الدستور
«نحن الشعب اليهودي نتحكم بأمريكا، والأمريكان يعرفون ذلك»، شارون.
في خطوة أثارت استياءً دوليًّا واسعًا، انفردت الولايات المتحدة باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، معارضةً إرادة أربع عشرة دولة أخرى، لتمنع صدور قرار يهدف إلى وقف المجازر في قطاع غزة وتحدت قرار محكمة الجنايات الدولية باعتقال المجرمين نتن ياهو وغالانت. تزامن ذلك مع رفض غالبية أعضاء الكونغرس الأمريكي لمقترح قدمه السناتور بيرني ساندرز، والذي يدعو إلى فرض قيود على تصدير الأسلحة المستخدمة في غزة.
استمعتُ إلى خطاب لرئيس مجلس النواب الأمريكي، مايك جونسون، في السفارة الصهيونية بمناسبة ذكرى قيام الكيان الصهيوني، حيث أشار إلى أن إنشاء الكيان الصهيوني جاء تنفيذًا للوعد الإلهي لإبراهيم وإسحاق ويعقوب، مؤكدًا أن هذا لم يكن ليتحقق إلا بإسقاط الخلافة الإسلامية والقضاء على النازية. وحين سُئل في مقابلة تلفزيونية عن قتل الأطفال في غزة، كرر تصريحات نتنياهو بأن المعركة هي بين الخير والشر والنور والظلام، محملًا حماس المسؤولية بزعم استخدام الأطفال دروعًا بشرية، وأنهم وحدهم الذين يتحمّلون المسؤولية.
ومن المشاهد اللافتة في هذا السياق، ظهور نيكي هيلي، المرشحة السابقة للرئاسة الأمريكية، وهي تكتب عبارة تحريضية على صاروخ إسرائيلي تقول: «خلصوا عليهم». كما برز موقف وزير الخارجية الأمريكي الشاحب أنتوني بلينكن في زيارته الأولى للكيان بعد السابع من أكتوبر، حين عرّف عن نفسه قائلًا: «جئتكم كيهودي».
إن تصرفات هؤلاء المسؤولين تعكس اضطرابًا نفسيًا وسلوكًا إجراميًا يستحق المحاكمة، ويضعهم في مصاف أشهر المجرمين في تاريخ البشرية؛ كالحجاج وهتلر وموسوليني وستالين وهولاكو... بل يبدو أنهم تلاميذ مقارنةً بهؤلاء. على الأقل، أولئك ارتكبوا جرائمهم تحت غطاء من المبادئ الأخلاقية المزعومة، بينما هؤلاء انتهازيون متسلقون يتظاهرون بلباس أخلاقي، ويعتبرون السياسة مجرد لعبة، مدفوعين بمصالحهم الشخصية ومصالح داعميهم لا يهمهم سوى مصلحتهم الشخصية ومن يموّل الكرسي الذي يجلسون عليه.
تستند مواقفهم إلى نظريات عنصرية وفكر متطرف فيؤمنون بأدبيات ونظريات تحضّ على الكراهية، مثل نظرية صمويل هنتنجتون حول حتمية الصراع بين الإسلام والحضارة الغربية الرأسمالية.
لقد أعلنوا عن مخططاتهم بوضوح، والتي تشمل نشر ما يسمونه «الفوضى الخلاقة»، وتفتيت العالم العربي، وضمان الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. تتجلى هذه المخططات في مشاريع مثل: «القرن الأمريكي» و»الانفصال النظيف» و»إسرائيل الكبرى» و»السوق الشرق أوسطية»... التي تهدف إلى استعباد شعوب المنطقة وتحويلهم إلى عبيد للصهاينة.
كشفت وثيقة صادرة عن مجلس السياسات الدفاعية الأمريكية عام 2002 عن الهدف النهائي لهذه المخططات، وهو زوال النظام العربي؛ حيث قالت: «لن يبقى من النظام العربي إلا الذكرى، وأرشيف سيُحفظ في مكتبة الكونغرس».
لا يجب أن ننسى أبدًا أن هناك حربًا منهجية مفتوحة على الإسلام. فقد كشفت الباحثة ديبا كومار في كتابها «إسلاموفوبيا وسياسات الإمبراطورية» (Islamophobia and the Politics of Empire) ، عن مؤتمر نظمته المنظمات الصهيونية عام 1979حضره ممثلون عن الولايات المتحدة، من ضمنهم جورج بوش الأب ومناحيم بيغن، كان هدف المؤتمر تصنيف كفاح الشعب الفلسطيني وحق تقرير المصير تحت مسمى الإرهاب.
بعد ذلك بخمسة أعوام، عُقد مؤتمر آخر في واشنطن جمع المحافظين الجدد والأحزاب الصهيونية، وفيه تم الربط بشكل ممنهج بين الإسلام والإرهاب، وكان من أبرز المتحدثين المؤرخ برنارد لويس، الذي صور الإسلام كدين سياسي يستخدم العنف، ويستخدم السياسة والإرهاب لتحقيق أهدافه، على عكس المسيحية واليهودية.
تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية تقوم على إذكاء الخلافات الطائفية بين السنة والشيعة، مستغلة مخاوف دول المنطقة.
دون شك، تتمحور السياسة الأمريكية في المنطقة حول ضمان تفوق الصهاينة وإضعاف أو تدمير أي قوة قد تهدد هذا التفوق، إلى جانب تأمين مصالحها في تجارة السلاح والنفط، وإبقاء الأسواق مفتوحة لتسويق منتجاتها، والحفاظ على نفوذها العسكري والاقتصادي.
من الضروري إدراك أن الولايات المتحدة، التي تدّعي قيادة «العالم الحر»، تتخذ موقفًا معاديًا صريحًا تجاه أمتنا العربية والإسلامية، ولا تختلف عن الصهاينة. عداؤها صريح ومعلن، وهو موقف أثبته التاريخ ويؤكده الواقع المعاصر.
وكما يقول المثل، فإن «الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وجهان لعملة واحدة»، وهو توصيف دقيق يعكس حقيقة العلاقة بين الطرفين.