الراي
قد لا تضيف هذه المقالة جديداً لما يجمع عليه الشارع بمختلف فئاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وقد لا يختلف مضمونها عن الكثير مما قيل وكتب كنصائح لحكومات جديدة، ونقد لحكومات كانت على رأس عملها، ومارست مهامها تحت عناوين متعددة، لكنها أخفقت في زحزحة حالة عدم الثقة المتجذرة بين تلك الحكومات والشارع.
ومن متطلبات الدقة القول بأن من يخرج عن تلك القاعدة هم المنتفعون من تلك الحالة، والشركاء في صنعها. والذين يحاولون الدفاع عن مصالحهم، وهم فئة قليلة العدد لكنها كبيرة التأثير.
بالطبع، ليس المجال هنا للدخول في تفاصيل هذا الملف الشائك، ليس باعتباره معلوماً، ومكشوفاً للعامة فقط، وإنما لضخامة عناصره، وتعدد مجالاته، وصعوبة الإلمام بها في عجالة كهذه. ويبقى المجال متاحا لإلقاء الضوء على بعض العناوين التي يراها الشارع أساس البلاء، ويتمنى أن يشهد أداء حكوميا جريئا يخوض في تفاصيلها تشخيصا وعلاجا، ويرى أن حلها يعني الدخول في مرحلة جديدة من الثقة بين أطراف المعادلة» الشعب والحكومات».
في هذا السياق، هناك عنوانان، أولهما عام، والثاني خاص، ويمكن أن يدخل الثاني ضمن نطاق الأول ليتحولا إلى عنوان واحد. وهما الفساد والطاقة.
فالإحساس العام بالفساد حالة قائمة، ومتواصلة، رغم نفي الحكومات لها، والتعامل اليومي مع ملف الطاقة يؤسس لتلك القناعة، ويقدم البراهين على تجذرها. ويندرج تحت العنوان الأول عناوين فرعية عديدة، تمتد ما بين الفسادين الإداري، والمالي، وتبدأ بعمليات التوظيف بمختلف فئاتها، ولا تنتهي في مجال الإنفاق من المال العام، سواء أكان إنفاقا ترفيّا مباشرا أو من خلال العطاءات والعقود الكبرى، والتّنفّع منها.
والعنوان الثاني، وهو الأشد ضررا على كافة قطاعات الإنتاج في الدولة، فهو قطاع الطاقة. حيث تشير بعض المعلومات إلى أن أسعار الطاقة في الأردن هي الأغلى على مستوى العالم.
وفي تفاصيل ذلك الغلاء وأسبابه، ثمة إشكالات عديدة، تتجاوز عمليات التسعير الغامضة، والرسوم المقطوعة على كل ليتر من المحروقات، وكل كليو واط من التيار الكهربائي. وتدخل ضمن نطاقات غير مفهومة، محورها التزام حكومات سابقة بشراء كميات من التيار الكهربائي من شركات توليد خاصة تفوق الحاجة الفعلية بأكثر من 25 بالمائة ولمدة 25 سنة، وتكون هذه الكميات مدفوعة الثمن سواء استهلكت أم لا. والتزام آخر بتوريد محروقات لتلك الشركات بأسعار ثابتة طيلة مدة العقد.
وبالتزامن، تطبيق نظام فريد لتوزيع الكهرباء، يفرض على المستهلك تحمل كلف الكميات المولدة، وغيرها، المسروقة من قبل متنفذين، والمفقودة نتيجة التسرب من الشبكات. مع رسوم إضافية تتناسب طرديا مع الأسعار العالمية للمحروقات.
تلك الاتفاقيات المجحفة تتمسك بها الحكومات المتعاقبة، وتتجاهل المطالب الشعبية بأن يتم التحقيق مع من وقعوها، والبحث عن شبهة فساد ومحاسبة من أقدم على تلك الفعلة التي تحولت إلى كابوس أرهق الاقتصاد وحمّل المواطن ما لا يستطيع حمله، كما حمل الحكومات المتعاقبة مسؤولية انعدام الثقة.
فهل تفلح الحكومة الجديدة في تسجيل إنجاز يدخلها التاريخ من أوسع أبوابه؟ نتمنى ذلك.