولة الحق، كما قد يستخدم في الوقت ذاته كأداةٍ لتوسيع نطاق المُلاحقة من خلال كثرة النّصوص الناظمة للفعل ذاته أو من خلال غموض النّصوص وعدم دقتها فتمسي قيداً غير مشروع على الحقوق والحرّيات.