مواجهة أم مناورة؟ | أ.د. صلاح العبّادي
الرأي-
عمون-
| أ.د. صلاح العبّادي-
جرس إنذار جديد أطلقته تصريحات المبعوث الأميريكي توماس برّاك حوّل مستقبل لبنان وربطه بسلاح حزب الله.
المبعوث حذر من احتمال عودة لبنان إلى بلاد الشام حال لم تقم الدولة اللبنانية بحصر السلاح، بل ورهن ذلك بإطار زمني أميركي هو "صبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب".
التحذير الأميركي لم يلقَ من حزب الله سوى التأكيد على أنّ سلاحه يندرجُ تحت عنوان حماية لبنان، ورفضه الحديث عن نزعه في ظل الوضع الراهن.
ما الذي يعنيه التحذير الأميريكي الجديد؟ وما هي الخيارات المتاحة للدولة اللبنانيّة بل ولحزب الله؟.
تصريحاتٌ المبعوث الأمريكي برّاك بشأن لبنان يتردد صداها في الداخل السوري، كما أنّ المبعوث الأمريكي أكّد الالتزام بدعم العلاقة بين دمشق وبيروت، بعد تحذيره من تهديد وجودي يواجه لبنان إن لم ينزع سلاح حزب الله.
هذهِ التصريحات أثارت الجدل والتساؤلات حول دور واشنطن المستقبلي في لبنان، وشكل العلاقة بين دمشق وبيروت من وجهة النظر الأمريكية.
المبعوث برّاك أكّد أن سوريا تتحرك، لاغتنام الفرصة التاريخية التي أتاحها لها رفع العقوبات من قبل الرئيس ترامب. وأوضح أن قادة سوريا يريدون التعايش والازدهار المتبادل مع لبنان.
وجدد تأكيده بالتزام الولايات المتحدة بدعم العلاقات بين سوريا ولبنان على أساس جارين متساويين، وذوي سيادة ينعمان بالسلام والازدهار.
برّاك كان قد حذر من مشكلة التهاون بسلاح حزب الله، وقال إن لبنان قد يواجه تهديداً وجودياً بالوقوع في قبضة القوى الإقليمية وما عودته لما أسماه لبلاد الشام.
نزعُ سلاحِ حزب الله أو العودة إلى بلاد الشام مرة أخرى هو التحذير الذي أطلقه المبعوث الأمريكي الخاص من عدم التهاون في حل مشكلة حزب الله اللبناني؛ من خلال تصريحات براك التي كانت لصحيفة "ذا ناشونال" - الجمعة الماضية - التي أكّد فيها أنّ لبنان قد يواجه تهديداً وجودياً في الوقوع بقبضة القوى الإقليمية؛ إذا لم يتحرك ويعالج قضية أسلحة حزب الله. كما أنّ المبعوث وصف الوثيقة التي قدمها لبنان بشأن اشتراطات تفكيك سلاح حزب الله بأنّها متجاوبة للغاية، وأقرَّ في الوقت نفسه بوجود نقاط خلافيّة.
عبارة عودة لبنان إلى بلاد الشام دفعت برّاك للخروج بتوضيح حول هذهِ التصريحات، أكّد فيها أنّ قادة سوريا يريدون التعايش والازدهار المتبادل مع لبنان، واكّد التزام الولايات المتحدة بدعم العلاقات بين البلدين الجارين.
أمّا المدة الزمنية الأمريكية الممنوحة للبنان حول إنهاء سلاح حزب الله فالأمر حسب تصريحات برّاك، الأمر مرتبط بـ"نفاد صبر ترامب"، وطالب اللبنانيين بالتحرك واستغلال هذهِ الفرصة.
في المقابل نائب مسؤول منطقة البقاع في حزب الله فيصل شكر قال إنّ كل الأمور قابلة للنقاش باستثناء سلاح الحزب، وهدّد بنزع أرواح من يرددون هذهِ الكلمة.
أيضاً نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله محمود قماطي قال إنّ هناك خلط بين حصر السلاح وبين قضية سلاح المقاومة، وأشار إلى أنّ حصر السلاح يشمل الأمن الداخلي، أمّا سلاح المقاومة يندرج ضمن إطار الدفاع عن لبنان ويُبحث على طاولة الحوار مع الرئيس جوزيف عون حول الاستراتيجية الدفاعيّة حسب تعبيره.
القيادي في الحزب أضاف إن رد الحزب تضمن بأنّه لا بحث بشأن أي أمر جديد ما لم ينفذ اتفاق وقف إطلاق النار، قبل ذلك الحزب ليس مستعداً للتعاطي مع أي بندٍ جديد.
تصريحات المبعوث كانت خارج كل السياق الذي كان يتحدث فيه في لبنان، ومجرد أن وصل إلى واشنطن وصرح بهذا التصريح أثار عاصفة من الردود والاستغراب في الداخل اللبناني، حول هذا المضمون.
هذا التوصيف أو الخطاب يجب أن يؤسس لحوار وطني في الداخل اللبناني حوّل حصرية السلاح، في ظل هذهِ العقليّة التي يتحدث فيها قادة الحزب حول سلاحهم.
كما أنّ ثمن تمسك الحزب بسلاحه ربما يكون عزله دوليّة للبنان تلوح بالأفق، في وقت يقول الحزب بأنّ هذا السلاح هو لحماية لبنان أولاً، والآن هو ذريعة ضد سيادة لبنان.
ويكمن السؤال صراحةً حول ما هو الدور الكبير الذي قدمه الحزب بعد حرب الإسناد، وبعد إتفاق وقف إطلاق النار هذا السلاح والإصرار على حملهِ حتى يتم إقناع اللبنانيين بتحمّل تبعات كل ذلك؟! رغم أنّ ذلك قد يكون له تبعات متعلقة بعقوبات دوليّة أو دعم أمريكي لإسرائيل لاستئناف ما كانت قد بدأته في لبنان.
كما أنّ احتلال إسرائيل لخمس نقاط جديدة في لبنان أليس هي لعنة جديدة اليوم بسبب سلاح الحزب؟!.
الأولوية اليوم للبنان يجب أن تتمثل في ابعاده عن شبح خطر التصعيد والمواجهة، وحماية سيادته، وتجنب إعادة الحرب مرّةً أخرى، بعيداً عن مناورة الحزب وشراء الوقت عبر توصيفات جديدة، لأنّ حديث الحزب عن إستراتيجيات دفاعيّة جديدة لم تعد مجديّة مع الجانب الأمريكي الذي يتحدث بأنّ "ترامب صبره محدود".
ويبقى تصاعد الضغوط الأميركية والدوليّة بشأن سلاح حزب الله في لبنان، متعلق بمستقبل هذا السلاح ودوره في المعادلة السياسيّة. في وقت يدور الحديث حول الرؤية الأميركية لإعادة التعاطي مع الملف اللبناني من جديد، ضمن ركيزة أساسيّة مفادها حصر السلاح بيد الدولة اللبنانيّة، ورفض وجوده بيد الحزب كقوة عسكريّة موازية للجيش اللبناني تسعى لعرقلة استقرار لبنان والعبث بسيادته، على حساب الجيش اللبناني الذي يتعين عليه حماية لبنان والدفاع عن سيادة الدولة.
لكنّ المبعوث عاد بتصريحات من جديد ليؤكّد بأنّه لم يهدد لبنان عندما تحدث عن عودتها إلى بلاد الشام؛ إذا لم يتحرك لبنان باتجاه نزع سلاح حزب الله. ورغم ذلك فإنّ توضيحه لم يوقف الجدل والمخاوف في لبنان من تصريحاته السابقة.
لماذا تلتزم الدولة اللبنانيّة الصمت رغم مرور أيامٍ على تصريح برّاك بظم لبنان إلى بلاد الشام في حال لم يتم حصر السلاح بيد الدولة؟ وأي إنعكاسات على الأوضاع في لبنان؟.
"الرأي"