عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Nov-2025

الخطة الأميركية لغزة: "منطقة خضراء" تحت سيطرة قوات دولية وإسرائيلية

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
إيما غراهام-هاريسون* - (الغارديان) 14/11/2025
هناك "مفهوم عملياتي" أميركي لـ"قوة الاستقرار الدولية" يقصر عمل الجنود على "المنطقة الخضراء فقط". وتتخيل الولايات المتحدة أن يبدأ الانتشار "بحجم صغير" في منطقة محدودة ببضع مئات من الجنود، ثم يتوسع تدريجيًا ليصل إلى قوة كاملة تتكون من 20.000 جندي في كل المنطقة. ولن تعمل القوة في الجانب الغربي من "الخط الأصفر"، حيث تعيد "حماس" ترسيخ سيطرتها. 
 
تخطط الولايات المتحدة لإبقاء غزة مقسّمة على المدى الطويل إلى "منطقة خضراء" تحت سيطرة عسكرية إسرائيلية ودولية، حيث ستبدأ عملية إعادة الإعمار، و"منطقة حمراء" سوف تُترك مدمَّرة.
وسوف تُنشر قوات أجنبية في البداية إلى جانب الجنود الإسرائيليين في شرق غزة، وهو ما سيترك القطاع المدمَّر مقسَّمًا بـ"الخط الأصفر" الحالي الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، وفقًا لوثائق تضم مخططات عسكرية أميركية اطلعت عليها "الغارديان" ومصادر مطلعة على الخطط الأميركية.
وقال مسؤول أميركي، تحدّث بشرط عدم الكشف عن هويته: "من الناحية المثالية، سوف ترغب في جعله (قطاع غزة) كُلًا موحّدًا، أليس كذلك؟ لكن هذا تصوُّر طموح وتطلعاتي". وأضاف: "سوف يستغرق الأمر بعض الوقت. لن يكون الأمر سهلًا".
تثير الخطط العسكرية الأميركية أسئلة جدّية حول مدى التزام واشنطن بتحويل وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه الشهر الماضي إلى تسوية سياسية دائمة مع حكم فلسطيني في غزة، وهو ما وعد به دونالد ترامب.
لكنّ الخطط الخاصة بمستقبل غزة كانت تتغير بوتيرة مذهلة، في ما يعكس مقاربة مرتجلة وفوضوية لحلّ أحد أكثر النزاعات تعقيدًا واستعصاءً في العالم، وتقديم المساعدات -بما في ذلك الغذاء والمأوى- لمليوني فلسطيني في القطاع المدمّر.
بعد أسابيع روجت خلالها الولايات المتحدة لإعادة الإعمار في شكل مخيمات محاطة بالأسوار لمجموعات صغيرة من الفلسطينيين، والتي أُشير إليها على أنها "مجتمعات آمنة بديلة"، تم إسقاط هذه الخطط في أواسط هذا الشهر، كما قال المسؤول الأميركي.
وأضاف المسؤول الأميركي: "هذه لمحة من مفهوم طُرح في مرحلة معينة. لكنهم تجاوزوه وانتقلوا منه مُسبقًا".
وقالت منظمات إنسانية لطالما أثارت مخاوف كبيرة بشأن نموذج "المجتمعات الآمنة البديلة" يوم الجمعة، 14 تشرين الثاني (نوفمبر)، إنها لم تتلق بعد إشعارًا بتغيير الخطط.
من دون خطة قابلة للتنفيذ لنشر قوة حفظ سلام دولية؛ وانسحاب القوات الإسرائيلية؛ وإعادة إعمار واسعة النطاق، تظل غزة مهددة بالانزلاق إلى حالة من "الليمبو"، حيث تسود الضبابية والضياع بعد عامين من الحرب المدمرة.
وقد حذّر الوسطاء أيضًا من وضع "لا سلم ولا حرب" يسود في غزة المقسمة، مع استمرار الهجمات الإسرائيلية بانتظام، وترسيخ الاحتلال، وغياب حكم ذاتي فلسطيني، وإعادة إعمار محدودة لمنازل ومجتمعات فلسطينية صغيرة.
يشكل إنشاء "قوة استقرار دولية" (ISF) حجر الأساس في "خطة السلام" ذات النقاط العشرين التي وضعها ترامب. وتأمل الولايات المتحدة أن يتم تمرير مشروع قرار في مجلس الأمن يمنح هذه القوة تفويضًا رسميًا في الأيام القليلة المقبلة، وتتوقع أن تتبع ذلك تفاصيل واضحة حول المساهمات بالقوات. (1)
وقال المسؤول الأميركي: "الخطوة الأولى هي أن علينا الحصول على [القرار]". وأضاف: "لن تُقدّم الدول التزامات رسمية وحاسمة إلى أن ترى فعليًا نص القرار الذي يتم تمريره".
وكان ترامب قد استبعد نشر أي جنود أميركيين على الأرض لتمهيد الطريق لانسحاب إسرائيلي، أو تقديم أي تمويل لإعادة الإعمار. وقال مصدر دبلوماسي: "كانت الولايات المتحدة واضحة للغاية في أنها تريد أن تضع الرؤية، لا أن تدفع تكلفتها".
في وقت سابق من هذا الشهر، وضعت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، وهي القيادة العسكرية الإقليمية، خططًا لنشر قوات أوروبية -بما في ذلك مئات الجنود البريطانيين والفرنسيين والألمان- في صلب "قوة الاستقرار الدولية"، وفقًا لوثائق اطلعت عليها "الغارديان".
وتشمل هذه الخطط نشر ما يصل إلى 1.500 جندي مشاة من المملكة المتحدة، يتمتعون بمهارات وخبرات تشمل تفكيك المتفجرات والطبابة العسكرية، وما يصل إلى 1.000 جندي فرنسي يتولون مهام فتح الطرق وتأمينها.
كما أرادت الولايات المتحدة أن تُسهم ألمانيا وهولندا ودول الشمال الأوروبية بقوات تتولى تشغيل المستشفيات الميدانية، وتأمين اللوجستيات، والاستخبارات.
ووصف أحد المصادر هذه الخطط بأنها "وهمية". بعد المهام طويلة الأمد في العراق وأفغانستان، لن يكون العديد من القادة الأوروبيين راغبين في تعريض حياة جنودهم للخطر في غزة، حتى مع تعهدهم بتقديم أنواع أخرى من المساندة. وكانت إيطاليا وحدها هي التي عرضت إمكانية المساهمة بقوات.
كانت الوثائق التي ضمت الخطط الأميركية مصنّفة بأنها غير سرية unclassified، ما يُشير إلى أن الولايات المتحدة لم تعتبر خططها العسكرية شديدة الحساسية، وأنها اصطدمت على ما يبدو بالواقع في غضون أيام قليلة.
وقال مسؤول أميركي إن الأرقام الواردة في الوثائق "تتضمن العديد من الأخطاء والمعلومات غير الدقيقة"، وإن واشنطن لم تتوقع أن تشكل القوات الأوروبية العمود الفقري لـ"قوة الاستقرار الدولية"، مضيفًا أن التخطيط لغزة كان يتقدم بسرعة.
وأقر المسؤول الأميركي بأن "الوضع بالغ الدينامية ومتغير للغاية. هناك قلّة فقط من الأشخاص الذين يفهمون فعليًا ما يجري والذين يضعون أيديهم على المقود في هذا الأمر".
كان قد تم إدراج الأردن كجهة مساهمة محتملة بمئات من جنود المشاة الخفيفة وما يصل إلى 3.000 شرطي، حتى على الرغم من أن الملك عبد الله استبعد صراحةً إرسال قوات، لأن بلاده "قريبة جدًا سياسيًا" من غزة. هناك قسم كبير من الأردنيين من أصول فلسطينية، وتشكل الموافقة على تولّي مهام شرطية على أنقاض القطاع بالتنسيق مع القوات الإسرائيلية عملًا غير شعبي ويشكل تهديدًا كبيرًا للأمن القومي الأردني.
حتى يوم الخميس، 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، كانت القوات العسكرية الأميركية تتوقع مساهمات أساسية من مجموعة واسعة من الدول التي وُصفت بأنها "الناتو والشركاء"، والتي شملت دولًا في مختلف أنحاء أوروبا وآسيا والشرق الأوسط.
ثمة "مفهوم عملياتي" أميركي لـ"قوة الاستقرار الدولية" يقصر عمل الجنود على "المنطقة الخضراء فقط". وتتخيل الولايات المتحدة أن يبدأ الانتشار "بحجم صغير" في منطقة محدودة ببضع مئات من الجنود، ثم يتوسع تدريجيًا ليصل إلى قوة كاملة تتكون من 20.000 جندي في كل المنطقة.
ولن تعمل القوة في الجانب الغربي من "الخط الأصفر"، حيث تعيد "حماس" ترسيخ سيطرتها. وقال المسؤول الأميركي: "إنكم لن تغادروا [المنطقة الخضراء]".
هناك وثيقة أخرى تضم خططًا لتمركز جنود أجانب عند المعابر على طول خط السيطرة بعد "الاندماج" مع القوات الإسرائيلية المتمركزة على طول الخط الفاصل، وهي مهمة يُرجَّح أن تثير قلق الدول التي يُحتمل أن تساهم بقوات.
وتخشى هذه الدول أن يعلق جنودها في تقاطع النار بين "حماس" والجنود الإسرائيليين، خاصة وأن الحدود عادة ما تكون نقاط اشتعال محتملة. كما تخشى هذه الدول أيضًا من فتح الباب أمام اتهامات بأن "قوة الاستقرار الدولية" تدعم وتعزز استمرار الاحتلال الإسرائيلي لغزة.
سوف "ينظر" الجيش الإسرائيلي في "الظروف المؤاتية للانسحاب" في مرحلة لاحقة عندما يكون "الأمن الدولي" قد تحقق، وفق ما تنص عليه الخطة من دون تحديد أي جدول زمني.
تشكل إعادة توحيد غزة جزءًا من عملية "نقلها نحو الاستقرار والسلام الدائم وانتقال إلى الحكم المدني"، كما قال المسؤول الأميركي، لكنه أضاف أنه كان من المستحيل تحديد موعد قد يحدث فيه ذلك.
تصف خطة ترامب ذات النقاط العشرين قوة شرطة فلسطينية جديدة بأنها "الحل على المدى الطويل للأمن الداخلي" في غزة، لكن المخططين الأميركيين خصصوا لها دورًا محدودًا فقط. وتدعو الخطة الأولية إلى نشر 200 مجنّد في البداية، ثم يرتفع العدد خلال عام إلى قوة من 3.000 إلى 4.000 شرطي، وهو ما يعادل خُمس عدد عناصر الانتشار الأمني المخطط له.
إعادة الإعمار
ينظر المخططون العسكريون الأميركيون أيضًا إلى إعادة الإعمار داخل "المنطقة الخضراء" كجزء من مسار غامض لتوحيد غزة عن طريق إقناع المدنيين الفلسطينيين بالانتقال عبر خط السيطرة الإسرائيلية.
وقال المسؤول الأميركي: "مع سير الأمور وخلق الظروف لتحقيق تقدم كبير في إعادة الإعمار، سترى المدنيين الغزيين الذين ينتقلون إلى هناك وهم يزدهرون. سوف يقول الناس: ’هيه. نحن نريد ذلك‘، وهكذا ستتطور الأمور في ذلك الاتجاه. لا أحد يتحدث عن عملية عسكرية لفرض ذلك".
ومع ذلك، فإن مجرد تحديد "منطقة خضراء" في غزة يستدعي عقد مقارنات مع العراق وأفغانستان، حيث أصبح هذا المصطلح مرادفًا لإخفاقات الجيش الأميركي.
في بغداد وكابول، كانت المناطق الخضراء جيوبًا محاطة بحواجز إسمنتية مضادة للانفجارات، والتي تراجعت إليها القوات الغربية وحلفاؤها المحليون هربًا من العنف الذي أطلقته مهمتها في المجتمعات المحيطة.
كما تستحضر الخطة التي تقوم على استخدام المساعدات لإغراء سكان غزة بالانتقال إلى منطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، بعد عامين من حرب اعتبرتها لجنة تابعة للأمم المتحدة إبادة جماعية، أصداء سياسات أميركية كارثية أخرى من تلك الصراعات.
قبل نحو عقد من سيطرة طالبان على كابول، زعمت الولايات المتحدة أنها كانت تجلب "حكومة جاهزة في صندوق" إلى جنوب هلمند لكسب ود المدنيين. لكن تلك المقاطعة الأفغانية بقيت معقلًا للمتمردين.
تلتزم خطة ترامب ذات النقاط العشرين بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية في غزة، وبانسحاب إسرائيلي نهائي إلى "محيط أمني" يُقتطع من الأرض الفلسطينية. وسيتم تسهيل ذلك من خلال "قوة الاستقرار الدولية، بما يسمح ببدء إعادة الإعمار "لصالح سكان [غزة]".
لا شك أن الحاجة ملحّة إلى إعادة الإعمار في القطاع، حيث تضرر أو دُمّر أكثر من 80 في المائة من المباني في غزة خلال الحرب، بما في ذلك تقريبًا جميع المدارس والمستشفيات، وفق بيانات الأمم المتحدة.
بعد مرور أكثر من شهر على بدء وقف إطلاق النار، ما تزال إسرائيل تواصل الحدّ من وصول شحنات المساعدات إلى غزة، بما في ذلك منع دخول مواد أساسية، مثل أعمدة الخيام التي تصنفها على أنها "ذات استخدام مزدوج" لأن هناك إمكانية، كما تقول، لاستخدامها لأغراض عسكرية.
ما يزال ما يقرب من 1.5 مليون فلسطيني ينتظرون وصول مواد الإيواء الطارئة، ويعيش مئات الآلاف الآخرين في خيام من دون إمكانية الوصول إلى خدمات أساسية مثل المياه النظيفة. ويكتظ كل السكان تقريبًا -أكثر من مليوني شخص- في "المنطقة الحمراء"، وهي شريط ساحلي يشكل أقل من نصف مساحة غزة.
 
* إيما غراهام-هاريسون Emma Graham-Harrison: كبيرة مراسلي شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "الغارديان"، وتعمل من القدس، حيث تغطي الصراعات والتحولات السياسية في المنطقة بعمق وتحليل دقيق. تمتلك خبرة واسعة في العمل الميداني من خلال تقاريرها السابقة مع وكالات وصحف دولية بارزة، واشتهرت بتغطيتها للحروب والأزمات الإنسانية في أفغانستان، وباكستان، وأميركا اللاتينية، بالإضافة إلى تغطيتها المستمرة للأوضاع في فلسطين وإسرائيل. 
*نُشر هذا التقرير تحت عنوان: US military planning for divided Gaza with ‘green zone’ secured by international and Israeli troops
 
(1) تحديث: أقرّ مجلس الأمن القرار رقم 2803 الذي يوافق على خطة ترامب لغزة، والذي صاغته الولايات المتحدة، في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2025.