القضية الفلسطينية بين الحراك الدولي والعدوان الاسرائيلي المستمر *عبدالله كنعان
الراي
القضية الفلسطينية تشكل الملف الحقوقي والدبلوماسي الأبرز عالمياً، والمعاناة والمأساة الأكثر تعاطفاً عند الرأي العام الدولي، وذلك بالرغم من سخونة الأحداث الدولية واشتعال العديد من الأزمات والحروب الدولية، مثل الحرب الروسية الاوكرانية والصراع الاسرائيلي الايراني ودخول الولايات المتحدة الامريكية على خط المجابهة، الا أن القضية الفلسطينية وجوهرتها القدس تبقى هي الأبرز على الصعيد الإقليمي والدولي، وهذا بالطبع مرتبط بعدالة وشرعية المطالب التاريخية والقانونية الفلسطينية بتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، إضافة لفظاعة ووحشية العدوان الاسرائيلي على غزة والضفة الغربية، واتجاهها نحو بث القلاقل وزعزعة المنطقة بالاعتداء على سيادة الدول في الاقليم بما في ذلك لبنان وسوريا واليمن وايران بذريعة واهية هي الأمن والسلام للاحتلال الاسرائيلي!.
ان نهج الاعتداءات والعدوان الاسرائيلي لم يقتصر على هجمة الإبادة والتدمير ضد الشعب الفلسطيني في غزة والقدس وكافة مدن ومخيمات الضفة الغربية، بل شمل أيضاً اجراءات استعمارية تقوم بها حكومة اليمين الاسرائيلية المتطرفة، وفي وقت تستغل فيه هذه الحكومة الحزبية الصهيونية المتشددة تركيز العالم على ما يلوح في الأفق من مؤشرات تنذر باحتمالية نشوب حرب اقليمية واسعة ساهم في اشعالها العدوان الاسرائيلي على ايران، ومن مظاهر ما يُمكن تسميته بالتفرد الاستعماري الاسرائيلي، هو تزايد عدد الضحايا من الشهداء والجرحى والمهجرين في غزة المنكوبة، حيث ارتقى اكثر من 58 الف شهيد واكثر من 138 جريحا و19 الف مفقود وحوالي مليوني نازح وسط دمار هائل وخطر المجاعة والاوبئة، والاحصائيات في ارتفاع مضطّرد بالتزامن مع منع اسرائيل دخول المساعدات العلاجية والاغاثية وتجاهل جميع المطالب الدولية والأممية لها بضرورة السماح بادخال المساعدات الى غزة المحاصرة، يدعمها فيتو أمريكي ودعم غير محدود لاسرائيل.
كما تشهد مدينة القدس على وجه الخصوص ممارسات عدوانية متسارعة تتمثل بالتضييق والاغلاق المستمر للبلدة القديمة والمسجد الاقصى المبارك وكنيسة القيامة واقامة الحواجز وخلق ازمة مرورية ومشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة، اضافة الى اقتحامات المستوطنين وجماعات وتلاميذ الهيكل للمسجد الاقصى المبارك واقتحام القرى والمخيمات وتهجير الاهالي منها، وممارسات هدم المنازل كما هو الحال في بطن الهوى من أحياء بلدة سلوان لصالح الجمعيات الاستيطانية، لتبلغ في النصف الاول من هذا العام 2025م حوالي 93 عملية، منها 53 وحدة سكنية و40 مبنى غير سكني، وهذا مرتبط بسياسة الاستيطان حيث بحثت المؤسسات واللجان المعنية بالاستيطان خلال شهر ايار حوالي 26 مخططاً هيكلياً لصالح مستعمرات الضفة الغربية ومستعمرات داخل حدود بلدية القدس، بهدف بناء 3000 وحدة استعمارية جديدة، على مساحة 1700 دونم جرى مصادرتها لصالح مستعمرات رعوية وزراعية، وهذا مرتبط باعتداءات وهجمات المستوطنين على البلدات والقرى أيضاً.
ولاشك أن هذه الممارسات الاسرائيلية تلقى معارضة دولية يساعد في توسيع رقعتها وعي الرأي العام الدولي بخطورة الفكر والنهج الاستعماري الاسرائيلي، وقد شهدت المدن الاوروبية والعالمية مظاهرات ومسيرات غضب شاركت فيها الشعوب والمنظمات الحقوقية المدنية، وهو أمر وجد صداه في اروقة الدبلوماسية الدولية، ففي شهر حزيران هذا العام وجه حوالي ثمانية وزراء أوروبيين رسالة للاتحاد الأوروبي تطالب الاتحاد بتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية والذي تم التصويت عليه في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ سبتمبر عام 2024م بأغلبية 124 عضواً يطالب بأن تنهي إسرائيل وجودها الاستعماري غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة خلال 12 شهرا، وذلك بناء على فتوى طلبتها الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية لسياسات إسرائيل وممارستها في فلسطين المحتلة، كذلك أعلنت بريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا والنرويج، فرض عقوبات على الوزيرين الإسرائيليين إيتامار بن غفير وزير ما يسمى الامن القومي، والوزير سموتريتش، وزير المالية، بسبب تكرارهما التحريض على العنف ضد المجتمعات الفلسطينية، وهو ما ايدته اسبانيا التي اعلن وزير خارجيتها مؤخراً بأن اسبانيا ستطلب من الاتحاد الاوروبي الموافقة على التعليق الفوري لاتفاقية التجارة مع إسرائيل وحظر بيع الاسلحة التي تستخدم في ابادة الشعب الفلسطيني، الى جانب فرض عقوبات فردية على كل من يسعى الى تقويض حل الدولتين المطالب به عالمياً.
وتبين اللجنة الملكية لشؤون القدس بأن العالم يعيش حالة تتصاعد فيها المواقف الدولية والدبلوماسية وان لم ترتقِ لمستوى التنفيذ والردع، وان هذا التصاعد يمثل مؤشراً على أن الرأي العام الدولي يدرك بقوة أن القضية الفلسطينية وعدالة مطالب شعبها هي مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة، وفي وقت مهم تمارس فيه بعض القوى العالمية سياسة الكيل بمكيالين والانحياز الواضح والشامل لاسرائيل، في مناخ سياسي يحاولون فيه فرض نظرية جديدة مقلقة هي (السلام بالقوة)، وسط عدم الالتفات للحقوق والمصير الذي تقرره الشعوب الصامدة بنضالها ورباطها ومنها الشعب الفلسطيني.
وتؤكد اللجنة الملكية لشؤون القدس أن الاردن شعبا وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، يدعم فلسطين وقضيتها ويدافع عنها في المحافل الدولية، حيث أكد جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله في خطابه التاريخي المهم أمام البرلمان الاوروبي مؤخراً، خاصة في هذا الوقت الذي تشهد فيه اوروبا ما يمكن تسميته بالحراك والدبلوماسية الايجابية في بعض مواقفها تجاه القضية الفلسطينية، وهذا الخطاب الملكي المؤثر الذي حمل رسائل ملكية انسانية مشرفة وفي وقت يزيد فيه الاحتلال الالم والمعاناة في غزة، ويجب على العالم ان يعزز فيه ارادة وجهود السلام والاردن شريك لاوروبا في مسار السلام العادل على اساس الحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني، وسيبقى الاردن راسخاً على مواقفه المساندة للشعب الفلسطيني والمطالبة بنصرته مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.